~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~

عدد مرات النقر : 359
عدد  مرات الظهور : 4,291,339


عدد مرات النقر : 359
عدد  مرات الظهور : 4,291,339

العودة   منتديات وهج الذكرى > وهج الادب المنقول مما راق لي > ❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧
❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧ لكل ما يروق لنا من قصص او خاطرة
التعليمـــات روابط مفيدة
إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 03-14-2012
صدى الاطلال غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 498
 تاريخ التسجيل : Jan 2012
 فترة الأقامة : 4515 يوم
 أخر زيارة : 11-13-2012 (04:49 AM)
 المشاركات : 658 [ + ]
 التقييم : 86
 معدل التقييم : صدى الاطلال will become famous soon enough
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
افتراضي



راااااااااااااااااااااااااائعه
لم اقراء قصه من فتره طويله تشدنى احداثها
الى الكرسى بهذه الطريقه
قراءت كل الاجزاء فى جلسه واحه
انتظر بقيه القصه
كل هذا الجمال لايصدر الا من قلمك واختياراتك
المنقوله الرائعه انت ياغزاله
تقبلى مذيد تقديرى لثقافتك اللامحدوده





رد مع اقتباس
قديم 03-15-2012   #2


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صدى الاطلال مشاهدة المشاركة
راااااااااااااااااااااااااائعه
لم اقراء قصه من فتره طويله تشدنى احداثها
الى الكرسى بهذه الطريقه
قراءت كل الاجزاء فى جلسه واحه
انتظر بقيه القصه
كل هذا الجمال لايصدر الا من قلمك واختياراتك
المنقوله الرائعه انت ياغزاله
تقبلى مذيد تقديرى لثقافتك اللامحدوده


القدير صدى الاطلال
يمنحني حضورك الألق ..من الزهو ما يفيض ..
يسعدني أن تنال هواجسي العابرة متابعتك الرائعة ..بحضورك العبق
سلمت ..حماك الله
تراتيل محبة .. وتجلة احترام









 
 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون



رد مع اقتباس
قديم 03-16-2012   #3


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي




الفصل الثّامن

في الوقت المتّفقِ عليه.. كان عبد القيّوم قد تأكّدَ مِن أنّ كثيرًا مِن الحرس يغُطُّون الآن في نومٍ عميق، وأنَّ أقلَّهُم هم مَن باتَ يحرس
الأسوارَ ومخدعَ الأمير شيّوم.. فتسلّلَ خارجًا مِن حجرتِه يتبعُهُ في الظّلام محمود بن حبيب.. وسارَ في الحديقةِ قليلًا
ثمَّ شرعَ يصعدُ درجًا يُفضي إلى أعلى الأسوار قريبًا مِن الجزء المنخفض منها.. وكان هناكَ ثلاثةٌ مِن الجنود..
اثنان قد جلسا يتسامران.. والثّالث كان يروحُ ويجيء ويتوقّفُ أحيانًا عندَهما. وتوقّفَ عبد القيّوم
عند جدارٍ منخفِض وقال لمحمود بن حبيب:
- ابقَ هنا.. وإذا رأيتَني أُطلقُ السّهمَ على هذا الذي يروحُ ويغدو فانقضّ على هذينِ الاثنين وسآتي لمساعدتِك.
ومضى إلى جزءٍ مِنَ السّور بعيدًا عن الجنود وأطلَّ مِن هناك ليُشاهدَ عبدَ الرّحمن الفهريّ وحدَهُ مختبئًا فأشارَ إليهِ بالبدء..

وعادَ إلى حيث الجنديّ الثّالث وما أنْ اقتربَ منه حتّى ناداهُ الجنديّ:
- طبوتي.. هل فارقكَ النّوم؟
ردَّ عبد القيّوم وهو يُفلتُ عليهِ سهمًا:
- نعم.. وستُفارقُكَ الحياةُ إن شاءَ الله.
وسقط.. وما أنْ رآهُ صاحباه حتّى هبّا واقفَين.. فاندفعَ إليهما محمود كما أوصاهُ عبد القيّوم الذي سارعَ لمساعدَتِه..
وتبارزَ

الرّجال.. ورأى عبد القيّوم المخالبَ الحديديّة وهيَ تنشبُ في طرفِ الجدار ثمّ تهتزُّ تحتَ وطأةِ مَن
يصعدُ عليها.. وجاءَ من الغلسِ صوتٌ يسألُ في خشونة:
- ما هذا القتال؟ مَن هناك؟
وكان ذلك لاتو رئيسَ الحرس.. وما أنْ تبيّنَ له ما يحدث حتّى صاح:
- طبوتي.. هل تقاتلُ الجنود؟!!
واستلَّ سيفَهُ وعمدَ إلى محمودَ فطعنَه من الخلف.. أمّا عبد القيّوم فقد تمكّن من خصمِه وأصابَه في مقتل..

وانكفأ إلى محمود ليساعدَه لكنّه وجدَهُ يُعالجُ روحَه.. فانقضَّ
على رئيسِ الحرس والجنديِّ الآخر يُصاولُهما محاولًا إبقاءهما ريثما يصعدُ الرّفاق.. وصاحَ رئيسُ الحرس:
- كنتُ أشكُّ فيكَ يا خائن! وقد حذّرني أوسطاي فلم أصدّق!
وأطلَّ رأسُ جابر ومالك وأحدُ الرّجال.. فدهش رئيسُ الحرس والجنديّ فهتف:
- اقتحام! إنّهم يقتحمونَ القصر!
وهتفَ عبد القيّوم بدورِه لرفاقِه:
- أدركوني قبلَ أنْ يعلمَ الباقون..
وهبَّ إليهِ جابر.. لكنّ رئيسَ الحرسِ صاحَ بكلِّ ما أوتيَ مِن قوّة:
- اقتحام! استيقظوا!
وتمكّنَ مِن الفرار.. وحاولَ صاحبُه اللّحاقَ به فشدَّهُ عبد القيّوم مِن رجلِه فسقط وقضى عليه جابر.
وتكامل صعود البقية فصار مجموعهم سبعة عشر مقاتلاً بما فيهم عبد القيوم وياقوت.. وسأل عبد القيوم جابراً:
- لقد اكتشف أمرنا.. وسيتقاطرون علينا بعد قليل.. فهل نُقدم أم نعود
أدبارنا؟
أجاب جابر في عزيمة:
- لا سبيل إلى العودة.. فلئن فشلنا في هذا الهجوم فلن نستطيع معاودة المحاولة مرة أخرى.. إلا أن يشاء الله..
عندما هتف عبد القيوم للرجال:
- اتبعوني.. سننطلق إلى مقصورة الطاغية.. إن أكثر جنوده نيام الآن وسنفيد من مفاجأتهم.. بيعوا أنفسكم لله يا رفاق فاليوم

تنصرون أو تقتلون.. قاتلوا بضراوة.. ولتطغى شجاعتكم وبسالتكم على كثرتهم.
تدافع الرجال.. ولحقوا بعبد القيوم الذي انطلق راكضاً وهو يسمع صيحات رئيس الحرس ترج القصر رجّاً مستنهضاً جنود النيام.
وعندما وصلوا إلى جناح شيوم لم يعترضهم سوى الباب المفضي إلى فنائه ولم يقاوم سوى لحظات سقط بعدها تحت

الركلات المتتابعة.. أما باب المقصورة فكان مغلقاً ومقفلاً، وقال عبد القيوم:
- شيوم بالداخل.. لنخلع الباب..
فازدحم عليه أربعة جعلوا يركلونه.. لكن متانة خشبه حالت دون أن يستجيب لهم بسهولة، وهتف مالك الفهري:
- أسرعوا قبل أن يتوافدوا علينا.. لنقتل الطاغية قبل أن يهبوا لنجدته!
ثم رفع سيفه وأهوى به على موضع القفل فأثر فيه تأثيراً بالغاً.. ثم شرع يضربه

بسيفه حتى قال ياقوت الذي كان ملتاثاً بالحقد ورغبة الانتقام:
- أنت ابتعد.. أنا سوف أخلع الباب.. وأقتل الكلب!!
وابتعدوا عنه فاندفع كالثور وارتطم بالباب بشدة أدهشت الرجال وطار الباب بعنف مقتلعاً معه بعض الحجارة!!
وظهرت لهم غرفة شيوم فاخرة.. ثمينة الأثاث.. واسعة.. وقد علقت على الجدران

سيوف شيوم ودروعه.. وكثير من الفؤوس المختلفة الأشكال!
وبالداخل كان الأمير شيوم قرب النافذة.. يقف حافياً.. غاضباً.. عليه آثار النوم.. مرتدياً ثياباً خفيفة ويمسك سيفه غير هيّاب..
وهتف عبد القيوم:
- هذا شيوم الذي تبحثون عنه..!
وقبل أن يهاجموه صرخ رئيس الحرس من خلفهم بلغته:
- اقتلوا الغزاة..
والتفتوا ليجدوا معظم جنود القصر شاهرين سيوفهم وبعضهم لم يستكمل لباسه.
لم يفهم الرجال لغته.. لكنهم عرفوا أنه يأمر بالهجوم.. فارتدوا إليه والتحم الفريقان في القتال.. وصاح جابر:
- قاتلوا أيها الشجعان.. وسأكفيكم أمر هذا الطاغية.
وهب لمبارزة شيوم وقد دار في خاطره أن ليس بينه وبين تحقيق أمنيته إلا أن يقتل هذا الذي أمامه.. ويبقى بعده حيّاً.!
أما عبد القيوم فقد همّ بمساعدة جابر الذي صرفه:
- دعه يا عبد القيوم.. أريده لي وحدي..
فانضم إلى البقية.. وقصد رئيس الحرس ونشب معه في قتال غير متكافئ!
وقد همهم الأخير:
- طبوتي.. أيها الغادر.. يا كلب "اليوتا" القذر.. سترى كيف نشويك بعد قليل!
ثم صاح في جنوده:
- أريدهم أحياء.. أحياء!!
ولاحظ عبد القيوم أنه رغم كثرة عدد المغول إلا أنهم حريصون على إطالة أمد القتال وتجنب الضربات
القاتلة..

بل كانوا يعمدون إلى جرح مبارزيهم حتى يضعفوا قوتهم.. فهم لا يريدون لهم موتاً مريحاً.. بل يريدون
تعذيبهم إذا هزموهم..وكان ذلك أسلوب شيوم الوحشي الذي لقنهم إياه من قبل!!
وكان باب المقصورة أمامه مفتوحاً.. فشاهد كيف كان القتال الدائر بين شيوم وجابر عنيفاً.. وأن شيوم كان يصيح:
- فئران.. ما أنتم إلا فئران.. سترون كيف أصنع بكم.!
وأدرك كم أخطأ حين اختار رئيس الحرس خصماً له يبارزه.. وأدرك أنه لم يكن عاجزاً عن إنهائه بقدر ما يريد إبقاءه حيّاً..

ولذا قاتل بقلب يخفق بطلب الجنة.. قاتل بما يليق بإيمانه العميق وغايته الوحيدة التي جاء يطلبها..
وسئم رئيس الحرس منه فبدأ يدفعه بشراسة حتى استطاع أن يلقي السيف من يده ثم قبض على جانبي

جبينه بكفه الضخمة وشد عليها بأصابعه القاسية فجعل يحاول الخلاص منه أو لطمه..
لكن قواه بدأت تخور.. حتى ارتخى جاثياً.. وقاوم رغبة في السقوط.. لكن الشرير ضرب برأسه الجدار ليتهاوى إلى الأرض..
وقبل أن يفقد وعيه.. رأى ياقوت يهب لنجدته ويندفع بعنف قاذفاً رئيس الحرس

بعيداً عنه.. ورأى جابراً يتراجع أمام شيوم حتى خرج من الغرفة..
ورأى أن كفة القتال تترجح لصالح جنود القصر.. وأن أصحابه ينهارون مثله!!

تتبع











 


رد مع اقتباس
قديم 03-22-2012   #4


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي




الفصل التاسع

في المساء استيقظ عبد القيوم من إغماءته الطويلة..!
استيقظ مشوشاً.. متألماً من رأسه.. ثقيل الجسد.. تحز رجليه ويديه قيود من الحديد.. كان يرجو أن يكون

الوقت نهاراً، لكن ظلام الحجرة التي استيقظ فيها خيّب ظنه..
وتذكر تدريجياً ما حدث قبل غيبوبته.. تذكر جيداً رئيس الحرس وهو يعصر جبينه ويضرب الجدار برأسه..
وشعر بصداع..تلفت حوله.. كان رفاقه معه.. وكان بعضهم مستلقياً.. وبعضهم يحتبي في كآبة..
وجر جسده واستند إلى الجدار.. وجاءه صوت جابر من جانبه:
- هل استيقظت يا عبد القيوم؟
- نعم.. لكني أحس بآلام في رأسي.!
اغتصب جابر ابتسامة وقال:
- أنت لم تشعر حين نقلوك إلى هنا..
- ما هذا المكان المظلم.. حتى النوافذ لا توجد به.. سجن؟!
- نعم.. هذا سجن المدينة.. سجن قانين.. الذي هرب منه المنذر وعبد الرحمن.
- الحمد لله على قضائه يا جابر.
- إنها مصادفة.. أن نأتي لإنقاذ السجناء فنقع فيما وقعوا فيه!!
- من الذي معنا هنا.. أنا لا أكاد أرى أصبعي؟!
- الجميع هنا.. لم يقتل منا سوى واحد فهم كانوا حريصين حقاً على إبقائنا أحياء.
وتحدث مالك الفهري بضيق:
- لقد وقعنا في أسر لا خلاص منه.
فقال عبد القيوم:
- أنا لم أصلّ منذ فقدت رشدي.. في أي وقت نحن؟
رد جابر:
- في منتصف الليل.
- لقد أطلت المدة.. ألا يوجد هنا ماء لأتوضأ منه؟
- هناك ماء في الزاوية.
بعد ساعة كان عبد القيوم قد قضى فوائته.. وعاد يتلمس طريقه إلى مكانه الأول. وقد سأل جابراً:
- حدثني عن القتال.. وهل نلتم من الخبيث؟
فقال جابر:
- لقد احتربنا كما رأيت وتقاتلنا أشد ما يكون.. فتقاطروا علينا من كل جهة.. وتكاثروا علينا.. وكان

الفناء ضيقاً.. وقد أردنا التراجع وصحت للرفاق بذلك
وعندما هممنا بذلك كانت مجموعات منهم تسد علينا المنافذ وقد حجزنا في الفناء فلم نملك إلا
مواصلة القتال فكانوا يقذفون سيف أحدنا ويبقون عليه حيّاً..
حتى أسرونا بهذه الطريقة.
- وأنت ألم يمكّنك الله من شيوم؟
- إنه شديد البأس.. وكدت أنال منه إلا قليلاً.. وكل ما قيل عن جلده وقوته ليس من المبالغة.. وقد

كان خطأ مني أني واجهته وحدي وكان الأولى أن ينضم إليّ ثلاثة أو أربعة من الرجال.. إنه لا يطاق!
- ألم يحضر معكم صالح بن حذيفة؟
- لقد تركته عند يوسف ورفيقه يحرسهما.. ويعتني بالخيول.
- ماذا فعلت بهما؟
- ربطنا أيديهما من خلاف.. وقيدنا أرجلهما.
الحمد لله أنك لم تحضره معك.. إنه مازال يافعاً رغم أنه شجاع وجرئ.
استلقى عبد القيوم على أرض السجن التربة وما لبث أن نام إلى الفجر واستيقظ

ليجد أن آلام رأسه قد خفت.. وقد استيقظ الجميع على صوت
طبول تقرع وعندما ارتفعت الشمس.. تعالت في السجن ضجة وصهيل خيول ثم فتح
الحبس الذي يقيمون فيه ودخل عليهم عشرات الجنود..
وساقوهم تحت ضرب السياط إلى خارج السجن ثم ركبوا خيولهم والرجال يسيرون على أقدامهم
حتى وصلوا الساحة التي أمام بوابة قصر شيوم. وهناك كان الناس مجتمعين بعضهم يجلس في الظلال
الطويلة لسور القصر، ينتظرون وصول الأسرى.
وقد فرش بساط كبير ووضع في وسطه كرسي رفيع.. جلس عليه شيوم بثيابه الفاخرة..

ولحيته القصيرة.. ورأسه الحليق وقد تدلت أقراطه من أذنيه..
وكان يمسك في يده صولجاناً أَخْضَرَ قصيراً برأس مذهب.. يضرب به كفه
في رتابة، وقد تجلى في عينيه غضب عارم وقسوة بالغة!
وعلى رأسه وقف رئيس الحرس كالصنم ممتلئاً ظفراً وغروراً، وكانت نار عظيمة قد أوقدت

ثم تناقص لهبها وتحولت إلى جمر ملتهب، وعندما وقعت عيون
الرجال عليها سرت القشعريرة في أجسادهم ولم يقل بعضهم لبعض شيئاً فالوجوم قد ألجم أفواههم،
إلا أن عبد القيوم الراضي دائماً المقتنع بكل الأحوال قال:
- الجو هنا ألطف من داخل الحبس.. لقد تخلصنا من هوائه الفاسد.
فعلق مالك في غاية التشاؤم:
- لقد تخلصنا من الهواء الفاسد لنقع في سموم هذه النار!
رد عليه عبد القيوم متكدّراً من كلامه:
- لا تقل هذا يا رجل.. الذي خلقك قادر على أن ينجيك!
- ما أبعد النجاة.. ألا ترى إليهم كيف يسجرون النار من جديد..؟
- لقد جئت من بغداد وأنت تعلم أيّ شيء قدامك.. فأعظم ثقتك بربك.. ولا تظهر الجزع أمامهم!
وقال جابر:
- الطاغية أراد للعقاب أن يكون مرهباً للجميع.. لقد جاء الناس من أماكن بعيدة.
نهض شيوم من كرسيه بهدوء واقترب من أسراه الذين أجلسوا متراصين.. وجعل يتفرّس في

وجوههم بنظرات نمر ينتقي فريسته.. ثم قال موجهاً كلامه لكل من في الساحة:
- إن سيدي الخان الأعظم.. ذا الهيبة العظيمة.. لا يرضيه أن يثير الفتن شرذمة قليلة من المحتقرين..

وإن ما قام به هؤلاء الأعراب اللصوص قدح في مقامه السامق.. وتناول بالعبث
سلطانه المرهوب.. وستعرفون يا أهل قانين وما حولها كيف
نعاقب من ثار على الخان الأعظم.. وتطاول على مجد المغول العريق.. لقد هاجم الأشرار القصر مرتين..
وقتلوا الجنود بعد خطف صاحبهم.. وسترون عقابهم وليكن في ذلك عبرة للمعتبرين.!
ثم جلس على كرسيه.. وشحبت وجوه الرجال.. وتكلم الترجمان مفسراً كلامه بالعربية ثم بالفارسية.
وقال شيوم:
- ابدءوا بهذا..
وأشار إلى أبي موسى.. فقام عشرة جنود يعرفون ماذا عليهم أن يعملوا وأحموا سهاماً بعددهم في الجمر..

وقام جنديان إلى أبي موسى الذي علته صفرة الموت وأوقفوه.. وشد الجنود العشرة سهامهم المحماة..
فصاح بعض الجنود الذين يقفون خلف شيوم.. والذين لم تعجبهم هذه الطريقة الرحيمة:
- هذا من أشدهم.. نريد أن تُسعَر عليه النيران.. لقد قتل..
قاطعهم شيوم ملتفتاً نصف التفاتة:
- اخرسوا.
فسكتوا في الحال، وصوبت السهام تجاه أبي موسى وأطلقت فصرخ صرخة مكتومة ثم تهاوى إلى الأرض

كالأسد المصاب من السهام المرتكزة العالقة به.. وقد فاحت من جسده رائحة الشواء.
لم يملك جابر دمعته.. فقرأ له عبد القيوم:
- الّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مّصِيبَةٌ قَالُوا إِنّا لله وَإِنّا إَلَيهِ رَاجِعُونَ.
فقال جابر:
- ما أبكي إلا حزناً عليه.. لا جزعاً.. إنه من أعقل الرجال.
وتصايح الناس عند هذه البداية طالبين الكف عن مواصلة العقاب.. فوقف شيوم وحَدَجَهُم بنظراته التي

يعرفونها فارتعبوا وسكتوا.. كانت نظرة واحدة كفيلة بإسكاتهم.. لكنه خاطبهم:
- كفى.. اصمتوا.. وإلا لحقتم به.. كل واحد منهم سينال عقابه.
واقتاد الجنود ياقوت الفارسي.. فتقدم وقد لاحت في عينيه المعتوهتين نظرات الهزيمة والقهر..

وبدا منظره مرعباً.. وعندما مثل بين يدي شيوم خاطبه ساخراً:
- إذاً فقد تجرأت علينا ثانية أيها الوغد.. ولم تكفك تلك الحروق التي في جسدك حتى جئت تطلب الموت..

إنك تنسى الألم بسرعة.. وستلحق بجرائك وكلبتك العاهرة.
ولم يتحمل ياقوت رؤية عدوه القديم يتبجح أمامه.. فهمهم ببعض كلمات فارسية.. وانقض على شيوم مطوقاً

عنقه بالسلسلة التي تربط يديه وجعل يخنقه بها.. حتى سقطا معاً على الأرض.. فهجم بضعة
جنود لتخليص أميرهم فسحبوا ياقوت عنه لكنه لم يفلت عنقه بل سحبه معه!
وتعالى سعال شيوم بشدة فما كان من الجنود إلا أن أغمدوا أسيافهم في جسد ياقوت الضخم.
وعندما ارتد شيوم إلى كرسيه جعل يتحسس عنقه والجنود يجرّون

جثة ياقوت بعيداً عنه.. وأراد أن يفرغ غضبه فصاح:
- تبّاً لكم.. أين كنتم؟.. أحضروا زعيمهم.. وليرني قوته الآن.
وسيق جابر وأعطي سيفاً وفكت قيوده.. وقال له الترجمان:
- الأمير يقول لك بارزه.
واستعجب جابر من هذا الطلب فهو قد هُزم أمام شيوم وهو في غاية القوة فكيف يريد مبارزته وهو منهك..

وعرف أن شيوم يريد رد اعتباره بسبب ما ألحقه به ياقوت من السخرية.. وشد جابر السّيف
وصاوله وهو يشك في ثباته طويلاً لكن لم يرد أن يوصم بالجبن والضعف.. وبعد لحظات
أطار شيوم السيف من يده ورفع سيفه عالياً.. ثم خفضه فقال رئيس الحرس متمماً لعبة سيده:
- اقتله يا سيدي.. انتقم من عدوك!
فرد الأمير شيوم في كبرياء طاغية بكلام لم يفهمه جابر، حتى قال الترجمان رافعاً صوته حتى يسمع الناس:
- الأمير يقول إنه لن يدنس شرفه بقتله وهو منهوك عاجز.. ولو كان في ساحة القتال فسيرى كيف ينتزع روحه.
وأغمد شيوم سيفه وانقض على جابر يلطمه حتى أدمى فمه، ثم قال:
- ألقوه في الجمر.. ليس كفؤاً لسيفي.
ولما رأى عبد القيوم ما يحل بصديقه.. غضب غضباً حزيناً.. ولم يتمالك نفسه فصاح واقفاً بلغة مغولية:
- يا متوحش.. الأرواح بيد الله هو الذي ينتزعها متى يشاء.. قاتلني وأنا من سيهزمك ويحتز عنقك..
والتفت إليه شيوم، وقال رئيس الحرس:
- إنه منظف الحشوش الخائن يا سيدي.
فقال شيوم:
- قيدوا هذا يا لاتو.. وأحضروا الخادم.
ولما جاء عبد القيوم عند شيوم كان غاضباً أكثر منه وجلاً فحدجه بنظرات مزدرية متحدية.. فقال شيوم:
- ما كنت لأعف عن قتل القائد لأنه متعب عليل.. وأدنس شرف سيفي بدم كانس مراحيض مثلك.
فقال عبد القيوم:
- لم تستمر في طغيانك.. فمهما طال زمنك.. فلابد أن يأتي يوم تعرف فيه أي ضعيف أنت!
فقال شيوم:
- لقد وضعت فيك ثقتي.. فخنت يا طبوتي.. وانضممت إلى هؤلاء البؤساء متنكراً لعشيرتك

وبني قومك ستعاقب بما يليق بوضيع مثلك.
وبلغ السرور مبلغه بأوسطاي الذي كان قريباً. فهتف:
- لتمت أيها الغادر..
فنهره شيوم:
- اخرس يا أوسطاي.
ثم خاطب الجلاد:
- اخلع ثيابه.. واجلده.. ثم اسلخه وألقه إلى الجمر.. هذا أقل ما يستحق.
وتعلقت عيون الناس بالجنود الذين شرعوا في خلع قميص عبد القيوم.. ثم احْتوَشُوه وشدّوه إلى

خشبة مغروسة في موضع قريب من شيوم.
وحنى رفاقه رؤوسهم حزناً لاسيما جابر فقد زادت محبته في قلوبهم لتدينه وأخلاقه.
ورفع الجلاد سوطه وأهوى به إلى صدر عبد القيوم فأطبق فكيه تجلداً.
ثم أهوى عليه ثانية وثالثة.. وما كاد شيوم يتأمل جسده الرشيق حتى صاح بطريقة غريبة:
- توقف.. توقف!
ودهش الجلاد ودهش الجميع بما فيهم عبد القيوم المتألم ورفاقه!!
وتنحى الجلاد عن شيوم الذي قام من كرسيه.. وفمه نصف مفتوح واقترب من عبد القيوم ومسح ظهره

وشعره المتهدل وتلمس صدره المشعور بأصابعه الفاترة.
فقال عندها عبد القيوم وهو يطبق على أضراسه:
- اغرب عن وجهي يا لعين.. هل أشفقت علي؟! لست في حاجة إلى شفقتك!!
ولم يرد أن يضيع الفرصة الساخنة باقتراب شيوم.. فجمع نفسه وبصق في وجهه.. وركله ركلةً منعتها

القيود أن تكون بالغة.. وما كاد يفعل ذلك حتى صفعه رئيس الحرس بشدة!
وتوقع الجميع أن ينهي شيوم حياة عبد القيوم بسيفه أو يكبه بنفسه في الجمر الملتهب..

لكنه ظل صامتاً.. شبه ذاهل.. وأشار إلى رئيس الحرس بالابتعاد..
وسلّط نظراته الغريبة في وجه عبد القيوم الذي قال متصاعد الأنفاس:
- ابتعد عني.. واقض ما أنت قاض.
وهنا تمتم شيوم:
- طبوتي!! طبوتي!! من قبائل اليوتا!!
فأضاف عبد القيوم:
- لتعلم أني تسللت إلى قصرك لا لحمايتك أو العمل عندك..

وإنما لأفتك بك يا عدو الله و سأفعل لو أتيح لي ذلك.!
وظهر للجميع أن الأمير غير عابئ بما يتفوه به هذا الأسير الذي يتراقص له الموت من مكان قريب..

فقد عاد يتلمس صدر عبد القيوم وعنقه و وجنتيه.. ثم عاد إلى كرسيه مطأطأ الرأس..
وقد خبت جذوة نظراته الوحشية.. ونادى رئيس جنوده قائلاً بصوت خافت:
- اسمع يا لاتو.. خذ الأسرى وعد بهم إلى السجن.. وادفن هذه الجثث بعيداً.. واصرف الناس حالاً.
وكما دهش الجميع دهش رئيس الحرس الذي ساءه هذا الإجراء حيث حرمه من الاستمتاع بالمزيد من مشاهد

التعذيب.. لكنه لا يملك غير الطاعة، فطفق ينفذ ما أمر به.
وعندما قام الرجال ليعودوا إلى السجن مر جابر بالقرب من عبد القيوم وقال:
- اصبر يا عبد القيوم.. سنلتقي في الجنة إن شاء الله.
فرد عبد القيوم في دهشة:
- ليتني أدري ما أصابه.. أعتقد أنه يريد قتلي بطريقة ما !!
وعندما بدأ الناس ينصرفون.. دنا رئيس الحرس من سيده العابس وقال:
- وهذا اللعين.. هل أدفعه إلى الجمر.. أم أعلقه برجليه؟
أجاب الأمير بصوت لا يكاد يسمع:
- خذه إلى القصر.. وسألحق بك.. سأعاقبه بنفسي!!
وحبس عبد القيوم في إحدى غرف القصر.. كان قلقاً.. يتمنى لو أنهم حبسوه مع رفاقه..

وقد لبث في حبسه متوجساً..مرهفاً سمعه لأي صوت.. تمر بخاطره أنواع العذاب التي يمكن أن
ينزلوها به.. وعجز هذه المرة عن مدافعة الوجل..
وتسللت إلى فؤاده بوادر الوحشة.. لاسيما وقد أصبح وحيداً.. وتمثلت لناظريه أزقة بغداد التي جال فيها..
وتمنى لو يطير إلى الجامع ببغداد ويصلي فيه ركعتين يودع بهما الدنيا ويجعلهما آخر
عهده بالحياة.. لم يكن آسفاً على الدنيا.. لكن أضجره أن يقتل عاجزاً..
أسيراً.. ويظلّ الطاغية يخوض في دماء المسلمين!
وعند الظهيرة فتح عليه الباب جنديان وانتهراه:
- قم لمقابلة الأمير.
وقام معهما فسارا به في ردهات القصر الواسع حتى وصلا إلى مقصورة الأمير شيوم.. كان بابها

مفتوحاً وشيوم جالسٌ على سرير نومه.. فأدخلاه وخرجا مغلقين الباب خلفهما.
كانت الغرفة قد رتبت وأصلحت بعد البعثرة التي أصابتها أثناء القتال..

وقد استبدل الباب المخلوع بباب آخر جديد.
ظل شيوم جالساً على سريره لا ينظر إليه.. وقد زاولته وحشيته.. وبدا سارحاً غارقاً في تفكير غامض..

واستغرب عبد القيوم من تصرفه هذا.. وبحث عن شيء ليقوله فلما لم يجد شيئاً آثر الصمت..
وبعد مدة دخل جندي يحمل إناءً وناوله لشيوم الذي قال:
- اخلع ثيابه.. واخرج!
واستسلم عبد القيوم للجندي الذي شرع ينزع عنه ثيابه حتى إذا لم يبق

عليه سوى سراويله الواسعة تركه وخرج مغلقاً الباب..
وتسارعت دقات قلبه.. ولم يعد قادراً على منع أطرافه وجسده من الارتعاش

وعندما استقام شيوم واقفاً قبالته.. تصاعد الدم إلى وجهه..
وسرت الرعدة إلى فكه.. وشَرّقَتْ به الظنون السوداء وغرّبت.. وهيأ له ذهنه المضطرب أن شيوم
سيقتله قتلة بشعة أو يمثل بجسده فقال بصوت مبحوح وهو يجر الحروف من حنجرته جرّاً:
ليس هذا من أخلاق الفرسان..!؟
فقال شيوم بصوت متهدج عميق:
- لا تخف يا طبوتي.. فأنا فارس وأحترم الفرسان.
ثم أدخل يده في ثيابه وأخرج خنجراً لامعاً من طراز فارسي وغمسه في الإناء الذي لم يشك

عبد القيوم أنه سُمّ.. واقترب منه فتمتم عبد القيوم بالشهادتين ورفع وجهه إلى السقف
وأغمض عينيه.. وجعل ينتظر الخنجر أن يغوص في كبده.!
لكن شيئاً من ذلك لم يحدث! بل شرع شيوم يحلق صدره من الشعر الخفيف النابت بخنجره!! ولما بلغ النصف

من ذلك.. توقفوهو يتفحص عبد القيوم بنظرات تحمل وجداً واضحاً. ثم اعتراه ذهول
وجعل يتحسس صدره وشعر رأسه ووجنتيه كما فعل في الساحة صباحاً!! ثم جعلت شفتاه تتحركان
بهيئة من يوشك على البكاء وصاح لحارسه الذي دخل
فوراً لتلقي الأوامر.. وقال له وهو يواجه الجدار:
- أخرجه إلى حبسه!
وتنفس عبد القيوم الصعداء وهو يساق خارجاً من مقصورة الأمير شيوم والممرات

تردد صدى صوت سلاسله الغليظة.. وعندما أغلق عليه
باب الحجرة طفق يفكر.. هل يظنه شيوم عدواً له قديماً.. إنه يكرر اسمه "طبوتي" فهل عدوه
اسمه "طبوتي" هل خرج من مصادفة "اليوتا" ليقع في ورطة "طبوتي"؟! وإذا كان يظنه عدواً
فلماذا لم يجهز عليه في الحال؟! ولماذا يختبئ به في غرفته الخاصة!؟
وبقي يتقلب على نار الشك والحيرة.. ويتوقع أن يستدعى في أية لحظة.. وعندما حل العصر قضى صلاته..

وما كاد يفرغ حتى قعقع باب الحجرة فعلم أن الأمير أرسل له الجندي ليحضره.. لكنه فوجىء بشيوم نفسه!!
كان وحده.. وكان هادئاً مكدّراً.. وربما حزيناً.. وقبض على يده صامتاً وساقه عبر ردهات القصر

متجهاً إلى مقصورته.. وسط دهشة الجنود المتناثرين هنا وهناك.. وزاد في دهشتهم حين كان طبوتي
يسير والأغلال تعيق حركته.. والأمير يمشي خلفه متهادياً مراعياً قيوده..
فتعثّر طبوتي فانحنى أميرهم في لطافة ليساعده على الوقوف.. إنهم يعرفون غطرسته وعدم تواضعه
فكان هذا التصرف تجاه منظف الحشوش الخائن مدعاة للاستغراب!!
وفي داخل المقصورة أغلق شيوم الباب على نفسه وعلى أسيره.. وقد تسارعت دقات قلب عبد القيوم

حين رأى على الأرض نطعاً من الجلد مفروشاً وفوقه قطعة خشب كبيرة
مرتفعة، داكنة اللون من كثرة الدماء المتيبسة عليها!!
وعلى طرف النطع فأس صغيرة تشبه تلك التي يقطع بها أحطابه إلا أنها قصيرة المقبض!
وأجلس شيوم أسيره فوق النطع.. قبالة الخشبة.. وقد اتكأ عبد القيوم بيديه على الخشبة فامتدت

سلسلة يديه على عرض الخشبة، وتناول شيوم الفأس وجعل يسنها على حديدة معه ولما اطمأن
إلى حدة شفرتها.. لبث فترة صامتاً.. ثم رفع يده في الهواء..
وفعل عبد القيوم فعله السابق.. أغمض عينيه ونطق بالشهادتين واحتسب روحه عند الله!!
وصرخ شيوم بآهة قصيرة كئيبة ثم قذف فأسه بمهارة مروعة تجاه عبد
القيوم، لتنغرز في الخشبة وتقد السلسلة التي تربط يديه!!
وارتعب عبد القيوم من تلك المهارة.. وتلك الصرخة!! ورفع عينيه إلى شيوم وكم كانت

دهشته بالغة حين رآى مآقيه تفيضان بالدمع.. وحين رآه يمد يده إلى زنده وينهضه قائلاً في حزن:
- قم يا "طبوتي" قم يا صغيري!!
ثم أصبح عاجزاً عن الكلام حين أضاف بلغة عربية سليمة:
- عبد القيوم.. أخيراً التقينا..!!
وانقض عليه يضمه بشدّة ويقبل كل جزء في وجهه.. ويربت على ظهره في مودة حقيقة!!
وبعدها تذكر عبد القيوم ما يمكن فعله.. فهذا الذي يعتنقه كائناً من كان.. هو شيوم الطاغية..

الذي طبقت شهرته الآفاق في القسوة والظلم.. لذا فقد دفعه حتى ارتطم بالسرير وهتف في وجهه عابساً:
- ابتعد عني.. كائناً من كنت.!
قابل الأمير شيوم هذه الشراسة بابتسامة وهو يقول:
- أنا أخوك يا عبد القيوم.. المصادفة وحدها جمعت بيننا!!
ذهل عبد القيوم عن أن يقول شيئاً.. وارتخت شفتاه وزاولهما العبوس..
وتكلم شيوم وقد طمست البهجة وحشية ملامحه:
- لقد كبرت يا عبد القيوم و أصبحت رجلاً.. عندما رأيتك لأول مرة في الحديقة خفق قلبي

وأحسست أني أعرفك.. لكني قلت ربما هو يشبهه.. ولم أكن متأكداً فطردت الشكوك..
وكنت أجد شيئاً يشبه الأنس كلما رأيتك تكنس بمجرفتك وكنت أراقبك من بعيد
حتى لا يقول الجنود إن الأمير شيوم يتقرب إلى خادم ينظف المراحيض.. وعندما حدثت هذه المداهمة
والقتال زاولني هذا الشعور.. واستسلمت لما تمليه السياسة والحزم.. ولكن عندما رفعت
عنك الثياب هذا الصباح.. لم أشك أنك شقيقي الذي خلفته في
بغداد، وقد أردت المزيد من التأكد.. وكنت أعرف شامتك التي في صدرك.. وقد تمنيت
أني لم أرك في هذه الحال..لكني أسامحك فأنت شقيقي.. أنت شقيقي يا عبد القيوم بن حسنة..!
وغمغم عبد القيوم بالكلام:
- هل تعني أنك محمد؟!!
- أنا محمد.. أخوك الذي هرب غاضباً في تلك الليلة وفر إلى مصر.
ـ ألم تقتل في حانة؟!
- هذا ما قيل.. وهذا ما أحببت أن يشاع.. والحق أني كدت أقتل وأموت.. فقد طعنني أحدهم..

لكنني استخفيت حتى شفيت جراحي.. وتركت مصر والتحقت بقومنا المغول.
وبلا إرادة منه جف قلب عبد القيوم.. وألقى بنفسه بين يدي أخيه يعانقه عناقاً مرتبكاً قلقاً..

وهو لا يرى إلا صورة أخيه الضائع المفقود.. وغابت عن ذهنه صورة شيوم
سفاك الدماء.. ومعذب المسلمين!! وتمتم بأسى:
- رباه ما هذا الامتحان!؟


يتبع











 

التعديل الأخير تم بواسطة الغزال الشمالي ; 03-22-2012 الساعة 02:42 AM

رد مع اقتباس
قديم 03-23-2012   #5


صدى الاطلال غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 498
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : 11-13-2012 (04:49 AM)
 المشاركات : 658 [ + ]
 التقييم :  86
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
افتراضي



السلام عليكم الغزاله
قصه جميله تحمل معانى ساميه
منها معنى الجهاد فى سبيل الله
الذى نسيه المسلمون فى هذا العصر
ننتظر الاجزاء التاليه
تقبلى تقديرى ومودتى



 


رد مع اقتباس
قديم 03-30-2012   #6


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صدى الاطلال مشاهدة المشاركة
السلام عليكم الغزاله
قصه جميله تحمل معانى ساميه
منها معنى الجهاد فى سبيل الله
الذى نسيه المسلمون فى هذا العصر
ننتظر الاجزاء التاليه
تقبلى تقديرى ومودتى

وعليكم السلام
يسعدني تواصلك صدل الاطلال
بارك الله فيك على المرور العطر
لك التحية مع الشكرومن الورد أعطره






 


رد مع اقتباس
قديم 03-30-2012   #7


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي




الفصل العاشر



في صباح تلك الليلة التي اختصم فيها محمد مع والده وأمه وأخته هرب إلى حيث لا يدري.. ووجد أقدامه تقودانه إلى مصر.. وهناك
عاش حياة معذبة.. متشرداً.. متنصلاً من الدين عقيدة وشريعة.. وصاحب الفساق والمنحطين.. ومارس عملاً مهيناً فأصبح ساقياً
للخمر، وحاول إنشاء خمارة مع رجل آخر وعملا لفترة قصيرة.. ثم اختلفا وتشاجرا.. وفي لحظة غضب
قتل محمد شريكه.. وكان ذلك أول لقاء له مع البطش والدماء!
ثم اقتتل مع شقيق شريكه فجرحه الأخير.. وأشيع أنه قتل.. لكنه نجى من الموت وهرب بجلده من مصر بعد أن أمضى

فيها قرابة الخمس سنوات.. والتحق ببلاد المغول وكره بلاد العرب والمسلمين.. وتخلى عن الدين نهائياً
واعتنق الوثنية وتعاليم "الأليساق" قوانين جنكيز خان!
وخدم كجندي باسل في جيوش الخان الأعظم.. زعيم المغول.. وما زال يترقى في الجيش حتى أصبح قائد كتيبة.. ثم قائداً عامّاً..

ثم حاكماً لبلاد قانين التي تعتبر مشاغبة في نظر المغول.. فشوهد له من البطش والقسوة والظلم
ما زاد حظوته عند الخان الأعظم وأشاع ذكره حتى بلاد بني العباس!
وقد تنازعت عبد القيوم بشأنه نوازع شتى.. إنه يلتقي شريكه في رحم أمه بعد طول غياب.. وقد تكلفت السنين الطويلة

بمحو تلك الاعتداءات الصغيرة التي صدرت منه.. وبراءة عبد القيوم الطفل - التي لا تختلف كثيراً عنها
الآن - جعلته يتناسى مشاكسات أخيه ويتمنى - بعد سنة من غيابه - لو يعود ليلعب معه!
وهاهو يظهر الآن لا للعب بل للبطش والظلم!
لثقل الموقف وغرابته.. أجّل عبد القيوم التفكير فيه.. والتأمل فيما يتخذ من قرار إلى حين. وشرع يسأل أخاه بلهجة هادئة:
- لماذا اخترت لنفسك هذا الاسم؟!
أجاب شيوم باعتزاز:
- أردت أن يكون لي اسم من لغة قومنا.. وكرهت أن يبقى شيء يربطني بحياتي العربية.
- حقاً.. لقد أصبحت تكره العرب والمسلمين وتخصهم ببطشك!؟
- أنا سعيد يا عبد القيوم بلقائنا هذا.. فلا تفسد علي فرحتي بهذه الشتيمة!
- لقد أدهشني أنا أيضاً لقاؤنا.. لكنني لم أنتظر أن أجدك حاكماً ظالماً يتعطش الكثيرون للفتك به؟!
- وأنا لم أنتظر أن أجدك في صف أعدائي يا عبد القيوم.
ثم أضاف:
- إنك تجهل أموراً كثيرة يا أخي.. فالحكم لا يقوم إلا بالحزم.. وأهل هذه البلاد قوم شغب وعصيان.. وكان لا بد من

القسوة تجاههم حتى يذعنوا ويهدأوا.. وقد نجحت في ذلك.. فنظرة واحدة كفيلة بإخماد لجاجتهم.
وقد رأيت بنفسك أي قدر وصلت إليه في ذلك، ويلزمك سنوات لتدرك أموراً كثيرة بهذا الشأن.
- ألا تخاف من الله أن يأخذك بظلمك؟!
- لقد اخترت طريقي.. ولا أجد ضيراً فيه.. فالذود عن مجد المغول أمر ألزمت نفسي به ويهمني كثيراً.
- هل يسرك ما فعلت بوالديك؟
- والديّ.؟ نعم.. أنت لم تحدثني عن والديّ.! أخبرني عن أمي كيف هي؟
- أمك!! لقد جلبت لها الأحزان والأمراض وعجلت بشيخوختها..
- وأبي؟
- لقد قتلته بفعلك المشين.. فأصيب بعلة في قلبه.. ومات بعد هروبك بسنوات.
فقال شيوم بحدة:
- أنت تعود ثانية لشتيمتي؟!
رد عبد القيوم بحدة أكثر:
- ما فعلته سابقاً وتفعله الآن.. لا يمكن أن ينسى أو يغتفر.. أم نسيت أنك حاولت "الاعتداء" على عائشة؟!
تلجلج شيوم.. واعتراه الخجل.. ثم قال:
- هي ابتدأت بالشجار.. وعلى كل حال لا داعي للحديث في أمر بغيض كهذا!
- لقد سببت لنا المتاعب جميعاً..
وبعد هدوء سأل:
- ما أخبار عائشة الآن؟
- لقد تزوجت شابّاً عمل عند أبي إبّان مرضه.. ولديها ثلاثة أطفال.
وحكم جلسة الشقيقين جو من التقارب وتداعي الذكريات.. وطفق عبد القيوم يتكلم عما حدث أثناء
غيبة أخيه بلهجة عجز
عن أن يجعلها غير غاضبة.! ابتداء من تنقلاتهم والبستان الذي استأجروه في بطحاء النهر ثم عودتهم إلى بغداد
وممارسة العمل بالحطب مجدداً وزواج عائشة ومثله تحدث شيوم عن تفاصيل
رحلته إلى مصر وحياته هناك ثم فراره إلى المغول وسطوع نجمه.
وحاول عبد القيوم أن يكون لطيفاً أثناء الحديث طمعاً في استدراج شقيقه إلى العودة والتوبة.. والرجوع إلى

حظيرة الإسلام.. وجعل ينتظر الفرصة المناسبة للحديث بهذا الشأن.. وقد تأخرت تلك الفرصة أياماً.
وخلال ذلك أظهر شيوم حذراً تجاه عبد القيوم.. وخلط له الاحترام بالأسر!! فعمد إلى إزالة السلاسل القديمة الغليظة واستبدلها

بسلاسل صاغها من الذهب الخالص. وخصص له حجرة في الجناح الخاص به حبسه فيها..
ولم يأذن له إلا في الخروج ليتمشى في الحديقة أو في الأسطح وفوق الأسوار.
وبلغ العجب بالجنود مبلغه حين رأوه ينتقل من ذل الأسر إلى عزِّه ومن كونه عدوّاً خائناً إلى كونه شقيقاً للأمير شيوم..

يلاصقه الساعات الطوال ويشاركه طعامه.. وقد رأوا مقدار البهجة في عيون أميرهم وهو ينضحهم بالقطع الذهبية الكثيرة ويقول:
- هذا شقيقي.. لقيته بعد طول غياب، وسأجعل لقدومه احتفالاً.. وأصنع الخمر بنفسي لهذه المناسبة.!
وكان عامة الجنود لا يحبونه.. وكان موقفهم فاتراً تجاهه لاسيما أوسطاي و لاتو رئيس الحرس.. رغم انكشاف أكذوبة اليوتا..!!
ولم يكونوا يصارحونه بالعداوة والشتائم مخافة من الأمير شيوم.
إلا أن ثلاثة أو أربعة من الجنود في مقدمتهم سوجي كانوا أكثر تملقاً وطمعاً في الاقتراب منه بحكم قرابته الطارئة بالأمير.
ولم يكن يعرف ماذا حل برفاقه ولا ماذا حصل لصالح وأسيريه يوسف بن محمد ورفيقه.. وتمنى ملهوفاً معرفة أيّ خبر عنهم!
وبعد جهد أخبره سوجي والذين معه أن أصدقاءه ما زالوا في السجن.. لكن لا أحد يعرف ماذا يفكر شيوم بشأنهم..

وإن كان الجميع متأكدين أن أحداً منهم لن ينجو من بطشه!
وكان الجنود وعلى رأسهم الرئيس لاتو يلحّون على الأمير شيوم في مواصلة عقاب وتعذيب أولئك الذين قتلوا رفاقهم..

ولكن الأمير وقع في الحيرة و تنازعته أفكار شتى مثل عبد القيوم. فالرغبة في الانتقام متوفرة لديه لكن فرحته بشقيقه
ومجاملته تقضي بألا يسئ إليه بقتل أصحابه.. وكان يفكر على الدوام بحلٍ لهذا الوضع الشائك! وقد أسف عبد القيوم
للتشاؤم الذي أصبح يعتريه بشأن نهاية رفاقه فصار يلح على أخيه في أن يزور السجن الذي يقبعون فيه..
لكن هذا الأمر لم يكن موضع مناقشة بالنسبة لشيوم! لاسيما وقد خفت حدة مفاجئته باللقاء غير المتوقع..
وبدأ يفكر بطريقة تناسب طبيعته القاسية.. بعيداً عن فورة اللقاء الأول..
وعاطفته تجاه عبد القيوم التي أسرته في البداية!!
وجاء الوقت الذي نادى عبد القيوم فيه شقيقه الطاغية إلى العودة والإياب ونبذ الطريق السائر فيه.. كان ذلك في جلسة

قصيرة شكلت منعطفاً حادّاً في تعامله مع أخيه وكيفية التفكير في مستقبل علاقتهما.!
فذات ليلة.. ضجر عبد القيوم من البقاء في حجرته وكان باب فناء المقصورة مغلقاً فآثر الصعود إلى السطح الفسيح المعزول..

الذي ارتقى إليه قبيل الاقتحام.. وهناك كانت أنسام الليل منعشة.. فقام وصلى طويلاً ودعا الله أن يلهمه رشده..
وأن يهدي أخاه محمداً إلى التوبة والإسلام.. وعندما فرغ جلس مطمئناًّ.. هادئ الشعور والتفكير..
ولبث مدة يتأمل القمر وهو يكافح غيوماً بيضاء مستطيلة داهمته بسرعة..
كان القمر بهيّاً جميلاً.. لكن السحب تزاحمت عليه واغتالته بقسوة.!
وقطع عليه تأملاته صوت شيوم من خلفه:
- أنت هنا إذاً.. هل راقت لك الخلوة بنفسك في هذا السطح؟
أجاب عبد القيوم بعدما التفت إليه:
- إنه مكان جيد للتفكير.. لأنه بمنأى عن التدخلات.. فهو لا يناله إلا من كان في المقصورة أو الغرف التي في فنائها.
- إن القصر كله يعجبني.. لقد أتقن الفرس بناءه وتفصيله.. لكن بماذا كنت تفكر؟
- لم أصعد لأفكر في شيء.. ضجرت من الداخل وطار النوم من عيني فجئت إلى هنا.
- ضجرت من الغرفة أم من كل شيء؟!
- ما الذي يدعوني إلى الضجر من كل شيء!!؟
- أعلم أن حياتنا هنا لا تعجبك!
- الحياة هنا.. وفي بغداد سواء.. لكن أنت وأفعالك تجلب لي الحزن!
- ولماذا جلبت لك الأحزان؟
- بظلمك للناس.. وإرهاقهم بالضرائب والإتاوات.. والبطش بهم لأجل ذنوب طفيفة..
- الذنوب التي تحسبها طفيفة تقود لأكبر منها.. والأموال التي نأخذها منهم ندافع عنهم بها ونردها في مصالحهم.
أطرق عبد القيوم إلى الأرض ثم رفع رأسه قائلاً:
- يا محمد إني أراك تظلم نفسك وتغرق في ظلم الناس إلى أذنيك.. ولك عليّ حق النصيحة.. فعد إلى ربك الذي

خلقك ودع ما أنت فيه من هذه الوثنية التي تمجها العقول والتي لم تتبعها إلا حمية للمغول وتشبثاً بخرافاتهم وقد ذقت
الإسلام والإيمان فأنت قادر على المقارنة بين دين أنزله الله وأيّده بمعجزة وبين نتاج عقول لا تعرف ربها.
- وماذا بعد؟!
- إني أرى لك أن تنتهي عن هذا الحكم اللعين الذي قادك إلى الفجور والظلم.. وتعود معنا إلى بغداد وتسلم

نفسك إلى الخليفة العباسي فهو أكبر ملوك المسلمين.. وتنـزل عند حكم الله.
ابتسم شيوم ساخراً من بساطة عبد القيوم:
- لا أدري كيف تفكر يا عبد القيوم.. أترك مجدي وأمارتي التي لم أحصل عليها إلا بعد جهد.. لأذهب مكبلاً بالحديد

إلى بغداد وألقي بنفسي بين يدي عدوي وعدو المغول.. وأبقى تحت رحمته فإما أن يقتلني.. وإما أن يحبسني ذليلاً..
وإذا أنعم عليّ غاية الإنعام أطلقني لأعمل راعياً للغنم.. أو حطاباً معك!!
- أعدك أن تصل إلى بغداد مكرماً.. وإذا لم ترد بغداد فدعها إلى أي بلد تحب وسأذهب أنا معك.. وستفرح أمي بذلك وتأتي معنا.
كان عبد القيوم يتكلم بغاية العفوية والبساطة.. وعدّ شيوم ذلك سذاجة وأراد

النفاذ من هذه الموضوعات فقال قاطعاً الطريق على عبد القيوم:
- أنا راض بالذي أنا عليه.. ديني الأليساق وشريعة جنكيز خان.. وأمتي أمة المغول.. وسأبذل كل شيء في خدمتهم
فهم
أنقى البشر وأشرف الأجناس! ولا أكتمك القول أني تمنيت أن أبي لم يعرف الإسلام ولم يعتنقه ولم يهاجر لبغداد.. ويختلط بالمسلمين.
اقشعر بدن عبد القيوم لدن سماعه هذا الكلام، وقال مرعوباً:
- ألا تخاف الله.! ألا تؤمن به؟ هذه ردة.. توجب دخولك النار.. ردة صريحة يا محمد!!
- اسمي شيوم.. فلا تضجرني بهذا الاسم الذي تدعوني به!
- حتى اسمك لم تعد تطيقه! إنه اسم رسول الله.. نبي البشرية.!
- لا مكان في الأرض لمثل هذه الأشياء يا عبد القيوم.. وليس هناك غير الحياة التي ترى بعينييك.. ثم الرقدة التي لا يقظة بعدها.
- لو سمعتك أمك تتفوه بهذا الكفر لصعقت!
- أمي.. أنا لم أصعد إليك إلا لأحدثك بشأنها..
ثم بان عليه الفرح لما سيقول وتابع:
- ستشاركني هذا المجد الذي أعيشه.. وسأسمح لك بالعودة إلى العراق مع بعض جنودي.. لتأتي بأمي ونعيش هنا في

هذا القصر أسياداً وأمراء لا حطابين وفقراء.! وسنتعاضد لبسط المزيد من الهيمنة والنفوذ.
لم يفكر عبد القيوم البتة في استثمار اقتراح شقيقه وتصرف حسبما أملت عليه براءته وفطرته السليمة فنهض غاضباً وصاح:
- تريد أن أشاركك طغيانك وظلمك.. وأنا من قطع المسافات الطوال لردعه وصده؟!!
- لماذا تسميه طغياناً.. وتصر على ألا تفهم معنى الحزم ومعنى الظلم؟!
- وماذا تسميه أنت؟!
- إنه المجد.. إذا تعاضدنا ستنال الحظوة لدى الخان الأعظم وستتدفق الأموال بين يديك كالماء!
لم يستوعب عبد القيوم المهموم بالآخرة.. هذه العروض الدنيوية التي أضجره بها جابر في بغداد ثم يوسف ثم شقيقه أخيراً.. لذا قال بسخرية:
- حظوة في بغداد وأموال، ومدن تحكم... وها أنت تضجرني بالحظوة كذلك.. قبحك الله وقبح هذا الخان الأذل..

تريدني أن أنسلخ من ديني.. وأنتظم في خدمة هذا السفاك الأثيم؟!
فقال شيوم:
- ولاؤك شديد لهؤلاء البؤساء الذين تنافح عنهم، والذين ستجتثهم جيوش المغول من عروقهم.. وتبيد دولهم عما قريب!
حاول عبد القيوم تهدئة نفسه، وقال في يأس:
- إننا لن نلتقي على شيء يا "شيوم" ولن يجمع بيننا جامع.. إن العقيدة تفرقنا.. فإن كنتُ شقيقك الذي

تحب فأطلق سراحي وسراح رفاقي ودعني أرجع من حيث جئت..
وأدرك شيوم هو الآخر اتساع الفجوة بينه وبين عبد القيوم فقال بلهجة قوضت آماله:
- لست من الحماقة بحيث أطلق سراح رجال تغلي قلوبهم حقداً علي وقد اقتحموا مكاني وقتلوا جنودي..

ولست من الجفاء بحيث أدع شقيقي يبتعد عني بسهولة قبل أن أملأ نفسي منه.. الجنود يا عبد القيوم
متشبّثون بمعاقبة رفاقك، أما أنت فستظلّ شقيقي وستظلّ داخل القصر حتى أنظر في أمرك!
قال ذلك ثم نزل مع الدرج منصرفاً بينما ظلّ عبد القيوم واقفاً كالجماد يغرز نظراته الحادة في ظهر شقيقه.
وعندما أوى عبد القيوم إلى فراشه في موهن من الليل.. حانقاً.. غاضباً.. اجتاحت ذهنه عاصفة من الأفكار المختلطة..

فالالتقاء مع شقيقه والاتفاق على صلح وقناعة بات مستحيلاً.. فشيوم يميل إلى الانتقام من رفاقه وسيلح عليه جنوده
في ذلك فيصبح ذلك الميل تصميماً وعزيمة.. وسيستمر في بطشه وطغيانه.. فصورته في صباه لا تختلف
عنها في حاضره.. شهوة للعدوان.. وانقطاع إلى الظلم والقسوة!
وارتأى عبد القيوم أن خير حل لمعضلته.. هو الهروب.. أن يحاول الفرار بنفسه ويعود إلى بغداد ويترك أصدقاءه لأقدار الله..

فلا طاقة له بإنقاذهم ولا لوم عليه إذا ولى هارباً وعاد من حيث أتى.. فحملة القضاء على مظالم قانين
باءت بالفشل وقد عمل كل ما بوسعه.. وقام بدوره المناط به لإنجاحها.
ورفع الغطاء ناهضاً من فراشه.. وحاول فك السلسلة من رجليه تمهيداً للهروب فعجز.. وقام إلى الباب وكان عنده

مرآة فوقعت عينه على صورته في المرآة فتوقف ناظراً إلى وجهه على ضوء القمر
الذي عفت عنه السحب وتركته ليبسط ضياءه على أفنية القصر ونوافذه.
وكأنما أكدت له المرآة ما جال في نفسه فجأة.!! بأنه خائن.. متخاذل.. لم يحقق الغاية التي كابد المشاق من أجلها..

واقترب من المرآة.. هل كان حقّاً مجاهداً.. يتحرق شوقاً للجهاد والغزو دفاعاً عن المسلمين..!
كيف اعتقد ذلك في نفسه عندما كان يشاهد صورته في المرآة المعلقة في فناء الدار التي يقطنها في درب الميزاب ببغداد..

هل كانت تكذبه تلك المرآة.. وصدقته الحقيقة مرآة قانين.!؟ وأوجعه الخاطر الجديد.. فما هو إلا متنصل من مناصرة الإسلام
وأهله.. متخفف من مكابدة الطغيان ومصاولة الظلم.. لسبب وحيد.. أنه صادر من شقيقه.. وبهذا تكون عاطفة القرابة
غير المتبصرة والضحلة.. طاغية على ما يحتمه الدين وعقيدة الإيمان من نصر المسلمين والكفاح عنهم!
وعانت نفسه المؤمنة هذا الشعور.. وأحسّ بالنقمة على ذاته.. فبصق على وجهه في المرآة..

ونكص إلى فراشه مغموماً.. ملهوب القلب بالأسى.
إن شيوم سيقتل جابراً ومالكا وبقية الرجال كما قتل أبا موسى وياقوت.. وسيواصل تجبره في الأرض.. وسيتعاظم خطره..

فالمغول ولا شك لن يتركوا هذا الشاب المندفع الطموح الشديد البأس محصور النشاط في مدينة واحدة.!
بل سيوكل إليه المزيد من النفوذ والقيادة.. وسيدرك أن ما أوصله إلى هذه المنزلة إلا شدته وقسوته، فيتمادى في ذلك ويستكثر منه.!
وهو عبد القيوم المجاهد.. على بعد خطوات من طاغية المغول شيوم، وقطع دابر شروره.. وإنهاء طغيانه ملقى بين يديه..
وليس يحول بينه وبين ذلك إلا العزيمة الصادقة.. وأن يستوعب بصدق أنه مسلم مجاهد.. أمام كافر مشرك..
يتربص بالمسلمين ويسومهم سوء العذاب.. وأن لا علائق تربطهما حتى يذعن الأخير للحق
والإيمان ويجافي كفره وظلمه.. وإلا فلا رحم ولا قرابة.
وركضت إلى خاطره آية كان يقرأها في الجامع ببغداد.. نطق بها قلبه من دون أن يحرك شفتيه:
قال تعالى: لا تَجِدُ قَوماً يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَـانُواْ ءَابَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ

أُوْلَئكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيّدَهُم بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَئكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنّ حِزْبُ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ [ المجادلة: 22 ].
فزاوله شيء من سكر العاطفة.. وشدَّه سياق الآية العظيمة.. فانسابت إلى قلبه بعد ما راعته الجوائز المذكورة

فيها المبذولة بسخاء رباني لكل من بتر علائق القربى مع الكافرين و العصاة.. وعلقها بالله وحده.!
وقام من مرقده في تصميم.. تحدوه عزيمة لم يختبر جودتها.. وتسلل خارجاً من غرفته، ولم يكن في الممر القريب أحد من الجنود.. واتجه إلى مقصورة شقيقه ووقف برهة عند الباب.. سيقتله بهدوء فهو طاغية كافر ولا شيء غير ذلك.. وسيحاول الهرب فإن نجا

وإلا فليمت شهيداً.. ولا يضره بعد ذلك ما دام في إزهاق روحه.. راحة من ظلم لا يطاق!
ودخل المقصورة.. وهناك كان الأمير شيوم.. حاكم قانين البطاش.. وينبوع مآسيها.. ينام ملء جفونه.. وقد استلقى على سريره

الفخم.. ناشراً يديه كنسر.. مباعداً بين ساقيه.. مملوءاً بالعظمة.. يشخر شخيراً لطيفاً..
وقد استولى جذعه وأطرافه على كامل الفراش.. ولا تكاد تخفى سيطرته وجبروته حتى أثناء نومه!
وانتزع أحد السيوف المعلقة على الجدار.. وشد قبضة يده على السيف.. وتقدم من الكائن الهائل المطروح على السرير..

وما أن شاهد وجهه وعينيه المغمضتين والظلمة تلفه في طمأنينةٍ.. حتى فر الأمير شيوم.! وحل مكانه محمد.. أخوه المراهق..
الضائع في مصر!! فانهارت حماسته عاجلاً.. ولذعت فؤاده شفقة موقوتة!!
فانكفأ راجعاً يجر سلاسله وهي تصدر صوتاً ناعماً.. وأغلق الباب خلفه مرجعاً السيف إلى مكانه.!
وعندما استقر في فراشه.. كان محبطاً.. مدركاً أي شراك وقع فيها.. وأيّ قيد أحاط بمعصميه.. وجلد نفسه بتفكير أليم..

لقد جبنت عن الإخلاص.. أسرتك مودة الكافر الذي حاد الله ورسوله.. أنت خائن.. سافرت من بغداد لتجاهد أعداء الله..
وتحارب الطغاة بسيفك ويدك.. أما قلبك فكان مفتوحاً كالباب المشرع لكل طارئ.. فاستقبلت أول وافد
يناقض قصدك بالخور.. وسقطت من أول امتحان!! شيوم السفاح، الولوغ في الدماء.. ينام على بعد
أذرع من مرقدك.. مفتوح الصدر.. جاهزا.. والسيف في يدك.. وأنت الزاعم أنك مجاهد تحب الفداء في سبيل الله..
ثم تجبن عن إراحة الناس منه.. وتهبه الفسحة ليستيقظ غداً.. ويعبث في الأرض بطشاً وظلماً..
وربما بدأ بأصحابك.. كأنك لم تقرأ آية.. ولم تتل قرآناً!!
وهنا تباعث فيه التصميم مرة أخرى.. ونهض بعزمه الذي كان لا يزال أسير الوهن..

وتكلف اندفاعاً.. ففتح باب غرفته وخرج إلى شيوم.. فلم يكد يضع يده على الباب حتى انهار من جديد..
وعجز عن التنفيذ.. فعاد إلى حجرته وألقى بنفسه على فراشه شبه باكٍ!!

تتبع








 


رد مع اقتباس
إضافة رد
كاتب الموضوع الغزال الشمالي مشاركات 29 المشاهدات 13549  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

(عرض التفاصيل عدد الأعضاء الذين شاهدوا الموضوع : 0 (إعادة تعين)
لا توجد أسماء لعرضهـا.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 11:19 PM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah