عرض مشاركة واحدة
قديم 06-27-2016   #20


الصورة الرمزية الغريبة
الغريبة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2186
 تاريخ التسجيل :  Apr 2016
 أخر زيارة : 07-12-2022 (05:49 PM)
 المشاركات : 13,322 [ + ]
 التقييم :  6639
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 3,941
تم شكره 1,919 مرة في 1,166 مشاركة
افتراضي





عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ ليلة القدر، فَبِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: "قُولِي: اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي".
وفي سؤال عائشة رضي الله عنها كما في إِجابة النبي صلى الله عليه وسلم لها بهذه الإجابة، عدة وقفات تربوية أوجز أظهرها فيما يلي:

- الوقفة الأولى: حرص عائشة رضي الله عنها على تعلّم ما ينفعها
. تُعدُّ رضي الله عنها من المكثرين في الفتيا والرواية باتفاق العلماء، ومع ذلك حرصت على أَنْ تتعلم من النبي صلّ الله عليه وسلم أفضل ما يقال في ليلة القدر، وفي هذا تعليم لنا أَنَّ العبد مهما بلغ فهو محتاج -بل مضطر- إلى معرفة الأمور التي ينبغي الحرص عليها، والجد في طلبها. وأَخَصُّ هذه الأمور: العلم النافع المزكي للقلوب والأرواح، المثمر لسعادة الدارين.
وقد أثنى الله على هذا الصنف من الناس في قوله: {فَبِشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ} [الزمر: 17- 18]، أي إيثارًا للأفضل واهتمامًا بالأكمل. أراد أن يكونوا نقادًا في الدين، يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل. ويدخل تحته المذاهب واختيار أثبتها على السبك، وأقواها عند السبر، وأبينها دليلًا وأمارة. وأن لا تكون في مذهبك كما قال القائل: ولا تكن مثل عير قيد فانقادا، يقصد بذلك المقلّد. ويدخل تحته أيضًا إيثار الأفضل من كل نوعين عند التعارض

- الوقفة الثانية: الحكمة في تخصيص هذه الليلة بسؤال العفو
سؤال الله عز وجل العفو في كل وقت وحين، أمر مرغوب وردت فيه نصوص كثيرة، حتى إِنَّ العباس بن عبد المطلب سأل رسول الله صلّ الله عليه وسلم أكثر مِنْ مَرَّةٍ أَنْ يرشده إلى شيء يدعو الله به، فأجابه الرسول صلّ الله عليه وسلم في كل مَرَّةٍ بقوله:
"سَلِ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ".

فما الحكمة إِذًا مِنْ تخصيص هذه الليلة بسؤال العفو
أبان الحافظ ابن رجب هذه الحكمة في قوله: وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر -بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر- لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملًا صالحًا ولا حالًا ولا مقالًا، فيرجعون إلى سؤال العفو، كحال المذنب المقصر
وقد صدق رحمه الله؛ وذلك لأَنَّ "العبد يسير إلى الله سبحانه بين مشاهدة منته عليه، ونعمه وحقوقه، وبين رؤية عيب نفسه وعمله وتفريطه وإضاعته، فهو يعلم أَنَّ ربه لو عذبه أشد العذاب لكان قد عدل فيه، وأَنَّ أقضيته كلها عدل فيه، وأَنَّ ما فيه من الخير فمجرد فضله ومنته وصدقته عليه، ولهذا كان في حديث سيد الاستغفار "أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي"، فلا يرى نفسه إلا مقصرًا مذنبًا، ولا يرى ربه إلا محسنًا"

- الوقفة الثالثه: في هذا الدعاء
استشعار لحسن الظن بالله تعالى فيعمر قلب المؤمن بالرجاء،

- الوقفةالرابعة: حاجة العبد وفقره إلى عفو الله
عائشة رضي الله عنها وهي من هي تحرص على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن ماذا تقول في ليلة القدر، فيجيبها النبي الكريم بسؤال الله العفو، فإذا كان هذا شأن الصديقة بنت الصديق فكيف بمن دونها؟ أليس في ذلك دلالة قاطعة على أَنَّ العبد فقير إلى الله من كل وجه وبكل اعتبار؟
فما نجى أحد إلا بعفو الله ولا دخل الجنة إلا برحمة الله"

- الوقفة الخامسة: حظ العبد من اسم الله "الْعَفُوُّ"
حظّ العبد من اسم الله الْعَفُوُّ" لا يخفى، وهو أن يعفو عن كلّ من ظلمه، بل يحسن إليه كما يرى الله تعالى محسنًا في الدّنيا إلى العصاة والكفرة غير معاجل لهم بالعقوبة. بل ربّما يعفو عنهم بأن يتوب عليهم، وإذا تاب عليهم محا سيّئاتهم، إذ التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له. وهذا غاية المحو للجناية
وقد وعد الله العافين بالأجر العظيم والثواب الكبير فقال سبحانه: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]، ويلاحظ في الآية أمران:
الأول: أَنَّ الله قرن الإصلاح بالعفو، وذلك ليدل على أَنَّه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته؛ فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورًا به
الأمر الثاني: أَنَّ الله جعل أجر العافي عليه سبحانه، وفي ذلك حض وتهييج للعبد على العفو، وأن يعامل الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإنَّ الجزاء من جنس العمل

- الوقفة السادسة: يُسْر الإسلام
يحمل قول الله تعالى لنبيه: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8]، بشارة عظيمة، ألا وهي يسر شريعته، فمعنى الآية: "نُسَهِّلُ عليك أفعال الخير وأقواله، وَنُشَرِّعُ لك شَرْعًا سَهْلًا سَمْحًا مُسْتَقِيمًا عَدْلًا، لا اعوجاج فيه ولا حَرَجَ وَلَا عُسْرَ

- الوقفة السابعة: خطورة اتكال العبد على العفو وقعوده عن المسابقة إلى الخيرات
إن عالي الهمة يجتهد في نيل مطلوبه، ويبذل وسعه في الوصول إلى رضى محبوبه، أما خسيس الهمة فاجتهاده في متابعة هواه، ويتكل على مجرد العفو، فيفوته -إن حصل له العفو- منازل السابقين المقربين، قال بعض السلف: هب أن المسيء عفي عنه، أليس قد فاته ثواب المحسنين .

- الخاتمة
إخواني: الْمُعَوَّلُ على القبول لا على الاجتهاد، والاعتبار ببر القلوب لا بعمل الأبدان، وربَّ قائم حظه من قيامه السهر، وكم من قائم محروم، وكم من نائم مرحوم، وهذا نام وقلبه ذاكر، وذاك قام وقلبه فاجر.
إِنَّ المقادير إذا ساعدت *** ألحقت النائم بالقائم
لكن العبد مأمور بالسعي لاكتساب الخيرات والاجتهاد في الأعمال الصالحات، وكلٌّ ميسر لما خلق له، فالمبادرة المبادرة إلى اغتنام العمل فيما بقي، فعسى أن يستدرك به ما فات من ضياع العمر


موقع قصة الاسلام
اشراف د.راغب السرجانى





 
 توقيع :



[media]https://www.youtube.com/v/ewzNjWgnLqw[/media]







رد مع اقتباس