منتديات وهج الذكرى

منتديات وهج الذكرى (https://www.wahjj.com/vb/index.php)
-   نفحــات ايمانيـة (https://www.wahjj.com/vb/forumdisplay.php?f=3)
-   -   الحكمة من الابتلاءات (https://www.wahjj.com/vb/showthread.php?t=36646)

روح الأمل 08-04-2021 11:39 PM

الحكمة من الابتلاءات
 
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

قرأتُ فتوى في إحدى المواقع تذكُر أنه إذا تعرَّضتْ فتاة للاغتصاب وتَمَّ تصويرها، وليس لها ذنب؛ لأنها مكرَهةٌ على ذلك، وأن ذلك من إرادة الله الكونية القدرية التي كُتِبَتْ لها وأهلها في اللوح المحفوظ؛ لتكفَّر ذنوبُهم وتُرفَع درجاتُهم، والإرادة القدرية الكونية تقع بما يحب الله أو لا يحب، وليس هذا الابتلاء من الإرادة الدينية المشيئية؛ لأن الإرادة الدينية المشيئية لا تقع إلا بما يحب الله.



أعلم أنَّ الله حكيم عادلٌ بين البشر، ويضع الأقدار في مواضعها، ولا يظلم أحدًا أبدًا، لكن يدور في ذهني سؤالان أتمنى أن أجد إجابةً لهم؛ كي يرتاح بالي: هل يُرزق مسلمٌ الْتَقى بإنسانٍ لوطي مثلًا، وهل يُرزق مسلمٌ الْتَقى ببنت فاسقة مثلًا، وتم تصويرُها وهي تفعل الفاحشة سرًّا أو جهرًا؟ إذا كانت الإجابة (نعم)، فهل هذا سيكون بلاءً أم عقوبة ولا محالةَ؛ لأن البلاء في الشرف لا يعادله بلاءٌ؛ لأنه هتكٌ للسُّمعة وماءِ وجه المسلم؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

فأولًا: مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والتيسير والسداد.

ثانيًا: لا بد أن تعلمَ أن الله حكيمٌ عليم، فما مِن شيءٍ يجري في الكون إلا بحكمة؛ لذا ذكر العلماء حِكمًا عديدة للابتلاءات والاختبارات التي يتعرَّض له المسلم في حياته، منها أن لله عبادة في الضراء كما أن له عبادةً في السراء، فإذا أُصيب العبد بما يضرُّه صبر، فكان خيرًا له، ففي الحديث عن صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ)؛ رواه مسلم.

ومنها أنها رِفعة لدرجاته وتكفيرٌ لسيئاته؛ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً)؛ رواه مسلم (2572)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاءُ بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يَلقى الله وما عليه خطيئة)؛ رواه الترمذي، (2399)، وصحَّحه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2280).



ومنها أن الله يربي عباده بالْمِحَن؛ ليُمحِّص ما في قلوبهم من أمراض؛ قال ابن القيم: (فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء، لطغوا وبغوا وعَتوا، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيرًا سقاه دواءً من الابتلاء والامتحان على قدر حاله، يستفرغ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذَّبه ونقَّاه وصفَّاه، أهَّله لأشرف مراتب الدنيا، وهي عبوديته، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه)؛ زاد المعاد (4/ 195).

ومنها لِمَيْزِ الله الخبيثَ من الطيب؛ قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [آل عمران: 179].

قال الفضيل بن عياض: (الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاءٌ صاروا إلى حقائقهم، فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه).

واعلم أيها الأخ الفاضل أن الأصل في الابتلاء أن يتَّهم المسلم فيه نفسه، ويفتِّش في خبايا أمره، ويتذكَّر ذنوبه وخطاياه حتى يرجع ويتوب؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: 79]، ويقول سبحانه: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].



فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحلَّ العذاب الأكبر يوم القيامة، فإنَّ الله تعالى يقول: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [السجدة: 21].



والعذاب الأدنى هو نكدُ الدنيا ونغصها، وما يصيب الإنسان من سوء وشرٍّ، وإذا استمرت الحياة هانئة، فسوف يصل الإنسان إلى مرحلة الغرور والكبر، ويظن نفسه مستغنيًا عن الله، فمن رحمته سبحانه أن يبتلي الإنسان حتى يعود إليه؛ قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7].



وبهذه المقدمة يتبيَّن لك الجواب، وهو أن المسلم التقي النقي ربما يُبتلى بالمصائب التي ذكرتها - كابن فاسق، أو بنت فاسقة - لا لتقصيره فحسب، وإنما ربما لرِفعته ورفع درجاته إذا صبر واحتسب.

والأَولى بالمؤمن عند المصيبة أن يقوم بما عليه شرعًا، ولا يُتعب نفسه في البحث والتفتيش عن السبب، هل هذا بلاء أو عقوبة، فالأصل كما تقدم في المصائب والبلاءات أنها من أنفسنا ومن ذنوبنا، وربما يكون غير ذلك لرفع الدرجات وتكفير السيئات، لذا اشغل نفسَك بما عليك شرعًا، فعلى المؤمن أن يصبر على كل ما يصيبه من مصائب وبلايا؛ لينال أجر الصابرين الشاكرين؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ)؛ رواه مسلم.


فالمؤمن الذي تصيبه السراء والنعمة فيشكر ربَّه، يحصِّل الخير؛ وذلك لأن الله يحب الشاكرين، ويزيدهم من نعمه؛ قال تعالى: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، والمؤمن الذي يصبر على الضراء ينال أجر الصابرين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].



وكي يطمئن قلبُك، فقد ابتُلي الأنبياء في أولادهم وأهلهم، فابن نوح عليه السلام كان كافرًا، وكذا زوجة لوط عليه السلام.

ومن الأمور التي تهوِّن المصائب على العبد: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والوضوء، وتلاوة القرآن الكريم، وتوثيق الصلة بالله سبحانه، والتوبة من كبائر الذنوب وغيرها من فعل الطاعات والصالحات.


وأخيرًا، فإن الفائدة العملية التي ينبغي للعبد التأمل فيها أن كل مصيبة وابتلاء هي له خيرٌ وأجر إن هو صبر واحتسب، وأن كل ابتلاء ومصيبة هي له سوء وشرٌّ إن جزع وتسخَّط، فإن وطَّن نفسه على تحمُّل المصائب، والرضا عن الله بقضائه، فلا يضره بعد ذلك إن علِم سبب البلاء أو لم يَعلمه، بل الأَوْلى به دائمًا أن يتَّهِم نفسه بالذنب والتقصير، ويفتِّش فيها عن خلل أو زللٍ، فكلُّنا ذوو خطأ، وأيُّنا لم يفرِّط في جنْب الله تعالى؟!

نسأل الله تعالى أن يرحمَنا ويغفرَ لنا، وأن يعلِّمنا ما ينفعنا، ويأْجرنا في مصائبنا، إنه سميع مجيب الدعوات، وهذا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
.alukah

اميرة الحب 08-05-2021 12:06 AM

رد: الحكمة من الابتلاءات
 
روح الأمل
جزاك الله خير جزاء ونفع بك
سلمت اناملك ويعطيك العافيه ع الطرح القيم
لاعدمنآ هـ العطآء ولا هَـ المجهود الرائع
بشوق دائم لجديدك
باقات من الجوري لروحك
كنت هنا اميرة الحب

http://www14.0zz0.com/2021/08/04/15/538033835.gif

الغريبة 08-05-2021 08:30 AM

رد: الحكمة من الابتلاءات
 

همس المطر 08-05-2021 10:43 AM

رد: الحكمة من الابتلاءات
 
بورك فيكِ غاليتي
وأجزل الله في ثوابكِ
جعله الله في ميزان حسناتكِ
دمتِ في حفظ الله ورعايته

وردة الغرام 08-05-2021 07:28 PM

رد: الحكمة من الابتلاءات
 
بارك الله بجهودك الطيبة وجزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك

بانتظار جديدك حبيبتي

شموخ الكلمة 08-08-2021 01:44 PM

رد: الحكمة من الابتلاءات
 
بارك اللــه فيك على طرحك القيـــم
جزاك اللــه خيـــر ونفــع بك 000icon43




روح الأمل 08-10-2021 02:06 AM

رد: الحكمة من الابتلاءات
 
جزاكم الله خير الجزاء اسعدكم الله

تالين 08-15-2021 08:13 AM

رد: الحكمة من الابتلاءات
 
جزااك الله كل خير
وجعله الباري في موازين حسناتك
سلمت يمناك

روح الأمل 08-16-2021 02:35 AM

رد: الحكمة من الابتلاءات
 
وإياك شكرا لك اسعدك الله

اسير الذكريات 09-09-2021 05:39 AM

رد: الحكمة من الابتلاءات
 
..

جزَآك آللَه خَيِرآ
علىَ طرحكَ الرٍآَئع وَآلقيَم
وًجعله فيِ ميِزآن حسًنآتكْ
وًجعلَ مُستقرَ نَبِضّكْ
الفًردوسَ الأعلى
دمت بحفظ الله
http://www.nalwrd.com/vb/upload/4121nalwrd.gif


الساعة الآن 04:55 PM بتوقيت الرياض

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون