عرض مشاركة واحدة
قديم 04-18-2013   #10


الصورة الرمزية بسمة روح
بسمة روح غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 234
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 09-13-2014 (01:00 PM)
 المشاركات : 12,175 [ + ]
 التقييم :  53790370
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
افتراضي



المقصد الخامس: الشكر

الصلاة حق العبودية لله تعالى يقوم بها من كان عبدا شكورا وبهذا الجواب نطق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين رأت عائشة رضي الله عنها شدة اجتهاده في الصلاة وكثرتها فقالت : كيف تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال صلى الله عليه وسلم : أفلا أكون عبدا شكورا ، والمعنى: إذا كان الله غفورا رحيما؛ قد غفر لي ذنبي وتجاوز عني أفلا أقابل هذا العفو والمغفرة بالشكر والثناء على هذه النعمة العظمى نعمة المغفرة لما تقدم من الذنب وما تأخر؟
إن ذلك هو فعل أهل الكرم والنفوس السخية الندية التي تقدر الجميل حق قدره وتقابل الإحسان بالإحسان.
أما من قابل نعمة العفو والمغفرة ونعمة الصحة والعافية باللهو والغفلة والدعة والكسل أو بالمعصية والإساءة فهذا حري بأن يسلب هذه النعمة وتحل به النقمة والعقوبة.
إن العبد الشاكر هو الذي يعرف ربه حق المعرفة ويقدره حق قدره. واسمع إلى قول الله تعالى : "بَلِ اللهَ فاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ(66)وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ والأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ والسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" الزمر: ٦٦ - ٦٧
ولا حظ الربط بين العبودية والشكر وتقدير الله حق قدره، فكلما زاد علم العبد بربه زاد اعترافه بعظمته وبمنته وتبين له عظيم فقره وشدة تقصيره فاجتهد في شكر ربه.

فأنت أيها العبد بين أمرين إما مغفرة تستوجب الشكر أو ذنوب تحتاج إلى استغفار ففي كل حال أنت مطالب بالصلاة لله رب العالمين في كل وقت.
أما من نقص علمه وضعف يقينه فتجده يستثقل حتى الصلوات المفروضة ويستطيلها إلى حد أن ينقرها نقر الغراب لا يطمئن فيها بركوع ولا سجود ولا يعي ما يقول فيها إن كان يقول شيئا.
فالصلاة هي أعظم عمل يتقرب به العبد إلى ربه ويتحبب إليه، وعلى هذا فهي أعظم ما يقدمه العبد شكرا لمولاه على نعمه التي لا تعد ولا تحصى "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ(1)فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(2)"الكوثر: ١ - ٢
ولو لم يكن للصلاة سوى هذا المقصد لكان كافيا أن تشغل وقت وحياة العبد الفقير إلى ربه المغمور بنعمه والمحاط بفضله والمأسور بمنته.
لو لم تكن الصلاة إلا شكرا لله على نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم الذي ضل عنه كثير من الخلق؛ لكان ذلك كافيا وحافزا للعبد أن يجعل عمره كله صلاة.
فتقرب أيها العبد الفقير إلى ربك بالصلاة شكرا له على نعمه ورجاء الزيادة التي وعد الله عباده الشاكرين "وَإذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ" إبراهيم: ٧، وكن من القليل الذين قال عنهم ربهم ومولاهم : "وَقَلِيلٌ مَنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ" سبأ: ١٣.
إن بعض الناس حين يحس بغمرة الفرح والنشوة بتجدد نعمة أو اندفاع نقمة لا يقع في نفسه تعبيرا عما فيها من الشكر إلا الصدقة بالمال ونحوه وهذا خير وعمل جميل ، لكن الصلاة قبله وفوقه بكثير،"إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ(1)فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(2)" الكوثر: ١ - ٢

وكان هذا هو هدي سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه فإنه يبادر إلى الصلاة ويكثر منها حين تجدد نعم ربه عليه ومن أبرز ما حفظ لنا من هديه صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر صلاة الفتح : أي فتح مكة فقد صلى ثماني ركعات شكرا لله عز وجل على هذه النعمة العظمى.
ففي كل صلاة تصليها تذكر هذا المقصد وضمه للمقاصد الأخرى ليعظم أجر صلاتك ويعظم نفعها وأثرها على قلبك، وعند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة فخصها بصلاة تدخل فيها على مولاك تشكره على عظيم نعمته عليك.
لو قضى العبد حياته كلها ساجدا لله لما قام بشكر سيده ومولاه ، ولكن ربنا غفور رحيم شكور حليم يرضى منا باليسير، قد رضي منا بما نقدر عليه وعفا عنا ما نعجز عنه أو يشق علينا فعله، فاللهم لك الحمد أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
من يكثر الصلاة بهذه النية وهذا المقصد فإنه يتربى على الشكر في حياته كلها ، وفي سائر أموره، والشكر هو سيد الأخلاق وأصلها ومنبعها، منه تتفرع وعليه تدور.
الإيمان نصفان: شكر وصبر كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، والمتأمل في آيات القرآن الكريم يجد اقتران الشكر بالصبر ، والتأكيد على أن الاتعاظ والانتفاع بالآيات حاصل لمن كان كذلك "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بآيَتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إنَّّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٌ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" إبراهيم: ٥، فهما الوجهان العمليان للعلم والإيمان، وهما ثمرة الإيمان للحالتين اللتين يتقلب العبد بينهما في هذه الحياة.
تأمل آيات الشكر في القرآن الكريم تتضح لك أبعاد هذا المقصد وتتبين لك خفاياه وأسراره .




 
 توقيع :


رد مع اقتباس