عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 03-16-2023
اميرة الحب غير متواجد حالياً
Egypt     Female
SMS ~ [ + ]
ستجد الحب حتماً حين تؤمن بكل قواك القلبية أنّك تستطيع تحمل كل نقطة عذاب ستواجهك في هذا الطريق، وحين تؤمن وتستوعب جيداً أنّ الحب تضحية، ووفاء، وحنان لا ينتهي
اوسمتي
وسام الادارية النشطة وسام العطاء والتميز تكريم اكتوبر وسام الإدارية المتميزه 
لوني المفضل Gold
 رقم العضوية : 3722
 تاريخ التسجيل : Feb 2021
 فترة الأقامة : 1167 يوم
 أخر زيارة : منذ 19 ساعات (03:57 PM)
 المشاركات : 114,651 [ + ]
 التقييم : 123782353
 معدل التقييم : اميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond reputeاميرة الحب has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 14,759
تم شكره 10,760 مرة في 7,033 مشاركة

اوسمتي

user353_pic2thumb قصة تلال الرماد



كنَّا صغارًا، هنا بيتي وشجرة الليمون، هناك كانَ أبي يرقُد عاجزًا عنِ الحركة، وقد تناثرتْ ثمراتُ الليمون في كلِّ مكان، لم أفهمْ سببَ عدمِ ركضه معنا، فوق التلِّ كنتُ أركض باكية، وصورة عيونه التي يملؤها الدهشةُ والفزع، لم أفهم لِمَ لم يعدْ يجمع طعمَ الصبَّار مِن قلوبنا؟! العَروس الخشبيَّة التي نحتَها ببراعةٍ بيديه التي تُشبه جذورَ شجرة القُطن ورَاح يبثُّها رُوحَه فتتَّسع عيونه بحجمِ الكون ينظُر إليَّ بحزن يداري همًّا بالقلْب، خلعتُ قُرطي الذي اشتراه لي في العيدِ لأُزيَّن به عَروسي الخشبيَّة، كنت أصرُخ فرحةً أنشُر جناحيَّ على وجهِ الرِّيح.





يُحضِر أبي نبتةَ الليمون ثم يحفِر بيديه، أمسكتُ بها وغرستُها وراح يثبتها جيدًا وأنا أَرويها بالماء، كنَّا نُحصي معًا عدد أوراقها، ورحتُ أنمو معها، كنتُ أحلم أنْ أجمع ثمارَها وأُهديها للصِّغار في حيِّنَا.



الرِّيح تَعوي، تُثير غبارًا كثيفًا يقتربُ بسرعة، لم أهتمَّ به، ورحتُ أطوف بالمكان، هناك كنت أنام على راحةِ الفجر أغنِّي لـ(فـ....)، يَنتشي والدي وهو يضحَك فيُنير جبينه، يرفَع فرعَ الشجرة عاليًا وهو يهتزُّ راقصًا.



نبتةُ الليمون، عارية إلاَّ مِن بعض وريقات جافَّة، فروعها المحترِقة اكتستْ بالسواد، اختفتْ أشجار الليمون وثعبان ضخْم يبتلع الأرْض يُحيط بالمكان.



لم أتنبَّه لصوتِ السائق الذي يلحُّ في طلب الأجْر يغلب عليه توتُّر ولهفة، قدمتُ له ورقةً نقدية صغيرة، نظَر إليَّ بريبة وقد ارتسمتْ علامات الغضب على وجهه وهو يغمغم ثم فرَّ هاربًا.



- أحبُّ رائحة الليمون يا أبي.



عابثته ضاحِكةً، علامات الإجهاد ظهرتْ عليه وأنا أنتقِل مِن غصن إلى آخَر بطفولتي التي بلغتْ حدَّ الروعة.



راح يخطُّ بقلمِه الذي اقتطعَه مِن شجرةِ الليمون وهو يغنِّي:



اكتُبي يا صغيرتي (يــ...)، حرْف يمتطي صهوةَ الحلم، يشرع في الرَّكْض، يأمن، يسمو، ينام بيْن أنغام السَّلام.



- ماذا تقول يا أبي؟!



راح يضحَك ملءْ شدقيه، وقدْ أطلقني لأجمعَ أزهار الياسمين، رحتُ أطارد الفراشات أشاكِس الجراد، أقلَّد هديل اليمام وهو يراقبني ضاحكًا.



عندَما كنتُ أبتعِد، كان يقلِّد صوتَ الذئب، أعود إليه لأخبرَه أنَّ هنا لا توجد ذِئاب، كنت أضحَك وأحلِّق مِن جديد، لكنَّني لم أعِ يومَها حزنَه الدفين الذي كان يملأ عيونَه.



- يا ليتَنا كنَّا صغارًا!



- أريد أن أكبرَ يا أبي.



- يا صَغيرتي ستكبرين عندما.



حارتِ الكلمات على لسانه، أخرج العروسَ مِن خلف ظهره وقد اكتستْ بألوان مزركَشة ثوبها الأحمر، قلبها الأبيض، وخضار شجرة الليمون فوقَ رأسها، يومها قفزتُ أُعانقه وقد انهالتْ قُبلاتي على وجنتيه، سقَط أرضًا بيْن نبت السهل، هرولت مبتعدة، اقترب منِّي محدقًا في خطوط الكراس، أصوات الجرَّافات تبثُّ في رُوحي الخوفَ القديم الذي أمقتُه أخبِّئ صورها القبيحة في مهملاتِ الذاكرة، وأعاود التحديق مِن جديد.



- اكتبي يا صغيرتي (ـا....) أسد يزأر، فتهرَب الذئاب، تأمن العصافيرُ داخل أعشاشها، وترفل الطيورُ إلى أوكارِها عندَما يعود المبعدون إلى دِيارِهم.



- لم أفهم! الآن أريدُ أن أكبرَ، أريد أن أكبرَ.



- ربَّما عندَما تأكلين جيدًا وتسمعين كلامَ (ماما) و...



انهمرتِ الدموع من عيوني لتصنعَ بُحيرتَين صغيرتَين أسفل قدميَّ.



- أريد أن أكـ...



- ربَّما في المساءِ عندما يأتي الماردُ الجبَّار تضعين في جعبته ليمونةً وأمنيةً في الصباح، تكبرين مثل عروس يومِ الزفاف.



وجدتُه في الصباح ينامُ على مقعدِه، ممسكًا في يدِه ليمونة وطبعتُ على جبينه قبلةً ثم احتضنتُ العروس وأنا ألاحِظ ابتسامةً كبيرة تغزو وجهَه، صعدت إلى أعلى التلِّ أراقِب منزلي الشامِخ بسفْح الجبل، أبي يركُض ناحيتي يفتَح زراعيه، لم أفهمْ صرخات أمِّي وخلفها يركض إخوتي كنتُ أظنُّها فرحةً تنطلق ناحيتي، أخذت أعْدو ناحيتها، نبتتْ أجنحتي الصغيرة فحلقتُ عاليًا، تفْزع عروسي من هولِ صراخ الرصاصاتِ تسقُط بعيدًا تحتَ شجرة الليمون وقد تحطَّمت.



هبطتُ بوداعة ناحية حضنها الدافئ، لم أفهمْ حدَّ الفزع في عيونها والخوف والهَلَع المرتسم في عيون إخوتي، رفعتُ يدي وقدْ تقاطرتْ منها الدماء، نظرتُ ناحية أبي الذي ما يَزال يرقُد هناك دون حراك؛ علَّه يعود مِن جديد يحدق في الكراس معاتبًا.





هنا كان أبي يحمل حجرًا مِن أحجار البيت، يبثُّه من رُوحه معنى الصمود، كنَّا نجلس تحتَ شجر الليمون يُعلِّمني كيف نزرع الحرفَ بقلوبنا، كيف نسقيه بدمائنا، نصونه بسواعدنا حتى تنموَ حروفنا، يقول دائمًا: يا ليتنا كنَّا صغارًا، كنت أُصيح بوجهه:



- بل قل: يا أبي، يا ليتَنا كنَّا كبارًا!



- اكتبي يا صغيرتي، (فــ....) فرح يسكُن جدرانَ البيت، تراتيل تحفظ أحجاره الصامِدة، يردِّدها سفحُ الجبل.



أنتزِع القلم في غفلةٍ منه، أعْدو وهو يصيح خلفي، عندما يُصيبه التعب يجلس تحتَ شجرة الليمون، أجلِس بجواره فيسَّاقط الثمر بيْن أيدينا.





أعلم يا أبي أنَّ صراخ الموتِ الساكن بقلْب الطلقات الناريَّة التي تجوب المكانَ كانت تفزعك، عيون أمِّي كانت تأمرني أن أركض، ابتسامتك اليابِسة فوق وجهك تأمرني أن أركض، رائحة الليمون بكلِّ مكان تريدني أن أركض، نظرتُ إلى بيتي أسفلَ الجبل وقدْ غامتْ فوقه السماء، الغربان تحلِّق بكلِّ مكان، صرخاتها البغيضة تنعق، الموت في كلِّ مكان، النار تشتعل بشجراتِ الليمون، البيت ينفُث دخانه ناحيةَ السماء حزينًا غضبًا، أخذتُ أركض وصورة بيتي وسفْح الجبل وشجرات الليمون مرسومة في المدَى، أمدُّ يدي لألمسَها لكنَّها مع كلِّ محاولة تغيب.



- ألف (ــا) يُساوي بيتًا، سدّ يحبس وراءَه أسرار الأرض، علم يَسْمو فوق القلب يُرفِرف بين الضُّلوع.



هنا مِن خلف التلِّ طلَّت بقايا الليل تروعني تستنهض الخوفَ الذي استكانَ بعيون عروسي، كلَّما ركضت أكثر ركضَ خلفي العشرات مِن أصواتِ اليهود القذِرة تُطاردني في كلِّ مكان.





الرِّيح تقترب منِّي في مودَّة تداعب ثيابي وخُصلات شَعري فوقَ جبيني تتراقص.



أنا يا أبي ما زلتُ أحتفظ بكرَّاسي، عروسي كانت تمدُّ لي يدَها الخشبية من تحت الرَّماد، وبيتي ما زال صامدًا، أحجاره الشُّم الباقية ما زالتْ تقاوم.



وإخوتي ربَّما ينبتون مِن جديد تحتَ أشجار الليمون.



الرِّيح تُزمجِر، تقترب منِّي بوقاحة.



يقتربون منِّي بحذرٍ يُطالبونني بالمغادرة، وأنا يا أبي سئمتُ أن أجيء في صمت وأرْحَل في سكون، لوَّحتُ مهددة.



شجرةُ الليمون المحترِقة أرَى برعمَها يقاوم مِن جديد مِن تحتَ الرماد، رائحة الليمون تزكم أنفي، انحنيتُ على الأرض، أمسكت بيدي المرتعِشة حجرًا لوَّحتُ به في وجوهِهم، كلَّما اقتربتْ جرَّافاتهم أكثرَ كان صوتي يَعلو صوت الجرافات، صوت أبي كان يُغنِّي معي وهم يقتربون منِّي، أستنفِرُ بقايا غضبي وأنا أغنِّي.



- (يـ) حرف



- (ا) أسد



- (فـ..) فرح



- (ا)...


💠💠💠💠💠💠💠

مما قرأت

المواضيع المتشابهه:



 توقيع :




💕🅰 🅼 🅵 💕



رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ اميرة الحب على المشاركة المفيدة:
 (03-16-2023),  (03-16-2023)