وتنتقم القناديل!
الغزال الشمالي
لم يكن لأبي محمد وقتا فارغا ... فهو إما في مجلس العلم وحوله الطلبة ، حيث كان سجال المناظرات يشتد ويطول في الفقه واللغه ..وإما في المكتبة .
كان أبو محمد هادئا ، متواضعا ، محبوبا ...إذا رأيته يسير مطرقا بجانب خادمه ، لن تفرق بين العالم الجليل
والخادم...كان هذا الأخير يرتفع صوته دوما على سيده :
-متى ستنتقم منه؟ !
فيهز العالم رأسه مبتسما...ويردف خادمه:
-أتذكر سيدي ، مدى الظلم الذي ألحقه أبوه بأبيك الراعي؟ !
فيمضي العالم صامتا ... كانت أرض الله ملكا لكل خلقه ، وكانت أعنز أبيه ترعى حتى
الشبع ، ثم ترتوي من النهر وتعود إلى كوخ صاحبها ...تحلبها أمه وتبيع ما يفضل عن الأسرة...
لكن حين امتُلِكَت الأرض واغتصبت، عينوا قيما عليها ، يتعهد البساتين الشاسعة والناعورة على النهر والسواقي ...
عاث القيم هناك فسادا وظلما ، وكان يستولي على المواشي التي تحوم حول البستان ... تذكر أبو محمد حين صحب والده وهرولا إلى
القيم لما استولى على الأعنز...استعطف ابوه القيم أن يعيد إليه أعنزه ، غير أنه عنفه بصوته الغليظ :
-كنت أنتظر ان ترحل أيها الراعي !
قدم الراعي صرة مال ، وهو يستعطفه:
-أرجوك سيدي ، خذ المال ، وأعد إلي الأعنز، إن لم يكن من أجلي ، فمن أجل صغاري.
نظر إليه القيم شزرا ، وقال متهكما :
-لم أكن أعلم أن لك جرذانا صغارا أيها الحقير؟ !
صفق بيده ، فأحاط بهم الحراس ، كبلوا أباه ،أشبعوه ضربا إلى أن شُج رأسه ، وكسته الدماء، ثم ألقوا به خالج السياج...بكى الصغير ...أي عالم هذا ،
وأبوه يُعذب أمامه؟! علقه حارس من رجليه ، مهددا أياه بإلقائه في البئر ، صرخ الصغير مستعطفا ، تردد صدى صراخه في البئر المظلمة...
نظر الخادم إلى العالم عله ينفعل ، لكنه ظل صامتا هادئا ...وضرب صدره:
-آه لو تمنحني فرصة لأنتقم منه شر انتقام!
فقاطعه العالم :
لن تنتقم كما سأنتقم أنا منه!
يُتبع