د . عدنان جواد الطعمة
سمو الشيخ عبد الله السالم الصباح مع الأمير عبد الإله الوصي
صدر في العاصمة النمساوية فينا عام 1953 كتاب للرحالة النمساوي ماكس رايش Max Reisch بعنوان " بالسيارة إلى الكويت - رحلة إلى الدول العربية " .
يعد هذا الكتاب من الكتب النادرة القيمة عن الرحالة النمساوي لمنطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية .
المرحوم الشيخ فهد السالم الصباح
فندق سان جورج Hotel Saint Georg
يقع الكتاب في 247 صفحة و يحتوي على صور تاريخية نادرة جدا للمرحومين الشيخ عبد الله السالم الصباح و الشيخ فهد السالم الصباح و الأمير الوصي عبد الإله و الزعيم السوري الشيشكلي
حفلة قيام سمو الشيخ عبد الله السالم الصباح بافتتاح ميناء الأحمدي
و يتحدث الرحالة بالتفاصيل عن التطور العمراني و الحضاري الذي حدث بالكويت بحيث أصبح دولة لها وزنها و دورها الفعال في المجتمع الدولي .
تدريب 300 شخص من رجال الشرطة
. يقول ماكس رايش:
و هكذا بدات الرحلة على ظهر سفينة إسبيريا Esperia من ميناء حنوة بتاريخ 23 فبراير عام 1952 ، حيث شحنا سيارة البعثة مع حقائبنا الكثيرة على ظهر هذه الباخرة القريبة من مقصورتنا .
و باركت سيارتنا و منحتها إسم شرف عربيا بـ " صديقي " التي قطعت مسافة عشرة آلاف كيلومترا في رحلتنا إلى الدول العربية . وكانت سلطنة ( كما يذكر ) كويت هي أبعد هدف لهذه الرحلة .
كانت الأوضاع السياسية مضطربة في المنطقة حيث أزيح ملك مصر و حتي في لبنان الهادئ إنتفض ثوار و أرغموا الرئيس الشيشكلي على مغادرة البلاد في غضون 24 ساعة .
و في إيران ألقى الدكتور مصدق قنبلة زمنية لإزعاج الدول العربية . كان الدكتور ، و طبيب الأسنان و مصور الرحلة رولف هكرDr. Rolf Hecker من مدينة إيرلانجن رفيقي طيلة هذه الرحلة إلى البلدان العربية .
البدء ببناء جامعة الكويت و مرافقها
وقبل ظهر 28 فبراير وصلنا الساحل اللبناني . و رست سفینتنا على ميناء بیروت و آول شخصية استقبلنا كان مدير نادي سيارات لبنان . ثم أنهينا معاملة سيارتنا " صديقي " من الجمارك و سقنا إلى فندق سان جورج Hotel Saint Georg الذي حصلنا على إسمه و عنوانه من النادي الدولي للسيارات
فندق سان جورج Hotel Saint Georg
خارطة الدول التي زارها الرحالة النمساوي
بدأت رحلة ماكس رايش الفعلية من الأردن و تحدث عن المعاملات السلبية التي واجهها في فندق فيلادلفيا قبيل أن يحصل على الفيزتين السعودية و العراقية قائلا :
" وجب علينا الإنتظار لفترة طويلة . كان مزاجنا قد وصل على نقطة الصفر ن عندما طلب منا مدير الفندق فيلادلفيا أن نخلي و نسلم مفاتيح الغرفة لأن سيدة امريكية مليونيرة و إبنتها تريدان الحج في القدس و بيت لحم " . ثم و يقول : " من الغريب أن يعتبر كل أمريكي مليونيرا في الشرق الأوسط " .و بدأنا نحضر إنتقالنا من فندق فيلادلفيا إلى فندق عمان ، ربما يكون هذا الفندق أفضل من فيلادلفيا . و يقول سالت مدير فندق فيلادلفيا عما إذا كانت فعلا ألسيد الأمريكية و إبنتها ستصلان الليلة إلى الفندق ، أو ربما هناك إمكانية أخرى تساعدنا على البقاء في هذا الفندق . وفي أثناء حديثنا رن الهاتف ، هرع مدير الفندق إلى المقصورة أو الكابينة رقم واحد ورفع سماعة الهاتف ثم إلتفت إلي قائلا تعال هذا النداء لك . سمعت صوت صديقي إلياس كتانة و أخبرني أن جوازات السفر جاهزة و قلت له سنأتي إلى مكتبك الآن .
وضع الحجر الأساسي لبناء الدور
فرح الفروشي واحمر وجهه ثم جاء ألياس حاملا الجوازين بيديه و قال الآن وصلا بالطائرة . وقد رتب ذلك ألفرد كتانة Alfred Kettanah الحصول على فيزا سعودية لمدة سبعة أيام يحق لماكس أن يسوق سيارته على طول أنابيب النفط التابلاين TAP-Line باتجاه الكويت . و الآن بقت الفيزا العراقية يجب الحصول عليها لأني خططت العودة من الكويت مارا بالعراق و سوريا . إن إسم كتانة صنع المعجزة بالنسبة لنا ، لأن كتانة كان صديق القنصل العراقي في عمان الذي كان يسكن أيضا في فندق فلادلفيا . حدث بيني وبين القنصل العراقي عندما كنت في فندق فلادلفيا نقاش حاد إختلفنا في وجهات النظر و كل واحد منا أصر على صحة رأيه .
الخدمات الصحية و الطبية التي كانت تقدمها الحكومة الكويتية إلى رعاياها من العوائل البدوية النائية
قلت للصديق إلياس أرجوك أن تأتي معنا إلى القنصل العراقي ليمنحنا تأشيرة الدخول الفيزا إلى العراق . وفعلا ذهبنا نحن الثلاثة و فوجئ القنصل لما رآني . و شاهدت بأن علامات الغضب و الإنفعال كانت بادية على محياه عندما رآني . لكن الصديق إلياس قدمنا بلطف إليه بأني مهندس نمساوي و صديقي الدكتور الألماني من أصدقاء العرب و العراق . ومدحنا كثيرا أمام القنصل العراقي . ثم وجه القنصل العراقي إلينا أسئلة كأنه يحقق معنا ، هل أنتما شيوعيان ؟ و هل خدمتما على الجبهة الروسية ضد الألمان ؟ وهل كنتما بعد عام 1945 في المنطقة الشرقية الألمانية ؟ فأجبنا بلا . إقتنع القنصل العراقي بأقوالنا بأنا لسنا شيوعيان و لم نخدم في الجانب الروسي ولم نعيش في المنطقة الشرقية .
سيارة الرحالة النمساوي ماكس رايش عند الإستراحة
ثم منحنا تأشيرة الدخول إلى العراق . طرت من الفرح و اخذنا الجوازين و شكرنا القنصل العراقي و خرجنا إلى عمان . وقد ساعدني فائق بشارات لشراء باقة من الورد من احد حوانيت عمان لبيع الزهور لكي أهديها إلى زوجة كتانة . واتجهنا إلى فندق فيلادلفيا لأخذ حقائبنا و قلت لمدير الفندق تستطيع الليلة أن تعطي غرفتنا إلى الأمريكية المليونيرة و ابنتها . و قدنا سيارتنا باتجاه بوابة الخارجية لعمان . توقفنا هناك و أشتريت عثك موز طوله مترا و بعض الفواكه الأخرى و اتجهنا على شارع معبد باتجاه المفرق . ومن المفرق إتجهنا بالإتجاه الشرقي نحو قطعة مرور تاب لاين TAP-Line أطول أنابيب النفط في العالم الذي مدده 15 ألف عامل و مهندس امريكي و 15 ألف عامل ومهندس سعودي ومن الدول العربية . والتابلاين يؤدي إلى صيدا على البحر المتوسط إلى قويسومة في جنوب السعودية و طول هذا الأنبوب يبلغ 1230 كيلو مترا . و في قويسومة يوصل هذا الأنبوب و يربط بنظام أنابيب شركة أرامكو بطول 506 كيلومترات . والمجموع الكلي الطولي لحقول العربية السعودية يبلغ 1736 كيلو مترا .
ماكس رايش مع الشيخ عاكف بن سلطان بن مثقال آل فايز
إن قطر الأنبوب كان ما بين 20 إلى 30 إنج أي تقريبا 80 سنتيمترا . وكان الأنبوب يمتلئ بالنفط من كل حقول النفط لمدة 15 يوما تضخ فيه خمسة ملايين و تسمائة برميل ، أي مقدار 940 مليون لترا من النفط إلى ان تصل أول قطرة من النفط السعودي البحر البيض المتوسط . و يقول في موقع آخر و يشكر الله على وجود التابلاين الذي يؤدي إلى الكويت . كانت رحلتي تسير بصورة حسنة من محطة ضخ الأنابيب إلى المحطة الأخرى دون صعوبة . كانت الفيزا السعودية الممنوحة لنا فقط لمدة أسبوع .
صورة بدوي من قبيلة عنزة
وتمكنا من السفر إلى الرياض . وهناك افترقنا ، إذا غادر صديقي رولف الرياض بالطائر إلى الكويت الذي سينتظرني هناك . و في فصل آخر بعنوان : الوصل إلى أغنى بلد في العالم يقول ماكس رايش كان مقعد أو كابينة قيادة سيارتي " صديقي " مملوءة بالرمال و كنت أقود السيارة جنبا على جنب الأنبوب الممتد باتجاه الكويت . وفي ضباب رمل الصحراء شاهدت خيمة منصوبة معلقة أمامها على عمود لوحة أو يافطة كتب عليها " جمرك السعودية " . خرج منها رجل بدوي حاملا حزاما مملوءا بطلقات نارية و على كتفيه لوحتان من النحاس الأصفر و على رأسه كوفية و عقال . بدوي له مركز وظيفي . توقفت عنده و سلمته أوراق السيارة و الجواز التي فحصها و اعادها إلى و تمنى لي رحلة سعيدة ثم ذهب إلى خيمته .
يقول ماكس رايش في صفحة 157 من كتابه : أن سلطان الكويت كان يعلم أن من يأتي من العربية السعودية تكون أوراقه كاملة وأنه قد تم فحصها عدة مرات . حدثت معجزة بان عطفت سيارتي باتجاه شارع عريض معبد بالقار ، و قدت السيارة وحيدا في منطقة خالية من السكان وكنت أعلم علم اليقين بأن كنوزا من النفط تكمن تحت هذا الشارع . وفجأة وجدت نفسي أمام حقل برجان أغنى حقل في العالم .
الرحالة مع المهندس ألياس كتانة
وعلى الجوانب بنى مهندسو شركة النفط الكويتية Koweit-Oil -Company شوارع معبدة بكافة الإتجاهات تخترق الصحراء . وعلى أحد شوارعها المتجه نحو الشمال قدت سيارتي بغبطة و نسيت العواصف الرمليه .و شاهدت على الجانبين مصافي تكرير النفط و أنابيب ينبعث منها الغاز المحروق باللهب . و وصلت ميناء الأحمدي الذي يجمع كل أنابيب النفط من حقل برجان . وهنا يسكن 600 بريطاني و امريكي الذين يقومون بتعبئة النفط إلى حاملات النفط العملاقة . و بإمكان سبع بواخر ( حاملات النفط ) أن تملأ في آن واحد . إنتهى ما لدي من بنزين ، توقفت في إحدى محطات البنزين و ملأت سيارتي بكمية ثلاثين غالون بالوقود أي بالبنزين و لم يطلب مني أن أدفع ثمنها . إن شركة النفط الكويتية كانت شركة منظمة تنظيما جيدا بحيث تحاسب الشركات التي تصدر إليها النفط على الفلس الواحد ، لكنها لم تهتم بمحاسبة زائر مار يحتاج إلى بضعة غالونات من الوقود .
مخطط داخلي لسارة الرحالة ماكس رايش
إتجهت نحو الشارع المؤدي إلى الكويت . تخيلت أن الكويت عبارة عن واحة . و تقربت قليلا باتجاه المدينة و إذا بسور مرتفع من الطين يحيط بها . كانت تسير سيارات كثير و تدخل مدينة الكويت من البوابة الثانية . إستوقفني أحد الحراس الذي كان يرتدي اللباس الخاكي و طلب مني بلطف أن أسير إلى البوابة الجنوبية و أدخل المدينة . و قدت سيارتي بمحاذي سور المدينة و استوقفني حارس آخر ، ويبدو أن هناك شخصا كان ينتظرني في البيت . صعد شرطي إلى سيارتي و جلس بجنبي و قدت سيارتي بهدوء و كان الشارع في المدينة مفتوحا و بدون إزدحام . أردت الذهاب إلى بدر الملة ممثل إحدى الشركات الألمانية لماطورات الديزل Jenbach Dieselmotoren و كنا قد حددنا موعدا للقاء صديقي رولف .
خارطة حقول النفط في الكويت
و هنا كان من المتوقع أن أحصل على وظيفة مهندس بعد عدة أشهر . قادني الشرطي إلى مركز الشرطة . وكان مبارك الصباح ، من أقارب أمير الكويت ، مديرا للشرطة ، و قادوني إليه مباشرة . سلمته جواز سفري و أوراق سيارتي و بدأ يتصفح جواز سفري و شاهد الفيزا السعودية و صورتي ، وقال لي نعم هو أنت الشخص الذي ننتظره . الحمد لله على سلامتك . إن صديقك الطبيب الألماني سيكون سعيدا ، لأننا أردنا أن نرسل عدة سيارات نحو الجنوب للبحث عنك .
وقوف الرحالة النمساوي على سيارته في ساحة الصفاة بالقرب من سوق الغربلي
قادني شرطي إلى مركز المدينة إلى مكتب بدر الملة . كنت فعلا وسخا لم أحلق ذقني أو وجهي وكان العرق الذي يسيل فوق جبيني و وجنتي قد حفر خطوطا بسب الرمل الكثير . بدر الملة شخص سمين هندي نظيف الملبس الذي كان يرتدي لباسا حريريا رحب بي ترحيبا حارا في مكتبه الخاص . وقال لي أنا سعيد جدا بأنك وصلت الكويت بالسلامة ، وأن صديقك قد بحث عنك في كل الكويت و عمل حملة كبيرة . أين هو الآن ، سألته ؟
أجابني عند الشيخ فهد ، شقيق الأمير . كان بدر الملة بالنسبة لي باعثا للهدوء و الأمل . و فجأة فتح الباب ودخل علي صديقي رولف الذي سألني اين كنت و لم هذا التأخير . قلت له سأحدثك لاحقا عن التفاصيل .
أطول أنبوب تاب لاين 1700 كيلومترا و بمحاذاته قاد الرحالة سيارته -الحدود الشماليه
و في فصل آخر بعنوان : " وردة متفتحة نوارة في بحر رمال العربية ( البلدان العربية ) " يتحدث ماكس رايش بالتفاصيل عن التعليم في الكويت و بناء مدارس كثيرة للبنات أيضا و قد قام مع صديقه رولف بزيارة عدة مدارس بالقرب من سور المدينة و الأحياء الأخرى و أستغرب بأنه توجد مدارس للبنات في الكويت . و يقول كم تمنيت ان تكون مدارس أوروبا مثل مدارس الكويت من كافة النواحي . لم يتواني سلطان الكويت في السنوات الأخيرة منذ أن حقق حقل برجان عائدات النفط بملايين الدولارات ، في بذل الملايين من اجل تعليم شعبه القراءة و الكتابة . وماذا حقق الأمير و شقيقه الشيخ فهد في وقت قصير يستحق الإعجاب و التقدير. يحصل كل من الطلاب و الطالبات على ملابس مدرسية و وسائل التعليم و الكتابة و الكتب مجانا ، و بالإضافة إلى ذلك يتناولون وجبة غذائية عند الظهر مجانا .
خارطة البلدان المنتجة للنفط
كما شجع الأمير آباء الأطفال الفقراء و خصص لهم رواتب شهرية لكل من يرسل إبنه إلى المدرسة ليقضي كل ساعة فيها. و يقول في هذا الفصل :
" كانت عند أمير الكويت خطة كريمة ، حيث فوجئ بها مهندسو الإنكليز و الأمريكان و خاصة على عبقرية الأمير المرحوم عبد الله السالم الصباح ، ألا وهي :
أراد الأمير أن يعقد مع العراق إتفاقية لشراء نصف مياه شط العرب و أن يحفر قناة جبارة طولها 200 كيلومترا بحيث قسم منها يخترق شط العرب و يجري الماء إلى الكويت لكي تتحول الصحراء إلى حدائق و جنينات و مزارع و بساتين .
و عندئذ ستصبح الكويت بلادا كالوردة النوارة الزاهرة . وأن مثل هذا المشروع العظيم سيكلف مئات الملايين من الدولارات .
تفضلوا بقبول مني فائق ودي واحترامي
د .عدنان
ألمانيا في 3 مارس 2015