الموضوع
:
أكاذيبى
عرض مشاركة واحدة
#
1
08-31-2017
لوني المفضل
Goldenrod
رقم العضوية :
2008
تاريخ التسجيل :
Dec 2015
فترة الأقامة :
3597 يوم
أخر زيارة :
07-31-2024 (09:51 PM)
الإقامة :
مصر
المشاركات :
3,288 [
+
]
التقييم :
351570990
معدل التقييم :
بيانات اضافيه [
+
]
شكراً: 582
تم شكره 357 مرة في 234 مشاركة
أكاذيبى
[align=center][tabletext="width:80%;background-color:gray;border:5px groove gray;"][cell="filter:;"][align=center]
لا أدري بالفعل كيف بدأت الحكاية معي.. كيف امتدت جذورها وأينعت في روحي?
ولستُ متيقنة أيضاً.. كيف غسلتني الكتابة بفتنتها ومضت بي?
لا أدري هل ألجُ معكم في كذبتي الكبرى، أم أفتحُ مسارب الكلام الطويل بيننا? كنت أسمع الكثير من الأصوات الغريبة، ألتفتُ، أركضُ صوب أمي أخبرها عن تلك الأصوات التي تأكل أماني، فتُهدئ من روعي..
كنتُ أشعر أني سليلة تلك العوالم الخفية التي تأخذني إلى الأماكن المزركشة بالخوف واللذة والضحك والبكاء.. كبرتُ فكبرت العوالم الخفية في روحي وأزهرت فلا وياسمين وأوقاتا مدهشة.
عندما أشاهد أفلام الكرتون في التلفاز أشعر أنّ الشخوص تفرُ من الشاشة الصغيرة، لأجدها تحيط بي من كل صوب، ورغم معرفتي أنها تفر من رأسي أنا, فإني أشعر بالخوف من أن يكتشف أحدٌ ما قدرتي على ذلك، في بعض الأحيان كنتُ أخبر أمي وكانت تغضب مني وتقول لي:
«لماذا الكذب؟. الكذب حرام». ورغم إدراكي لحقيقة الأشياء, فإن الأمور كانت تختلط عليّ، وأقع دائماً في فخ الكذب.. ذلك الكذبُ اللذيذ.
ذات مرة أخبرتُ أمي أنّ مركبة فضائية ستنزل على سطح منزلنا، ومرة أخبرتها عن الأقزام الصغار الذين تشاطروا معي البطانية بنية اللون، وعندما كنتُ أتمشى في مزرعة جدي الكبيرة كانت الساحرة ذات العباءة السوداء تخرج في هيئتها القبيحة، وتخبرني عن أسرار كثيرة لا يحتملها قلبي الصغير آنذاك..
لكنه لم يكن أكثر من كذب أبيض وحكايات صغيرة للدهشة.. كنت أنام تحت السرير لكي لا يزعجني أحد، أشعل أصابعي كما يُشعل أحدهم مصباحاً، وهو يعي تماماً أن ثمة أماكن عمياء ستصبح لها عينان، ربما أيضاً لسان يتسع للحكي، كل إصبع هو شخصية تقص لي أشياء لا أعرفها، هكذا أجدني أعيدُ تسمية الأشياء من حولي. أتحدثُ إلى النباتات وإلى الحيوانات في «زريبة» جيراننا.. وأسميها فأحبها أكثر.. الحياة كانت تكتسب متعتها من الأشياء التي أبتكرها وحدي ولا أحد يصدقني..
عندما كبرتُ قليلاً بدأت أستغل طاقة الكلام في أن أحكي لإخوتي الحكايات، أذكر جيداً أني كنتُ أستثمر طاقتي عند انقطاع الكهرباء حتى يجتمع حولي إخوتي، والخوف يمد ظله الطويل على قلوبهم الصغيرة، فأرشهم بفتنة الكلام. يفتحون فمهم وهم يرقبونني بدهشة وفضول كبير يزيد من قدرتي على الاستمرار في حياكة التفاصيل بشهية مفرطة..
كنتُ أعشق ابتكار الكذب، وأعتقد أنّه الرئة التي تمكنني من التنفس، والتحليق عالياً في تلك السماء التي تخصني وحدي، لكن كان ذلك على حساب الكثير من الأشياء التي أخسرها من دون أن أعي.
كنتُ لا أطيل البقاء مع الفتيات في المدرسة، فقط أكتفي بعزلتي الخاصة لأشبع تلك الحاجة الملحة بالكلام إلى شخوص أخرجها من جعبة الذاكرة.. أفرح معها.. أبكي معها.. أشاطرها قصصا لا أدري إلى الآن كيف يمكن لها أن تروى بذات الخفة والعفوية.
هكذا كنتُ ألوذ بسري نحو وحدة مفرطة، وكتمان حذر. تلك هي متعتي السرية الانفرادية.. لعبتي التي تستيقظ على ذاكرة خصبة، وتفاصيل تنمو بامتداد الوقت وفصول السنة.
كبرتُ وأنا بعد لا أجيد تفسير علاقتي بالثرثرة، والكذب. كل يوم تتكشف طاقتي الخفية في ألعاب تبدو كالسحر، لدرجة أني في بعض الأحيان أقع في فخ الخوف مني، ومن أفكاري وحتى من جسدي الذي بات مدربا على الاستجابة إلى ما تمليه الذاكرة..
عندما بلغتُ سن المراهقة بدأت أكاذيبي تؤلمني كثيراً، بدأت الأشياء تختلط عليّ، لا أعرف الحقيقة من الوهم، أصبحت تلك التسلية المبهجة لا تجر سوى الألم والخوف، فتحتُ عيني فجأة ووجدت نفسي وحيدة من دون أحد.. وكأن كائناتي ضمرت أو أصابها العطب..
لم أكن قادرة على أن أخبر أحداً أني متعبة من كذبي، ومن وحدتي، وأنني مللتُ تحريك تلك الدمى بخيوط خفية في الخيال، لم يمنحني أي أحد أذنه لأخبره الحكاية كاملة، فقط كان هنالك جدي يأتي في المساء ليقرأ عليّ القرآن، ويبصق مراراً في وجهي ليطرد ذلك الكائن الذي يشوشُ أفكاري، وأنا أندفع في البكاء، يقرأ في «النيفيا» التي أدهن بها جسدي بعد الاستحمام، ووجهي قبل الذهاب إلى المدرسة، يقرأ في البخور الذي تبخر به أمي المنزل لتطرد الكائنات الغريبة التي سكنته وهي تتعوذ من الشيطان، وتقرأ بعض الآيات التي حفظتها عن جدي، لكن الجني لم يخرج من جسدي ومن أفكاري، ظل يبني الحواجز الكبيرة بيني وبينهم.
لكن كان ثمة شخص كبير ومتفهم، كان مستعدا لأن يستمع إليّ، أن يفتح فمه بدهشة، من دون أن يفر مني راكضاً ومعلنا صدمته الكبيرة بي، كان صديق والدي.. يعد القهوة ويجلس بهدوء ليكلمني، كنتُ أخبره بكل التفاهات التي يصنعها كذبي، وكان يضحك ويقول لي: «هذا خيااال، هذا ليس كذباً».
كنتُ أخبر والدي دائماً أن يأخذني إليه، لأني أرتاح لكلامه الجميل، كان والدي يشعر أن لذلك الرجل تأثيراً سحرياً عليّ، وأني منذ أن بدأتُ في التحدث إليه بدأتُ التعافي من اكتئابي الحاد، اسمه محسن وكان لا ينتمي لهذه البلاد التي أعيش فيها، تلك التي لا يمكنها أن ترى الأمور إلا من مرآة السحر والحسد.
محسن قال لي: هذا الكذب هو طاقة الكتابة، اكتبي، أنت مشحونة بالحكايات الكثيرة، وبالثرثرة، ستظل الأكاذيب تلاحقك كاللعنة إلى أن تسقط منك على الورق..
هل كان محسن يقول الحقيقة.. هل كانت أكاذيبي مشاريع كتابة؟ لكن لمَ لم أفكر قبلا بأن أكتب أكاذيبي!!
قال لي محسن وهو يبتسم بوجهه المتفتح بالبياض: عندما تخطر بذهنك أي كذبة اكتبيها، وانشريها ودعيني أراها.
كان والدي كلما عاد من الإمارات أحضر لي معه مجلة ماجد، كنت أقرأها بفرح غامر، وكنت أكتب القصص وأرسلها إليهم من دون أن ينشروها، وقتها تأكدت أن محسن كذب عليّ فأنا لست أكثر من طفلة تكذب، وأن مجلات الأطفال لا تعترف بخيالي المحلق.
بقلم هدى حمد الجهورى
من مجلة العربى
[/align]
][/cell][/tabletext][/align]
توقيع :
❤روح مخمليه❤
[img3]http://q87b.info/do.php?img=6324[/img3]
[img3]http://store1.up-00.com/2017-08/150302030675131.png[/img3]
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ ودق السماء على المشاركة المفيدة:
(08-31-2017)
زيارات الملف الشخصي :
672
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل : 0.91 يوميا
MMS ~
ودق السماء
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى ودق السماء
البحث عن كل مشاركات ودق السماء