عرض مشاركة واحدة
قديم 12-08-2012   #52


الصورة الرمزية بسمة روح
بسمة روح غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 234
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 09-13-2014 (01:00 PM)
 المشاركات : 12,175 [ + ]
 التقييم :  53790370
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
افتراضي



تاريخ الاستعباد

حمدي شفيق

لم يكن الإسلام مسئولاً عن ابتداع الرق . هكذا تثبت حقائق التاريخ التى دوَّنَها المؤرخون من غير المسلمين .. فالتاريخ المعروف للبشرية يشير إلى أن الرق ظاهرة عريقة فى القدم ، تاريخها هو ذاته تاريخ الاستغلال وظلم الإنسان لأخيه الإنسان . وقد نشأت ظاهرة الاستعباد منذ عشرات الألوف من السنين ، وتحديدًا فى فترة التحول من الصيد إلى الاعتماد على الزراعة المُنَظّمة كوسيلة لاكتساب الرزق .. يقول المؤرخ الكبير "ول ديورانت" فى موسوعته الشهيرة "قصة الحضارة" :
(بينما كانت الزراعة تُنْشئ المدنيِّة إنشاءً فإنها إلى جانب انتهائها إلى نظام الملكية ، انتهت كذلك إلى نظام الرق الذى لم يكن معروفًا فى الجماعات التى كانت تقيم حياتها على الصيد الخالص، لأن زوجة الصائد وأبناؤه كانوا يقومون بالأعمال الدنيئة , وكانت فيهم الكفاية لذلك، وأما الرجال فقد كانت تتعاقب فى حياتهم مرحلة تضطرب بنشاط الصيد أو القتال، يتلوها مرحلة من فتور الاسترخاء والدعة بعد الإجهاد والعناء. ولعل ما تنطبع به الشعوب البدائية من كسل قد بدأ – فيما نظن – من هذه العادة . عادة الاستجمام البطىء بعد عناء القتال والصيد ، ولو أنها لم تكن عندئذ كسلاً بمقدار ما كانت راحة واستجمامًا ؛ فلكى تحوِّل هذا النشاط المتقطع إلى عمل مطرد ، لابد لك من شيئين : العناية بالأرض عناية تتكرر كل يوم , وتنظيم العمل .
وأما تنظيم العمل فيظل مُنْحلَّ العرى لَدُنِّىَّ النشاط مادام الناس يعملون لأنفسهم، لكنهم إذا كانوا يعملون لغيرهم فإن تنظيم العمل لابد أن يعتمد فى النهاية على القوة والإرغام ؛ وذلك أن نشأة الزراعة وحدوث التفاوت بين الناس انتهيا إلى استخدام الضعفاء بواسطة الأقوياء اجتماعيًا ؛ ولم يتنبَّه الظافر فى القتال قبل ذلك إلى أن الأسير الذى ينفعه هو الأسير الحى ، وبذلك قلَّت المجازر وقلَّ أكل الناس بعضهم لحوم بعض كلما زاد نظام الرق اتساعًا. وإذن فقد تقدم الإنسان من حيث الأخلاق تقدمًا عظيمًا حين أقلع عن قتل أخيه الإنسان أو أكله ، واكتفى من أعدائه باسترقاقهم. وإنك لترى تطورًا كهذا يتم اليوم على نطاق واسع ، إذ أقلعت الأمم الظافرة عن الفتك بالعدو المغلوب ، واكتفت باسترقاقه عن طريق التعويض الذى تقتضيه إياه . ولما استقر نظام الرق على أسسه ، وبرهن على نفعه ، أخذ يزداد نطاقه بأن أضيف إلى الرقيق طوائف أخرى غير الأسرى ، فأضيف إليهم المَدِينُون الذين لا يُوفَون بالدَّيْن ،واللصوص, والمجرمون الذين يعاودون الإجرام ، هذا إلى جانب غارات تُشن عمدًا لاجتلاب الرقيق ؛ وهكذا كانت الحرب بادىء الأمر عاملاً على نشأة الرق ، ثم أصبح الرق عاملاً على شن الحروب .
ولعل نظام الرق حين امتدت به القرون قد أكسب الجنس البشرى تقاليده وعاداته من حيث العمل . فلن تجد بيننا أحدًا يُقدم على عمل شاق عسير إذا كان فى مقدوره أن يتخلص منه بغير أن يتعرض لشىء من العقاب البدنى أو الاقتصادى ، وإذن فقد بات الرق جزءًا من النظام الذى استعد به الإنسان للقيام بالصناعة ، هذا فضلاً عن أنه عمل على تقدم المدنيَّة بطريق غير مباشر ، بأن زاد من الثروة فخلق الفراغ لفئة قليلة من الناس ، ولما مضت قرون على هذا النظام ، جعل الناس ينظرون إليه على أنه نظام فطرى لاغنى عنه !!- واستوى فى هذا الرأى أكابر الفلاسفة مع أجهل الناس،وبهذا قال أرسطو قبل الأديان، ثم بارك القديس بولس هذا النظام الاجتماعى الذى لابد أن يكون قد بدا لعينيه فى عصره نظامًا قضى به الله)!! ولمن شاء مزيدا من التفاصيل أن يراجع كتاب ديورانت الهائل الذى طبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب مترجما الى اللغة العربية .
وقد عرفت كل الحضارات والأمم السابقة على الإسلام ظاهرة الاستعباد للآخرين على أوسع نطاق ممكن .. فالرق كان موجودًا لدى الفراعنة .. إذ كان الملوك والكهنة وقواد الجيش المصرى القديم يتخذون أسرى الحرب عبيدًا لهم ، يستخدمونهم فيما تحتاج إليه الدولة الفرعونية من أعمال كشق الترع وبناء الجسور والمعابد والأهرامات . وعلى خلاف المعروف لدى الأمم الأخرى فى تلك الفترة - كما يلاحظ محمد عطية الأبراشى (1)- كان عبيد القصور يتمتعون بمعاملة إنسانية فى مصر ، وكان مسموحًا للحرّ أن يتزوج جارية . وكان محظورًا على السادة قتل الرقيق ، ومن قتل عبدًا فإنه يُقتل به على سبيل القصاص ..

الرق فى أشور


وكان الرق موجودًا على أوسع نطاق لدى الآشوريين .. وقد كانت قصورهم مليئة بالعبيد والجوارى للخدمة والمتعة فى آن واحد .. ومن أطرف الوثائق والعقود التى عُثر عليها وتعود إلى عهد الملك نبوخذ نصر – كما يقول ول ديورانت – تلك العقود المتصلة بالعبيدوكان مصدر هؤلاء العبيد أسرى الحروب ، والغارات التى يشنها البدو الرحل على الولايات الأجنبية، ونشاط العبيد أنفسهم فى التناسل . وكان ثمن الأرقاء يختلف من عشرين ريالاً إلى خمسة وستين للمرأة ، ومن خمسين ريالاً إلى مائة ريال للرجل . وكان هؤلاء العبيد هم الذين يؤدون معظم الأعمال العضلية فى المدن ، وتدخل فى هذه الأعمال الخدمات الشخصية .
وكانت الجوارى ملكًا خالصًا لمن يبتاعهن ، و عليهن أن يمهدن له فراشه ويطبخن له طعامه ، وكان المعروف أنه سيستولدهن عددًا كبيرًا من الأبناء . وكان العبد وكل ما ملكت يداه ملكًا لسيده : من حقه أن يبيعه أو يرهنه وفاء لدين ، ومن حقه أن يقتله إذا ظن أن موته أعود عليه بالفائدة من حياته . وإذا أبق العبد فإن القانون لا يبيح لأحد أن يحميه وكانت هناك جائزة لمن يقبض عليه . وكان من حق الدولة أن تجنده كما تجند الفلاح الحرّ للخدمة العسكرية, أو تسخّره للقيام ببعض الأعمال العامة كشق الطرق ، وحفر القنوات . وكان أكثر العبيد يقنعون من حياتهم بكثرة انجاب الأبناء ، حتى صاروا أكثر عددًا من الأحرار . فكانت طبقة الأرقام الكبيرة تتحرك كأنها نهر تحتى جيَّاش يجرى تحت قواعد الدولة البابلية).(2) انتهى .





 
 توقيع :


رد مع اقتباس