الموضوع: المرايا
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 09-14-2021
روح الأمل غير متواجد حالياً
Saudi Arabia     Female
اوسمتي
تكريم اكتوبر المراقبة المتميزة متميزين الوهج وسام 30 الف 
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 3602
 تاريخ التسجيل : Jul 2020
 فترة الأقامة : 1385 يوم
 أخر زيارة : 12-24-2022 (09:39 AM)
 المشاركات : 49,122 [ + ]
 التقييم : 1400003561
 معدل التقييم : روح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond reputeروح الأمل has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 1,699
تم شكره 3,594 مرة في 2,459 مشاركة

اوسمتي

افتراضي المرايا



د. شادن شاهين


ارتديتُ فستاني الأسود ذا الأكمام الطويلة والياقة العالية، عقصتُ شعري لأعلى وزَيَّنتُه بزهرتي البيضاء المفضلة، دسستُ قدميَّ في حذائي الأسود اللامع ذي الكعب العالي الرفيع، تأكدتُ من مظهري الدرامي المتقن، وقررتُ النزول.



كانت الساعة الخشبية الكبيرة تدق معلنةً انتصاف الليل تمامًا، وراح البندول الذهبي العتيق يتراقص يمنةً ويسرةً، مُصدرًا صوتًا خفيضًا، وكأنه يهددني ويُذكرني في كل لحظة، أنني تأخرتُ عن موعدي ثانية، ثانيتين، ثلاث ثوان، وأكثر.



تجاهلتُ إشارات البندول الخبيثة، ووضعتُ أصابعي في أذني كي أُفوِّت عليه فرصة تحطيم أعصابي.



نزلتُ درجات السلم الخشبي ببطء، ترددتُ قليلًا، ثم اقتربتُ مِن مرآة البهو الكبيرة بحذر شديد، كان صوت وقْعِ أقدامي على الأرض الخشبية، يتردد صداه، كسقوط مطرقةٍ ثقيلة على صفيح الخوف، كنت أعلم جيدًا ما يمكن أنْ يَحدُث لي إذا نظرتُ للمرآة، لكنني قررتُ المواجهة، فلا بد منها.



• "لن أسمح للمرآة بهزيمتي، سوف أسحق كل مخاوفي الآن". قلتُ في إصرار.



"لم أرَ وجهي منذ أعوام، قيَّدني الخوف إلى سارية العزلة".



قفزتْ إلى ذاكرتي فجأةً ذكريات ذلك اليوم المشؤوم، حين خلعتُ فستان زفافي الأبيض؛ لأرتدي ذلك الفستان الأسود، في تلك اللحظة نظرتُ للمرآة، فسقطتُ بداخلها، وظللتُ أسقط، وأسقط، دون أنْ أجد أرضًا أتهشم عليها، أو بحرًا يبتلعني.



• "كان سقوطًا إلى اللاقرار". قلتُ وأنا أرتجف.



بعدها، كانوا يعاملونني كمريضة نفسية، لم يصدقوا أبدًا أنني سقطتُ بداخل المرآة، لم يفهم أحدهم ما حدث لي أبدًا، وأغرقوني - رغم أنفي - في دوّامة المهدئات، أولئك المجانين، وحرموني منذ ذلك الوقت من النظر إلى المرآة، كان ذلك منذ أكثر من خمسة عشر عامًا.



• "آن الأوان أنْ أتحرر". قلتُ محاولةً بثَّ الثقة في نفسي.



وصلتُ في تلك اللحظة إلى مكان المرآة الكبيرة، لم أكن بعدُ قد رفعتُ رأسي عن الأرض، وقفتُ أمامها لحظاتٍ، والعرق يتصبب من جبيني وجسدي كله، حاولتُ أنْ أرفع رأسي، لكن عنقي كانت مدقوقة بمسمار إلى صدري، صرختُ بكل قوتي:

• "هياااا".

رفعتُ رأسي فجأةً، وعيناي جاحظتان تبحلقان بشراسة وتحدٍّ استعدادًا لمواجهتها، تلك المرآة القاتلة.



لكنّ عيني ارتطمتا بالحائط الأسود.



• "لاااا". صرختُ من الصدمة، وسقطتُ مغشيًّا عليَّ.



في الصباح وجدتُ نفسي في حجرة غريبة، ممدَّدةً على فراش أبيض، مغطاةً بغطاء أبيض كذلك، وعلى الفراش المجاور لفراشي، سقطت رأسُ عجوزٍ مُتعبَة، يبدو أنها قضتِ الليل كله تراقبني في صمت.



• "مسكينة". همستُ في إشفاق.

تذكرتُ دفعةً واحدةً كل أحداث الليلة الماضية، وتذكرتُ الساعة الكبيرة، والحائط الأسود، اعتدلتُ في فراشي قليلًا وبدأتُ أفكر.



كان ذهني صافيًا جدًّا، لم يكن يومًا بذلك الصفاء، عاودتُ تذكر الحائط الأسود.



• "نعم، أنا متأكدة مما رأيت، يبدو أنَّ أحدهم قد بدَّل مكان المرآة، لم أَنزل إلى البهو منذ سنوات، لا بد أنَّ ثمة أشياء قد حدثت في غيابي". قلتُ محاولةً تفسير ما رأيت.



أزحتُ غطاء الفراش برفق؛ كيلا أزعج الرأس المتعبَة، خلعتُ ملابس النوم وعدتُ لارتداء نفس الفستان الأسود، الفستان الذي ارتديتُه يوم زفافي إلى الحزن.



تسللتُ خارجةً من الحجرة، أغلقتُ الباب بخفة، ونزلتُ على السلم دون أنْ يشعر بي أحدهم، أدرتُ عيني في البهو في لهفة عارمة، فاكتشفتُ أنه لا مرايا فيه بالمرة!



انتابتني نوبة سخط عارمة، عُدْتُ أدراجي مسرعةً لأعلى، جريتُ إلى أول حجرة صادفتُها، فتحتُ بابها في عنف، وفتشتُ بعيني في المكان، فلم أجد أي مرايا.



صفقتُ الباب وجريتُ إلى أخرى، لم أجد مرايا أيضًا!



هكذا فعلتُ في كل الحجرات، حتى سقطتُ على ركبتي منهكةً، يدق قلبي في صدري بعنف.



هدأتْ أنفاسي قليلًا، فقمتُ عائدةً إلى حجرتي، وكُلِّي غضب من أولئك الذين أزالوا مرايا البيت كلها، كنت حائرةً، لا أعرف أين أجد مرآةً، فكرتُ أنْ أسأل تلك العجوز التي كانت نائمةً في حجرتي.



أدرتُ المقبض بحرص، وفتحتُ الباب بهدوء، دلفتُ إلى الحجرة، فلم أجد أحدًا على فراشها، تراجعتُ للخلف في ذعر، نظرتُ حولي، فرأيتُها، تقفُ بجواري تمامًا، وتنظر إليَّ، ترتدي نفس الفستان الأسود، والزهرة البيضاء.

المواضيع المتشابهه:



 توقيع :


شكرا نجمتنا لا عدمتك :

رد مع اقتباس