علي بن حسين بن أحمد فقيهي
بوح القلم
(تأملات في النفس والكون والواقع والحياة)
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مِن حُسن إسلامِ المَرْء تركُه ما لا يعنيه))؛ رواه الترمذي، وحسَّنه النَّووي، وصحَّحه الألباني.
• هذا الحديث من جوامع كَلِمه صلَّى الله عليه وسلَّم، حتَّى إنَّ بعض العلماء عدَّه ثُلُثَ العلم، وربع السُّنن، وأصلَ الأدب، وجِماعَ الخير، وعمدةَ الدين، كما قال الحافظ طاهر المعافري الأندلسي:
عُمْدَةُ الدِّينِ عندَنا كلماتٌ
أربعٌ مِنْ كلامِ خيرِ البريَّهْ
اتَّقِ الشُّبهَاتِ وازهَدْ ودَعْ ما
لَيسَ يَعْنِيكَ واعمَلَنَّ بِنيَّهْ
• من إرشادات وفوائد الحديث:
١ - أنَّ الإسلام والإيمان يزيد وينقص، ويكمُل ويقل، ويقوى ويضعُف بالأقوال والأفعال.
٢ - من دلائل حُسن الإسلام، وصدق الإيمان: تركُ المرء ما لا يهمه ولا ينفعه، وعدم الالتفات إليه أو الاشتغال به؛ من الأحوال الدينيَّة والدُّنيويَّة، الخاصَّة والعامَّة.
٣ - الاهتمام بأحوال الغير وأوضاع الناس، وتفاصيل الحياة - يشغل المرء، ويلهي الفرد عن العناية بالنَّافع، والقيام بالواجب تجاه النفس، والأهل، والمجتمع.
٤ - الاشتغال بالأمور السَّطحيَّة، والاسترسال في الجوانب الهامشيَّة - يُولِّد عددًا من الآثار والعواقب، ومنها:
أ - اللهث والإغراق في تتبُّع الغريب والجديد.
ب - الوقوع في الحقد والحسد لنِعَم الآخرين.
ج - التجسُّس والتحسُّس لمعرفة أسرار البيوت وخفايا النفوس.
د - الغفلة عن تزكية النفس، وإصلاح القلب، وتهذيب الذَّات.
هـ - نفور الناس، وكراهية الخَلْق، وسوء المعاشرة.
و - التعرُّض للقلق والاضطراب، والخطأ والزَّلل.
ز - ضعف الهِمَّة، وقصور العزيمة عن معالي الأمور.
ح - التدخُّل في القضايا الشخصيَّة، والأمور الخصوصيَّة.
ط - النظر القاصر، والحكم المُتسرِّع، والتعامل المغلوط مع القضايا والأحوال.
• ومضة: قال أحمد بن تيمية على قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105] ممَّا يُستفاد منها: "إقبال المرء على مصلحة نفسه علمًا وعملًا، وإعراضه عمَّا لا يعنيه، كما قال صاحب الشريعة: ((مِن حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه))، ولا سيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه، لا سيما إن كان التكلُّم لحسدٍ أو رئاسة"؛ الفتاوى (١٤ /٤٧٩).