عرض مشاركة واحدة
قديم 12-25-2011   #3


الصورة الرمزية بسمة روح
بسمة روح غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 234
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 09-13-2014 (01:00 PM)
 المشاركات : 12,175 [ + ]
 التقييم :  53790370
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
افتراضي



لقد كان تجاوب الصحابة مع وعد الله بالفوز والجنة سريعًا وواقعيًّا بصورة لافتة للنظر.. تأمل رد فعل أبي طلحة الأنصاري تجاه آية واحدة من كتاب الله.. طالما قرأناها!
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل, وكان أحب أمواله إليه "بيرحاء" (اسم بستانه من النخل)، وكانت مستقبلة المسجد, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب.. قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".. قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, إن الله تبارك وتعالى يقول: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون", وإن أحب أموالي إلي "بيرحاء".. وإنها صدقة لله أرجو بِرَّها وذُخْرَهَا عند الله.. فضعها يا رسول الله حيث أراك الله.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بخٍ!! ذلك مال رابح! ذلك مال رابح!.. وقد سمعتُ ما قلتَ, وإني أرى أن تجعلها في الأقربين" فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله.. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه..
هكذا تعامل مع وعد ربه بصدق وصراحة.. ودون تسويف بحث عن أفضل ما يحب من ماله (بستانه!!) وبذله لربه في كلمة واحدة!! ولم يكن هذا السلوك استثناءً في أخلاق الصحابة.. ولا كان لحظة تسرُّعٍ من أبي طلحة.. كل ما هنالك أنهم كانوا يرون الجنة أمامهم بكل ما فيها من نعيم.. يرونها دائمًا.. أمام كل قول أو فعل أو تضحية..
وما أدراك ما الجنة؟
روى الإمام مسلم رحمه الله عن المغيرة بن شعبة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "سأل موسى عليه السلام ربه: "ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعد ما أُدخل أهل الجنةِ الجنةَ, فيقال له: ادخل الجنة.. فيقول: أَي رب.. كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟! فيقال له: أما ترضى أن يكون لك مثل مُلْكِ مَلِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب.. فيقول: لك ذلك ومثلُهُ ومثلُهُ ومثلُهُ ومثلُهُ! فقال في الخامسة: رضيت رب!! فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله!.. ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك..! فيقول: رضيت رب!" قال موسى عليه السلام: رب فأعلاهم منزلة؟! قال: أولئك الذين أردت, غرست كرامتهم بيدي, وختمت عليها؛ فلم تَرَ عينٌ ولم تسمع أذن, ولم يخطر على قلب بشر".. قال صلى الله عليه سلم: ومصداقه في كتاب الله عز وجل: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين"..
وليس معنى ذلك أن يقتصر المسلم في سعيه إلى الجنة على الرغبة في أدنى الدرجات, بل هو مأمور بالحرص على المعالي, وطلب الفردوس الأعلى في الجنة.. برفقة النبي (صلي اله عليه وسلم) الذي يقول: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس". اللهم إنا نسألك الفردوس..
الحديث عن الجنة يطول ويطول.. ولابد أن نراجع معلوماتنا ومعايشتنا وأحوالنا مع الجنة.. وأنا على يقين من أن الجنة لو تعاظمت في صدورنا لهان علينا ما نحن بصدد المجاهدة لتحقيقه.. والله المستعان.

ثانيًا: بين الصلاة والإنفاق:

كثيرًا ما جمع الله بينهما في قرآنه.. ومن المعروف أن الصلاة عماد الدين, وهي أهم عبادة في الإسلام.. ومن ثَمَّ يأخذ الإنفاق في سبيل الله من قلب المؤمن حيّزًا يقترب من حيز الصلاة.
تأمل قوله تعالى: "إن الإنسان خلق هلوعًا, إذا مسه الشر جزوعًا, وإذا مسه الخير منوعًا" (سورة المعارج آية 19. 20. 21) صفات أساسية مجبول عليها الإنسان: الهلع, والجزع, والمنع: أي البخل.. ثم يأتي الاستثناء: "إلا المصلين, الذين هم على صلاتهم دائمون.." فالصلاة أولاً.. ثم ماذا؟.. "والذين في أموالهم حق معلوم.. للسائل والمحروم". فجاء الإنفاق تاليًا للصلاة مباشرة..
فهم ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى صار منهج حياتهم.. فقد روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "أُمرنا بإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة.. فمن لم يُزَكِّ فلا صلاة له.."

ومن هنا كان هذا الموقف الحاسم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.. ذاك الرجل الذي لا تنقضي عجائبه!! فإنه لما ارتدت القبائل, وكان منها من ارتد بمنع الزكاة فقط, رأى بعض الصحابة أن أهل هذه القبائل ما داموا قد شهدوا أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله.. فلا يقاتَلون.. أما الصديق رضي الله عنه فكان يعلم أن الجميع متفقون على أن منكر الصلاة كافر.. ولاحظ هو رضي الله عنه أن الله قد جمع بين الزكاة (الإنفاق) وبين الصلاة في مواضع كثيرة جدًا في القرآن الكريم, فقال قولته الحكيمة: "لا أفرق بين شيئين جمعهما الله"!! انظر إلى الفقه! فإذا كان حكم إنكار الصلاة كفرًا, والله قد جمع بين الصلاة والزكاة كثيرًا.. فإنكار الزكاة كفر إذن..
المهم عندنا أن نفهم أن هذا الجمع بين الصلاة والإنفاق لم يتكرر بين الصلاة وشيء آخر.. مما يحفز المؤمن على الاهتمام بالإنفاق والتدريب عليه..

ثالثًا: " لولا أخرتني..؟!"

ومن وسائل التحفيز: "التحذير من التسويف والتأجيل", وهذه آفة خطيرة؛ فالشيطان لا يأتي للصالحين يقول لهم: لا تدفعوا أموالكم لفلسطين.. ولكن ويأتي ويقول: فلتدفعوا غدًا.. أو بعد غدٍ.. أو فلتدفع بعد أن تشتري كذا وكذا.. أو فلتدفع بعد أن يأتي لك مبلغ كذا وكذا... الشيطان إذن يستعمل وسيلة التسويف, ولا شك أنها فعالة! استمع إلى قوله تعالى يحفزك على الإنفاق: "وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدَكم الموتُ فيقولَ رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصَّدَّقَ وأكن من الصالحين! ولن يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون" (سورة المنافقون آية 10 ، 11)
فلو خطر على ذهنك الآن أن تدفع شيئًا لأهلك في فلسطين فأخرجه الساعة.. حدد الآن بينك وبين نفسك.. أو بينك وبين الله رقمًا ستدفعه اليوم.. إن لم تكن تحتفظ به في جيبك فلا تسوف, وإن جاءك الموت قبل أن تصل إلي بيتك ومالك فستؤجر بنيَّتك..
تصدق؛ فقد تكون هذه الصدقة هي المرجحة لكفة الحسنات؛ فتسعد سعادة لا شقاء بعدها!

رابعًا: سبعمائة.. لا عشرة..!!


ومن وسائل التحفيز على الإنفاق – أيضًا - مضاعفة الحسنات بشكل فريد.. فإننا في كل أمور الخير قد اعتدنا أن تضاعَفَ الحسنات إلى عشر أمثالها.. كما في قوله سبحانه وتعالي مثلا: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها.. ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى إلا مثلها, وهم لا يظلمون" (سورة الأنعام آية 160)
أما في الإنفاق.. فالأمر مختلف؛ ذلك أن الإنسان جُبل - كما ذكرنا - علي حب المال, ويحتاج إلى دوافع كبيرة, ومحفزات عظيمة.. فيزيد الله في أجر الإنفاق أكثر من أمور الخير الأخرى؛ حيث يتضاعف إلى أجور كثيرة.. إلى سبعمائة ضعف!!
انظر إلى قوله سبحانه وتعالى: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل, في كل سنبلة مائة حبة, والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم" (سورة البقرة آية 261) والله إنه مشروع اقتصادي هائل!! لو أنفقت ألف جنيه لأهل فلسطين كان المردود ما يوازي سبعمائة ألف جنيه!! لابد أن تفكر.. لماذا توافق على أن تضع ألف جنيه في مشروع دنيوي يعود عليك بألفين مثلاً.. ولا تضعها في مشروع رباني يعود عليك بسبعمائة ألف؟؟! مع أن المشروع الأول دنيوي غير مضمون, والمشروع الثاني رباني مضمون لا شك فيه؟!! فكِّر.. والحمد الله أنك مازلت حيًّا, ومازالت أمامك الفرصة للاستثمار.. روى الإمام أحمد والترمذي وصححه.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يقبل الصدقات, ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم, كما يربي أحدكم مُهرَهُ أو فُلُوَّهُ أو فَصِيلَهُ.. حتى إن اللقمة لتصير مثل جبل أحد!!"..

خامسًا: "أنفق بلال..!"


ينظر الإنسان إلى المال باعتباره وسيلة لقضاء الحوائج وتيسير صعاب الحياة؛ ومن ثَمَّ يتعلق به ويحبه؛ فهو لا يريد أن يأتي عليه يوم يحتاج لنفقة فلا يجدها.. إنه يريد أن يكفي نفسه ومن يعولهم..
والله تبارك وتعالى يعالج هذا الأمر في النفس عندما يعلِّمك أنه هو سبحانه من سيتولى الإنفاق عليك إذا أنفقت في سبيله!! فكيف تخشى وقد وعدك بحسن العِوض؟!!.. ألا تعرفه؟! إنه ملك السموات والأرض.. بيده خزائنهما..
أيهما أجدى عليك نفعًا: أن تباشر أنت شئون نفسك؟.. أم أن يتولى الله كل ذلك عنك – بقدرته وكرمه وسعة فضله - ؟؟!
انظر إلى قوله تعالى.. يطمئنك بالتعويض الرباني عمَّا أنفقت: "وما أنفقتم من شيء فهو يُخْلِفُهُ".. نعم, هو الذي يُخْلِفه.. وهو الواسع العليم!
بل تأمل هذا الحديث العجيب والتحفيز الرباني بالتعويض.. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال تعالى: "أنفق يا ابن آدم.. أُنْفِقْ عليك" سبحان الله! إذا أنفقت علي أهل فلسطين أو العراق أو غيرهما.. أنفق الله عليك.. أما ترضى أن ينفق الله عليك؟!
على هذا الفقه العميق ربَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ فطابت نفوسهم بالبذل في سبيل الله, وجادت أيديهم بالعطاء..فقد وجد صلى الله عليه وسلم قدرًا من الطعام مدَّخرًا عند بلال رضي الله عنه فقال له (كما روى الطبراني في المعجم الكبير عن أبي هريرة): "أنفق بلال.. ولا تخش من ذي العرش إقلالاً..!"




 
 توقيع :


رد مع اقتباس