عرض مشاركة واحدة
قديم 12-25-2011   #4


الصورة الرمزية بسمة روح
بسمة روح غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 234
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 09-13-2014 (01:00 PM)
 المشاركات : 12,175 [ + ]
 التقييم :  53790370
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
افتراضي



سادسًا: مال لا ينقص!!
يقسم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الصدقة لن تُنقص من مالك.. بمعنى أنه لابد أن يتم التعويض في الدنيا قبل الآخرة.. إما بمال قادم, أو برفع أمر كنت ستنفق فيه مالك حتمًا.. والمسلمون لا يحتاجون لقسم رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى يصدقوه, ولكنه يقسم على أشياء قد يتسلل الشك فيها إلى قلوب البعض؛ وذلك تأكيدًا لها, وتحفيزًا لمن تزعزع قلبه واهتز يقينه..
روي الترمذي وقال: حديث حسن صحيح, وروى الإمام أحمد أيضًا عن أبي كبشة عمرو بن سعد الناري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثًا فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة".. هذه أول الأشياء التي يُقسم الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم عليها في يقين.. ثم يقول: "ولا ظُلم عبد مظلمةً فصبر عليها إلا زاده الله بها عزًا.. ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر". وكلها أمور تحتاج إلى كثير يقين, وإلى عظيم عقيدة.
تُرى.. أما زال في القلوب شك؟! أما زال بعضنا حريصا علي ماله؟؟ إن كان الأمر كذلك فإليك وسيلة سابعة من وسائل التحفيز الرباني.

سابعًا: القرض الحسن..

في موضوع الحث علي الإنفاق يستعمل القرآن ألفاظًا عجيبة لا يتخيلها الناس, ولا يتوقعونها.. انظر إلى كتاب ربك كيف يناديك وينادي غيرك متلطفا متحببًا: "من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا؟؟ فيضاعفه له أضعافًا كثيرة.. والله يقبض ويبسط, وإليه ترجعون" (سورة البقرة آية 245)..
سبحانك يا الله!! كم أنت كريم!!.. المال مالك, والعبيد عبيدك, ثم أنت سبحانك تستقرضنا من مالك؟! ثم إذا أقرضناك أموالنا ضاعفت لنا أضعافًا كثيرةً؟؟! سبحان الله!! إن إلهاً بهذه الصفات لجدير أن يُعبد, وأن يُحَبَّ, وأن يُعَظَّمَ, وأن يُبَجَّلَ,.. والآية فعلاً عجيبة, وسياقها مبهر.. وكما تعجَّبْنا منها فقد تعجب منها الصحابة, لكن انظر إلى التعجب الإيجابي.. روي الطبراني عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: إنه لما نزلت هذه الآية قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله, وإن الله عز وجل ليريد منا القرض؟! قال: نعم يا أبا الدحداح.. قال: أرني يدك يا رسول الله! قال عبد الله بن مسعود: فناوله يده.. قال: فإني قد أقرضت ربي عز وجل حائطي - أي حديقتي – وأرضي.. قال عبد الله بن مسعود: وحائطه فيه ستمائة نخلة, وأم الدحداح فيه وعيالها.. قال: فجاء أبو الدحداح فنادها: يا أم الدحداح! قالت: لبيك! قال: اخرجي؛ فإني قد أقرضته ربي عز وجل"!!..
عطاء في كرم, وقرار في حسم! لقد كان أبو الدحداح الأنصاري رضي الله عنه معطاءً بشكل عجيب.. روى الإمام مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "لما انصرف رسول الله صلي الله عليه وسلم من جنازة أبي الدحداح (رضي الله عنه) قال: كم من عذق معلق في الجنة لأبي الدحداح!!".. كم من فروع نخيل لأبي الدحداح( رضي الله عنه) في الجنة!!
يذكر الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم سبب ذلك فيقول: إن يتيمًا خاصم أبا لبابة (رضي الله عنه) في نخلة, فبكى الغلام, فقال النبي صلي الله عليه وسلم له: - أي لأبي لبابة - أعطه إياها ولك بها عذق في الجنة.. فقال: لا.. فسمع أبو الدحداح, فاشتراها من أبي لبابة بحديقة له!! ثم قال: يا رسول الله, ألي بها عذق إن أعطيتها اليتيم؟؟ قال: نعم.. ثم قال: "كم من عذق معلق في الجنة لأبي الدحداح!".. ثم مرت الأيام وذهب أبو الدحداح, وذهب الغلام, وذهب الحائط, وذهبت النخلة, ولكن ماذا بقي؟ بقي عذق أبي الدحداح في الجنة.. "ما عندكم ينفد, وما عند الله باق".
فارق كبير جدًا بين رد فعل أبي الدحداح للآية الكريمة: "من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا" وبين رد فعل اليهود لما نزلت الآية نفسها.. قالت اليهود: يا محمد, افتقر ربك فسأل عباده القرض؟!!..
انظر إلي سوء الأدب, وفظاظة اللفظ, ووقاحة الفعل! فأنزل الله عز وجل: "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء! سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق" (سورة آل عمران 181)
ولا يمكن لمثل تلك النفوس المريضة أن تبصر جلال الحكمة والكرم الإلهيين من وراء سؤال المؤمنين القرض الحسن.. فحقيقة الأمر أن الله قد رفع – كثيرًا - من شأن عباده يوم جعل إنفاقهم في سبيله قرضًا حسنًا يسألهم إياه.. مع أنه صاحب الفضل والعطاء أولاً وآخرًا.. ومع أنه الغني عن عباده, وهم جميعًا فقراء إليه.
إن الله تبارك وتعالى يعلم حرص النفس الإنسانية على المال, وحبها له؛ فيعطف – سبحانه – على هذه الغريزة في عباده.. مصوِّرًا إنفاقهم في سبيله بصورة القرض الحسن!!
ولا يملك المؤمن – إن فقه هذا المعنى – إلا أن يذوب حياءً من ربه, ويفيض عطاءً وإنفاقًا لماله في سبيل رضا مولاه!
لقد كان استشعار الصحابة رضوان الله عليهم بالغًا لهذا المعنى (معنى إقراض الله!)؛ فها هي آيات الكتاب الحكيم تواصل حثهم وتحفيزهم بمثل قوله تعالى: "ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات؟.."؛ فصاروا يوقنون بوقوع الصدقة في يد الله – سبحانه – قبل أن تقع في يد الفقير..

ثامنًا: بين وعد الفضل.. ووعد الفقر!!

جعل الله الإنفاق في سبيله اختبارًا حاسمًا تختار فيه بين وعد الله ووعد الشيطان.. يقول عز وجل: "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء.. والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً, والله واسع عليم" (سورة البقرة آية 268)
انظر أيهما تُصَدِّق.. استقرضك الله مالاً لفلسطين.. فجاء الشيطان فقال: لا تنفق كثيرًا؛ حتى لا تفتقر.. مازلت تحتاج إلى كذا وكذا.. مازال هناك طعام وشراب.. مازال هناك بيت وسيارة.. مازال هناك سفر ومشاريع.. مازالت هناك زوجة وأولاد... ويعظِّم المسألة في ذهنك تمامًا حتى تثَّاقل إلى الأرض, وترضى بالحياة الدنيا من الآخرة, ثم من الناحية الأخرى.. فإن الله يعدك أن يُخْلِفَكَ خيرًا مما أنفقت في الدنيا وفي الآخرة.. ويبارك لك في مالك وأهلك.. ويضاعف لك أضعافًا كثيرة.. وفوق ذلك رحمة وتوبة ومغفرة.. وفوق ذلك جنة ونعيم..! عليك أن تعرض المقارنة على ذهنك بسرعة كسرعة أبي الدحداح؛ فستمر الأيام, وتذهب أنت, ويذهب المال, ويذهب أهل فلسطين.. ولا يبقى شيء إلا ما عند الله؛ فآثروا ما يبقى ويدوم على ما يفنى وينعدم.

تاسعًا: الترهيب من عدم الإنفاق:

وكما اهتم الإسلام بتحفيز النفس على البذل والتطهر من الشح.. فقد سلك في تربيتها جانبًا آخر هامًّا لا يمكن إغفاله؛ فأوضح أن الجهاد بالمال ليس بالأمر الاختياري أو الثانوي.. يستطيع الإنسان أن يتجاوزه أو يحيد عنه متى شاء.. وإنما هو سلوك إسلامي أصيل يبلغ درجة الفريضة والركن أحيانًا – كما في الزكاة -, ويظل فيما سوى الفريضة معلمًا مميزًا من معالم النفس المسلمة, ودعامة هامة لحياة وسلامة المجتمع المسلم.. فقد روى الطبراني عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم.. ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يصنع أغنياؤهم.. ألا وإن الله يحاسبهم حسابًا شديدًا, ويعذبهم عذابًا أليمًا".. فلن ينجو الأغنياء بأموالهم طالما هناك فقراء يجوعون ويعرون..

وكذلك روى البخاري عن أبي سعيد الخدري قال:خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى, فمرَّ على النساء فقال: "يا معشر النساء تصدقن؛ فإني أُرِيُتُكُنَّ أكثر أهل النار!!" فقلن: وبِمَ يا رسول الله؟! قال: تُكْثِرْنَ اللعن, وتكفرن العشير"..









 
 توقيع :


رد مع اقتباس