عرض مشاركة واحدة
قديم 04-04-2012   #26


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي




الفصل الثاني عشر


في وقت الضحى الباكر جداً استيقظ عبد القيوم فزعاً من نومه عندما سحب اللحاف بقوة من فوق رأسه.. وسمع قائلاً يقول:
- ربما يكون شيوم هذا..
- ففتح عينيه مدهوشاً ليجد ثمانية من الرجال يحيطون به من ضمنهم قتادة وسعيد وصالح، وقال قتادة:
- إنه عبد القيوم.!
لم يكن هناك وقت لتبادل السلام مع الرجال المتحفزين، فقال عبد القيوم:
- إذاً فقد دخلتم؟
وقال قتادة:
- الحمد لله على سلامتك يا عبد القيوم.
وتكلم صالح محاولاً الإيجاز:
- لقد ظنناك شيوم.. نحن نبحث عنه.. لقد اقتحمنا السجن بعد وصول رسالتك بقليل.. وكنسنا من كان هناك

من الحرس كنساً.. إنه انتصار لم يكلفنا الكثير.. وخرج معنا الرجال جابر ومالك.. والبقية.. وقد دخلنا
القصر بمساعدة سوجي مع مصعده وانطلق عبد الرحمن الفهري ليفتح البوابة لمجموعة أخرى.. أما البقية فهم
يتسلقون الأسوار الآن. وجابر سيقود الرجال لمقاتلة الحرس.. ويوسف ونحن سنعتقل شيوم حياً كما هي رغبتك.
وبان الضجر في ملامح عبد القيوم عند ذكر اسم يوسف، فقال في كدر:
- يوسف.! وأين يوسف الآن.؟
وجاءه الجواب من خلف سريره الذي يتوسط الغرفة:
- أنا هنا يا عبد القيوم.
والتفت عبد القيوم.. كان يوسف حقّاً.. إنه لم ينتبه له.. والتقت أعين الرجلين اللذين لا يحب أحدهما الآخر،

كان يوسف يعتمّ بعصابة حمراء.. ويتقلّد سيفاً وخنجراً.. وفيما عبد القيوم يتأمله أضاف:
- أنت لم ترني يا عبد القيوم.. ربما لأنك لا تهتم بي!
قال عبد القيوم غير راغب في إطالة الحديث معه:
- أقرأت الرسالة جيداً.؟
- قرأت كل حرف فيها..
- هل ستفي بما طلبت فيها؟
- سأفي بما اشترطت.. وثق تمامَ الثقة أني سأبذل جهدي لاعتقال شقيقك حياً. قد نكون عدوين أو متنافرين يا عبد القيوم

لكنك وقفت بجانبي وأنقذتني من الأسر.. ودافعت عني عندما هم الرجال بالفتك بي.. إن خلقك حسن.. ودربك مضاء بحسن نيتك.
وأغمض عبد القيوم عينيه متضايقاً من هذا الإطراء، فتابع يوسف:
- أنا حتماً لا أود أن أكون قائد هذا الهجوم الذي سينفجر بعد قليل.. ولا أحب أن أسوءك في شيء.. لكنه سوء حظي

الذي جعل رأس الأمير شيوم الذي أصبح شقيقك.. مهراً لطموحي في مدينة الأشبار، وأنا أسير هذه الرغبة منذ
زمن ولا أستطيع منها فكاكاً.. ولست أدري أيَّ شيء أقوله الآن، إلا أنني لن أطأ أرض بني العباس
إلا وشيوم مكتوفاً بالقيود حتى أضعه في دارك بدرب الميزاب.. وسأظلّ أصاوله حتى أربط قيده بيدي أو يقتلني بيده.!
دهش عبد القيوم لهذا التصميم والعناد، وقال:
- لا تنسب إلىَّ الفضل يا يوسف بن محمد فالفضل لله أولاً ثم لبقية الفرسان الذين أنقذوك، أما أنا فما كنت لأفعل ما فعلت..

لولا أنك كنت مسلماً و بين يدي مشركين يريدون بك شراً و تعذيباً.. ولو كان آسروك من المسلمين
وهو ينشدون بك عدلاً أو قصاصاً لما تعرضت لهم.. وأنا أعلم أن اعتقال فاتك شديد البأس مثل شيوم
و إبقائه حياً أمرٌ عسير الطلب.. ولكني ابتليت به فقد صادف أنه شقيقي الوحيد الذي افتقدته منذ سنين بعيدة.
فوقعت في امتحان لم أجد لنفسي خلاصاً منه إلا أن أعتقله وأحمله معي إلى بغداد لأكف عن الناس شرّه فإن
كنت تريد العودة والتراجع فلك ذلك. وسأبقى أنا هنا حتى يفصل الله بيني وبين أخي بشيءٍ من عنده.
سكت يوسف بينما قال صالح في حماس:
- بل سنقاتلهم يا عبد القيوم فما جئنا إلا لذلك.
وهنا تعالت في أرجاء القصر نداءات وصيحات.. ورددت جدران القصر وردهاته أصداء قعقعات السيوف وصراخ المتقاتلين والمقتولين!
وقبل أن يمضي القابعون في غرفة عبد القيوم إلى القتال، دخل رئيس الحرس صائحاً منادياً شيوم:
- سيدي الأمير.. سيد..
وأخرسته الأعين التي أحاطت به نظراتها الخائفة، وقبل أن يغلق أحد الرجال الباب قاطعاً عليه طريق الفرار، صاح بقوة:
- إلى المقصورة أيها الجنود.. إلى المقصورة..
فقال عبد القيوم مترجماً:
- إنه ينادي الحرس إلى هنا.. عليكم به فمقتله سيفت في عزيمة جنوده فهو رئيسهم.
واستدار رئيس الحرس للهروب فلم تمكنه الأسياف التي تكاثرت عليه من تحقيق رغبته.

وعندما سقط هامداً، خرج الرجال إلى حيث القتال الدائر فيما سأل يوسف عبدالقيوم :
- أين مخدع شيوم؟
- أشار عبد القيوم إلى مقصورة شقيقه فانطلق يوسف إليها عجلاً.
ولبث عبد القيوم برهة ثم لحق به وهو يجر سلاسله الذهبية. وفي غرفة شيوم كان يوسف
يبحث
في كل شيء وينقب تحت الأرائك و في الخزانات. ويمزق بسيفه كل ما يعترضه من أثاث!
وعندما دخل عليه عبد القيوم هتف به:
- إنه ليس هنا.!؟
فقال عبد القيوم وهو يضع قيد يديه على ركن السرير:
- اقطع عني هذا..
وقدَّ يوسف بسيفه سلسلة عبد القيوم التي تربط يديه وسأل بحدّة:
- أين هو؟
فقال عبد القيوم:
- لا أدري.. ولو كنت أدري لأخبرتك!
وخرج يوسف مسرعاً للبحث عن شيوم.. ونسي عبد القيوم أن يطلب منه قطع سلسلة قدميه فجلس مدة يحاول التخلص منها..

لكنه عجز. فآثر تركها، والتقط قوساً وسهاماً من حجرة شقيقه.. وبدون تفكير سابق وجد نفسه يخرج باحثاً عن
شيوم ويوسف.. كأنما يريد الإشراف على كيفية اعتقال شقيقه!
كان القتال عند البوابة وفي الأسطح والممرات.. وقد انضم إلى رجال يوسف كثير
من الغوغاء وبعض السكان لم يضيعوا فرصة الانتقام من شيوم وجنوده.
وبحث عبد القيوم عن شيوم في الحديقة فلم يجده. وبحث عنه في الممرات المطلّة عليها فلم يجده أيضاً.. فعاد

إلى حيث يدور القتال.. كان مسرعاً.. وكان يتعثر في سلاسله أحياناً وأحياناً في جثث القتلى الذين كان معظمهم
من جنود القصر. ولم يكن يخشى شيئاً فكلا الفريقين المتقاتلين لا يرغب في إصابته. وكانت كفة الظفر تميل لصالح
رفاقه، حيث كان جنود شيوم يتساقطون تباعاً.. وبعضهم كان يحاول الفرار بلا جدوى.
وكان يتساءل أين يمكن أن يكون شيوم ويوسف! وجاءه جابر مبهوجاً.. وعانقه متصاعد الأنفاس وهو يقول:
- الحمد لله يا عبد القيوم.. انتصرنا وفي زمن قصير.
فقال عبد القيوم:
- الحمد لله.. لكني أبحث عن شيوم ويوسف ولم أجدهما!؟
فقال جابر:
- أنا أيضاً أبحث عنهما!
زوى عبد القيوم فمه ثم هتف:
- السطح.. سطح المقصورة.. ربما يكونون هناك..
واتجه إلى فناء المقصورة.. ثم صعد الدرج المفضي إلى السطح يتبعه جابر وثلاثون رجلاً آخرين ممن لم يجدوا أحداً يقاتلونه.
وهنا تبين لعبد القيوم صدق توقعه. فقد كان شيوم يبارز يوسف وصالحاً معاً وهما يتراجعان أمام مهارته وعنف ضرباته!
وتحت قدمي شيوم تناثرت جثث سبعة من جنود يوسف كالجراد المبثوث!!
أما هو فلم يكن معه من حرسه أحد!!
وعلّق جابر الذي يعرف بأس شيوم جيداً قائلاً:
- رباه.. ما أطول نَفَسه.. لقد صرعهم جميعاً وحده.. وعجزوا عنه!!
وسأله أحدهم:
- ما رأيك؟
فأشار جابر للسائل بالتريث.!
وتدافع المزيد من الناس في الدرج بعد انتهاء القتال في الأسفل. وخفض الرجال سيوفهم معرضين عن التدخل..

احتراماً لعبد القيوم، ومخافة أن يتسببوا في مقتل شقيقه!
وأحدقت العيون بعبد القيوم.. فكان عابساً.. مطبق الفم.. مركزاً نظراته الثاقبة على الثلاثة المتقاتلين. وكانت عينا

شيوم مرعبتين.. وفمه قد شوهته تكشيرة واسعة.. وأراد لها أن تكون ابتسامة ظفر.!
وبان في ملامحه سرور وحشي.. ومظهره يوحي بأنه قادر على أن يحارب كل من في القصر من أعدائه!!
وقال جابر:
- شيوم قتل أشجع من لدينا.. قتادة بن سعيد وعبد الرحمن الفهري..

لقد سقطوا تحت قدميه فأنا أخاف على صالح.. إنه يبدي جرأة فائقة.!
ووقع الحال ما خشيه جابر فقد أهوى شيوم على صالح بضربة أطارت السيف من يده مع جزء من إبهامه..

فتراجع منسحباً إلى رفاقه وينبوع الدماء بنصب من يده. وسارع بعضهم إلى علاجه وهو يتمتم متألماً:
- لو شئت أن أقسم أن هذا شيطان.. أو عفريت من الجن..!؟
وبقي يوسف وحده أمام شيوم.. كان يعض طرف عصابته الحمراء، وقد اكتسى وجهه الجميل الأبيض بحمرة

زاهية بفعل الإجهاد والتحفز.. كان يقاتل بيأس وعنف.. لكن سرعان ما تمكن منه شيوم وقذف سيفه..
فتراجع متعثراً وسقط.. ولم يشك أحد في أن شيوم لن يدّخره للحياة. وعندها صاح عبد القيوم:
- قف.. لا تقتله.!
توقف شيوم ملهوباً بالحقد على أعدائه المحيطين به، والتفت إلى شقيقه وقال:
- إنهم أعدائي.. ابقَ بعيداً.. فلا شأن لك بهذا..
فأخرج عبد القيوم سهماً من كنانته وسدّ السهم في القوس، ووجّهه ناحية أخيه قائلاً:
- إذا قتلته قتلتُك..!؟
و جمد الجميع برهة.. وأدرك عبد القيوم الذي اكتسحت ملامحه ثورة حزينة أن الامتحان الذي تضايقت حلقاته

عليه لم ينته بعد.. بل بقي منه أقسى ما فيه.. فشيوم أخ لكنه عدو.. ويوسف عدو لكنه مسلم.. والأحداث
لا تفسح له مجالاً للتفكير.. وفصول الابتلاء القاسي تتعاقب عليه كالسهام المنطلقة.. نخوة الدين تملأ جوانحه..
وتعكر عليه عاطفته وعلائق الرحم صفو نيته وخلوص جهاده! ووجد نفسه مطالباً بالمزيد من الإيمان وقهر المزيد من العاطفة.!
وصاح شيوم في غضب وهجم على يوسف وضرب هامته بحد سيفه..

وعندها تصرف عبد القيوم حسبما أملى عليه إيمانه. وصرخ محنقاً باكياً:
- يا عدو الله.. إنه مسلم.!
وأفلت سهمه المشدود.. فانطلق بقوة مرفرفاً في الهواء.. واستقر في ظهر شيوم فأنَّ أنّةً مكظومة.. قبل أن يتهاوى

استدار جهة عبد القيوم ليتلقى منه سهماً آخر في صدره. فتمتم وهو يشد على أسنانه متألماً مصعوقاً:
- أتقتل أخاك!!
أجاب عبد القيوم مزموم الشفتين.. دامع العينين.. قارناً بين حاجبيه:
- أنت كافر وهو مسلم.. وما كنت لأدعه لك.. فالولاء لله ولرسوله وللمسلمين..
وجثا شيوم على ركبتيه.. ثم انكب على وجهه وسكن.!
ظل الرجال جامدين في أماكنهم.. واحتار جابر فيما يمكن أن يقال.!

واقترب من شيوم وحاول نزع السهام من جسده ثم آثر تركه. وقال وهو مطرق للأرض:
- ما أقوى عزيمتك و ولاءك يا عبد القيوم.. لقد مات!!
فقال عبد القيوم بصوت يرن بالقناعة:
- ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم.. إنه لا يعدو أن يكون طاغية من الطغاة..

ومشركاً من المشركين. فالحمد لله الذي أراح الناس من شره.

 يتبع







 
 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون



رد مع اقتباس