عرض مشاركة واحدة
قديم 06-23-2011   #4


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



عندما استيقظت، لم تكن الشمس في مكانها الذي عهدته كل صباح، فقد قطعت مسافات
بعيدة عن نافذتي، والساعة قد قاربت من العاشرة صباحاً، وطبعاً لن أترك ضيفي
لوحده وأذهب للعمل وعلى كل حال تأخرت كثيراً وسوف يطردني صاحب المعمل.
خرجت لشراء الفطور، وعدت بسرعة قبل أن يستيقظ أيمن، وكان الفطور سهل
التحضير، بيضا مقليا وحمصا ناعما، ولم أنس أن أشتري السكر لكي أشرب الشاي مع الضيف.
أيقظت أيمن بلطف، ودعوته لتناول الفطور فقد كان جائعاً مثلي.
جلسنا نشرب الشاي بعد الفطور ونحن نتحدث ونسترجع الماضي، وأيام الطفولة
والمدرسة، وتلال القرية، والسباحة في مياه السواقي، والسباق في بيادر
القمح، وحصاني الخشبي الذي انكسر. كانت أياما جميلة لم نشعر وقتها بهموم الحياة!
كان أيمن يجول بنظره في أرجاء الغرفة التي توحي بالفقر والحاجة، ونظرَ إليَ
وقال: لماذا لا تأتي معي إلى أوروبا وتعمل معي بالتجارة؟
ضحكت بصوت عال وقلت له: ليس معي نقود لأشتري طعاما، فكيف أسافر إلى أوروبا وأعمل بالتجارة؟
فقال لي: لا عليك أنا سوف أدفع لك كل التكاليف، وعندما تعمل وتربح
تعيد لي المال، ويجب أن تفكر بسرعة، قبل أن يحين موعد سفري، فإذا وافقت فسوف تسافر معي بعد ثلاثة أيام.
لم أفكر كثيراً، فما أعانيه في عملي، وحياتي يجعلني أوافق بسرعة على عرضه.
وفعلاً لم أضيع الوقت، ذهبت معه إلى السفارة وحصلت على تصريح السفر، واشترى لي بطاقة سفر بالطائرة.
ذهبت لكي أودع صاحب المعمل وآخذ باقي أجري منه، ولكن كما توقعت، فقد
طردني ولم يعطيني شيئا، وقال لي: اذهب الدرب الذي يأخذك لا يرجعك! تركته وذهبت
إلى القرية لأودع أمي و أبي، ويا ليتني ما ذهبت!
وصلت إلى القرية بعد الظهر، وكان السكون يخيم على أرجاء القرية، إلا من بعض
الباعة المتجولين الذين يأتون من المدينة ليبيعوا بضائعهم في القرى التي
يصعب على سكانها الوصول إلى المدينة، وقبل أن أذهب إلى بيتنا، مررت على بيت
خالتي لأطمئنهم على أيمن، ولكني لم أجد أحداً في البيت.
وصلت إلى بيتنا، وكان باب (التوتة) الكبير مفتوحاً كالعادة.. وكانوا يسمونه
بباب التوتة لأنه مصنوع من صفائح التوتياء، وكان كبيراً بحيث يدخل منه البغل
وهو يجر العربة ، دخلت إلى ساحة البيت التي تتوسطها
شجرة التوت الهرمة مسدلةً ما بقي منها من أغصان إلى الأرض، شعرت للحظة
وكأنها تناديني لأتسلق أغصانها كما كنت أفعل وأنا طفل صغير، لأركب على الأرجوحة
التي ربطتها أمي على جذعها القوي، لأتفحص أعشاش عصافير الدوري، وأساعد هرتي
الصغيرة على النزول عندما تعلق في أغصانها العالية، وبالقرب منها كان البئر
العميق بحبله الطويل ودلوه الحديدي يناديني لأشرب من مائه العذب، وبالطرف
الآخر من الساحة كانت أغصان الكرم اليابسة تحترق في الموقد تحت قدر من محشي
الباذنجان، ورائحة الطعام تفوح بالمكان.
كانت أمي تقف بجانب الموقد لتضع الحطب على النار لتبقى مشتعلة، وعندما رأتني
ارتسمت على وجهها الجميل المنقط بشحار الموقد، ابتسامتها الحنونة التي دائماً
كانت تقابلني بها، وسارعت إلى أحضانها وكأني طفل صغير عاد إلى أمه بعد أول يوم له في المدرسة.





 
 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون



رد مع اقتباس