منتديات وهج الذكرى

منتديات وهج الذكرى (https://www.wahjj.com/vb/index.php)
-   نفحــات ايمانيـة (https://www.wahjj.com/vb/forumdisplay.php?f=3)
-   -   قصة حب من الزمن النبوى ( مغيث وبريرة ) (https://www.wahjj.com/vb/showthread.php?t=12552)

القائد المهاجر 07-07-2014 04:07 PM

قصة حب من الزمن النبوى ( مغيث وبريرة )
 
يحكي لنا الزمان قصة أَمَة مملوكة ،
وكم في ذلك الزمان من مماليك ،
لكن بريرة لها قصة ، قصة الحرية ، قصة الحب ،
قصة الإباء ، قصة تثبت في تفاصيلها روعة هذا الدين ،
وسماحته ، وترد على دعاة الحرية النسائية المطلقة ،
التي لا تخطم بخطام الشريعة ، ولا توزن بميزان العدالة ،
وإنما هي دعوى الشيطان كساها من زخرف القول غرورا .
وملخص قصة بريرة أنها أرادت أن تتحرر من رق العبودية ،
وأن تنطلق في آفاق الحرية ، تملك نفسها ، وتملك قرارها ،
وترفل بقدرتها الكاملة لتقرير مصيرها ، ورسم مستقبلها .
وهكذا كان ، فقد اتفقت مع مالكيها من الأنصار على
أن تكاتبهم ، فاشترت نفسها بالتقسيط المريح ، بتسع
أواق من الفضة ، تدفعها سنويا ، في كل سنة أوقية .
ولما أبرمت الاتفاق ، عمدت إلى نبع الحنان ،
وحصن الأمان ، فقصدت بيت النبي صلى الله عليه وسلم ،
وحدثت زوجه عائشة رضي الله عنها ، وأخبرتها بحاجتها
إلى أن تعينها ، فدفعت عائشة رضي الله عنها ما اتفق عليه
إلى مواليها ثم أعتقتها .
وها هي بريرة رضي الله عنها تتنفس عبير الحرية ،
وتستنشق عطرها ، وتبدأ حياتها من جديد ، بثوب جديد ،
ونفس جديدة .
فلما تأملت حالها رأت أنها زوجة لعبد مملوك ،
والإسلام يعطيها حرية اتخاذ القرار ، فلها أن تبقي
علاقتها الزوجية كما هي ، على حالها السابق ،
ولها أن تنقض الرباط ، وتحل الوثاق ، فقررت بحسم
وجزم أن تنهي حياتها الزوجية . وهكذا كان ، لأنها
لم تكن تحب زوجها ، ولا تحمل في قلبها له مودة
ولا رحمة .
يقول ابن عباس رضي الله عنهما : إن زوج بريرة
كان عبدا يقال له مغيث ، كأني أنظر إليه يطوف
خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته فقال النبي
صلى الله عليه وسلم لعباس : يا عباس ، ألا تعجب من
حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا ؟ رواه البخاري .
فلما رأى مغيث إصرار بريرة على صده ، وأنها عازمة
على تركه ، استشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فشفع
له عندها ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
لو راجعته ، فإنه زوجك وأبو ولدك . قالت :
يا رسول الله ، تأمرني ؟ قال : إنما أنا أشفع . قالت :
لا حاجة لي فيه .
وفي هذه القصة فوائد جمة ، فقهية ودعوية ، نستل
منها ما يفيدنا في حالنا ، وواقعنا ، ومن ذلك أن نبينا
صلى الله عليه وسلم تعجب من حب مغيث بريرة
ومن بغض بريرة مغيثا ! تعجب وهو يرى حبا يقابل
ببغض ، فلم يكن حبا متبادلا ، فلم ينكر ، ولم يشدد ،
بل أفسح للقلوب أن تعبر عما في جوفها ،
ولم يعنف أحدا منهما ، لأن الإسلام جاء بها بيضاء نقية ،
واقعية ، تتلمس العواطف وتعرف قدرها ، ولم يأت
ليكبت أحاسيس الناس ، ولا ليضيق عليهم في التعبير عنها .
بل كم عبر هو عنها بأبي هو وأمي ، لما سئل : من أحب الناس
إليك قال : عائشة ، قيل من الرجال ؟ قال : أبوها .
إن ديننا القيم دين واقع ، دين لا يتعامل مع الخيال ،
ولا يرسم المثاليات التي لا تتحقق ، بل شرع لكل شيء
ما يناسبه ، يقوم المشاعر وينظمها ، لكنه لا يكبتها ولا
يصادرها .
فلا حرج على مسلم في هوى امرأة مسلمة ، وحبه لها ،
ظهر هذا أو خفي ، لا إثم عليه في ذلك ، وإن أفرط ،
ما لم يأت محرما ، ولم يغش إثما .
وفي القصة أن من أعظم مصائب الحب أن يكون من
طرف واحد ، فيحب أحد الشخصين الآخر ، والآخر يبغضه .
وإن كان ذلك هو الأكثر الأغلب ، ومن ثم وقع التعجب ؛
لأنه على خلاف المعتاد .
فديننا يقر الحب ، وينشر الحب ، لكنه الحب العفيف ،
الطاهر ، ليس حباً يقود إلى الرذيلة ، ويهتك ستر الفضيلة .
وفي القصة رائعة من روائع الحبيب صلى الله عليه وسلم ،
ودلالة واضحة على أنه حقيق بوصف الله له :
عزيز عليه ما عنتم ، حريص عليكم ، بالمؤمنين رؤوف رحيم .
ودليل على عظيم خلقه ، فإن عبدا مملوكا لا يتوانى أن
يطلب شفاعته ، في قضية أسرية لا تمس الأمة في ثوابتها ،
وليس لها صلة في أمورها العظام ، ومع كل هذا يستشفع
العبد بالحبيب صلى الله عليه وسلم ، ويشفع بأبي هو وأمي ،
لا يتكبر ، ولا يتعالى ، بل يكلم المشفوع عنده بألطف العبارات ،
ويذكرها لا آمرا ، ولا زاجرا ، ولا مستعليا ، ولا متسلطا .
وكم في هذه الشفاعة النبوية لدعاة وعلماء الأمة أن يتواضعوا
للناس ، وينظروا في حاجاتهم ، ويشفعوا لهم عند السلطان وغيره ،
في قضاء ديونهم ، وإصلاح ذات بينهم ، وفي جميع أمورهم ،
ليؤجروا ، وليتأسوا بمورثهم العلم ، ميراث النبوة .
ثم لك أن تتصور مدى اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم
بمغيث وزوجه ، فإن فعلت فإنك حتما ستعجز أن تتصور
كيف يكون اهتمامه صلى الله عليه وسلم بأمور هي أهم
وأعظم من بريرة وزوجها ! فسبحان من بعثه رحمة للعالمين .
وهكذا دين الحق ، الذي يوازن الأمور ويعطي كل ذي حق حقه .
لقد استوقفني كثيرا منظره صلى الله عليه وسلم ، وهو من هو ،
بأبي هو وأمي ، لا يتوانى في الشفاعة عند بريرة ، وهي
التي لم يجف عرقها بعد من ربقة العبودية ، يستعطفها على
زوجها ، فتسأله بقوة وثبات ، تأمرني ؟ لأنها تعلم يقينا
أن لو كان صلى الله عليه وسلم يأمرها فلا تملك إلا أن
تسمع وتطيع ، فقد تقرر في ذهنها ، ورسخ في قلبها :
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ، حرا كان أو عبدا ، سيدا
كان أو عاميا ، ملكا كان أم من الرعايا ، ما كان لهم
إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .
فلهذا سألت : تأمرني ؟ فلما علمت منه صلى الله عليه
وسلم أنه لا يأمرها ، وإنما هو شافع ، قررت ،
وصرحت بأنها لا تقبل تلك الشفاعة ، وتردها بكامل
اختيارها ، ونقاء قرارها ، واتساع حريتها ، واطمئنانها
إلى أنها لن ترغم ، ولن تعنف ، ولن تحاصر بإرهاب فكري ،
أو اجتماعي ، إذا ما اتخذت قرارا ينافي رغبة الشافع ،
صلى الله عليه وسلم .
سبحان الله ، هل تتخيل نفسك وأنت تشفع لدى
من تظنه وضيعا ، وتحسبه ضعيفا ، وهو لم يقض ما تعاقد
من أجله إلا بمعونة من أهل بيتك ، وبقرار منك ، وبنظام
أنت رسخت قواعده ، وشرعت بنوده ، ثم تواجه بالرفض ،
فلا تقبل لك شفاعة ، ولا ينظر إلى قيمتك ، ومكانتك ،
ومركزك ، وهيبتك ، فما عسى أن يحمل قلبك من غضب ،
وما عساك تبحث في نفسك عن وسائل يمكن أن تستخدمها
لتعيد كرامتك التي أهدرها رفضه شفاعتك .
لم يكن منظور الحبيب صلى الله عليه وسلم لها كما ننظر إليها ،
كانت نظرته أرق ، وأوسع ، وأشمل ، إنما أنا أشفع .
لم تعاقب بريرة ، ولم تنبذ ، ومضى الأمر كما أرادت ،
ولم يجبرها على أن تعود إلى زوج رفضته لأنها لا تحبه .
دروس متداخلة ، في أعماق النفس ، التي تشرع الأنظمة
ثم لا تخضع لها ، ولأناس يتشدقون بأقوال لا يستطيعون
أن يطبقوها واقعا في حياتهم ، فيبخلون بجاههم لأنهم يخشون
أن لا يقام لشفاعتهم وزن .
ودرس لأناس يظنون أن حرية المرأة إنما هي في أن تخلع
عن جسدها الثياب ، وأن ترمي عن رأسها الحجاب ،
يرون حريتها أن تعمل لتكسب ، وأن تزاحم لتتعب ،
يرون حريتها أن يتمتعوا بها ، وأن ينالوا منها ما لا
يرضاه إلا شيطان مريد .
ثم هم يغفلون ، أو يتغافلون عن حريتها في أن يكون
قراراها بيدها ، في أن تختار زوجها ، وأن لا ترغم
على أن تعيش مع من لا تحب ، فتساق سوق الشاة
إلى مذبحها ، وإلى أقوام حرموها حقها في ميراث فرضه
الله لها ، ومنعوها من أن تملك مالها ، وأن تتربع على
عرش مملكتها حرة أبية ، فمن ناظر إليها نظرة شهوة
واستمتاع ، ومن ناظر إليها نظرة تنقص ، كأنها سقط متاع !
فلله درك من إمام هدى ، جئت بأنصع بيان ، لم تتله بلسانك ،
بل صغته بأوضح برهان ، صغته بنفسك الأبية ، تطبيقا ،
واقعيا ، نلمسه فنحسه دفئا يرطب الأكباد ، وأساسا
يبني عليه من أراد أن يبني صروح الأمجاد .
لقد بنيت لنا بسيرتك العطرة شخصية المسلم المتكاملة ،
الواثقة ، لا تقزم ، ولا تحجم ، تعلم أن عليها واجبات فتؤديها
، وأن لها حقوقا لا تفرط فيها ، هذه الشخصية المسلمة
رسمتها لنا بريرة ، إحدى خريجات مدرسة الأجيال ،
في لوحة رائعة الجمال ، لوحة واقعية ، ليست من وحي الخيال .

ريماس 07-07-2014 04:56 PM

جميلة جدا جدا
فعلا مواضيعك متجددة وشيقة
بارك الله فيك
وجعلها في ميزان حستانك

القائد المهاجر 07-08-2014 12:59 PM

أسعدك الله إينما كنتِ

مشكورة أختي ريماس
ع الاطلالة الجميلة
طبتِ وطاب محياك
ولاعدمنا تواجدك

القائد المهاجر


الساعة الآن 12:07 AM بتوقيت الرياض

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون