احتراما للقرابة وصلة الدم..!
..رجع الكل مهرولا بعد ان تفرقوا..كل منهم يحمل بين جوانحه أثقالا من الأفكار السوداء مالا يطيقه ..كانت أرجلهم تمشي بسرعة ،
مشية أفكارهم ..عيونهم انقلب بصرها إلى داخل أنفسهم ،يحصى مساوئهم ، وعيوبهم ،وسيئاتهم وحسناتهم ..
وما كانوا يخفونه على الناس ..وماكانوا يستترونه عليهم خشية يوما ما أن يظهر
فتحبط أعمالهم ، ويصغرون أمام نفوسهم والناس..! انهم يخشون مثل هذا اليوم العسير!..
عندما كانوا في موكب الجنازة ..لم تكف ألسنة بعضهم عن ذكر حياة الهالك ، كل يفشي سر ما يعرفه عنه قبل دفنه..منهم
من يحكي حياة طفولته..ومنهم من يحكي حياة دراسته ومنهم من يحكي حياته وحياة عائلته..ومنهم من كان يتقزز
من تصرفاته حينما كان مسؤولا ! لم يكونوا يرددون.." لا إله إلا الله محمد رسول الله "..
بل غلبت عليهم النميمة حتى في موكب الجنازة..!
أما عائلته ، فقد كانت تنتظر بفارغ الصبر أن تنتهي مراسيم الجنازة لتنكب بنهم شديد في تمزيق جسد التركة..ويشفون غليلهم
من شحه وبخله،وينتقمون لجوعهم وفقرهم اللذين كانا يقضان مضاجعهم طيلة نصف قرن من الزمن..!
وقد قيل " بطنة الغنى انتقاما لجوع الفقير..!
ولكن هذا المثل يرونه الآن معكوسا!" موت الغني سعادة الفقير من أهله!
عندما كان صغيرا ، يلعب بالتراب،حافي القدمين ،شبه عاري صيفا وشتاء..كان والده فلاحا شريفا ،بسيطا ،يقتات من عرق
جبينه،حيث كان يظل الفأس بين راحتيه، كالقلم بين الأنامل ..يحفر ..يخطط خطوطا على صفحة الفدادين
كأنه ينمقها ..يجري المياه بين تلك الخطوط كسلك عسجدي فوق لوحة خشبية بنية اللون!
كصانع تقليديا ماهرا..! بعدها بزمن قصير ،ترى تلك الخطوط مخضرة بالنباتات المختلفة والألوان والأشكال..
كم كان والده يفرح حين يرى أعماله قد اخضرت أو حين تؤتي أكلها ..!
كم كان صاحب الأرض يضن عليه عندما تضن عليه السماء..!
وكم كان يمن عليه عندما تمن عليه الأرض ،وتعطي خيرات بطنها بلا حساب!
الغزال الشمالي
تتبع بإذن الله
المواضيع المتشابهه: