أضرار الخمر الدينيَّة
ليس كلُّ بلاء الخمر أنَّها تُدْخِل أهلَها نارَ جهنَّم فقط، بل لها أضرارٌ أُخرى؛ فهي تُسْقِط على المرء حُسْنَ تديُّنه،
وتفتح أمامَه مغاليقَ الذُّنوب والآثام، فيصير كالدُّمْية بين يدي الشَّيطان، يتلاعَبُ بِها كيف يشاء.
عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - يقول: ((اجتنبوا أمَّ الخبائث، فإنَّه كان رجلٌ ممن كان
قبلكم يتعبَّد ويعتزل النَّاس، فعلقتْه امرأة، فأرسلت إليه خادمًا، إنَّا ندعوك لشهادة، فدخل، فطفقت كلَّما يدخل بابًا أغلقتْه دونه، حتى إذا أفضى إلى امرأةٍ وضيئةٍ
جالسة، وعندها غلامٌ وباطية فيها خمر، فقالت: إنا لم ندعُك لشهادة، ولكن دعوتك لقتْل هذا الغلام، أو تقع عليَّ، أو تشرب كأسًا من الخمر، فإن أبيْتَ
صِحْتُ بك وفضحْتك، قال: فلمَّا رأى أنَّه لابدَّ له من ذلك قال: اسقنِي كأسًا من الخمْر، فسقتْه كأسًا من الخمْر، فقال: زيديني، فلم تزَل حتَّى وقع
عليْها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر؛ فإنَّه - والله - لا يجتمع إيمان وإدمان الخمر في صدْر رجلٍ أبدًا، وليوشكنَّ أحدُهُما يُخرج صاحبه))؛
رواه المُنذري في "الترغيب والترهيب" 3/251 بإسناده: صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
فتأمَّل - أخي المسلم - كيف أنَّ الخمر قد أثَّرتْ في صاحبِها حتَّى زنى وقتَل!! وكذلك تفعل؛ لأنَّها أمُّ الفواحش.
ومن أضرارِها الدينيَّة أنَّها تعدل الشِّرْك بالله؛ فعنِ ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال: "لمَّا حُرِّمت الخمر، مشى أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعضُهم إلى بعض،
وقالوا: حرِّمت الخمر وجعلتْ عدلاً للشِّرْك"؛ رواه الطبراني، وذكره أحمد شاكر في قتْل مُدمن الخمْر 69 وقال: رجالُه رجال الصحيح.
وعنه أيضًا: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن مات وهو مدمن الخمْر، لقي الله وهو كعابدِ وثن))؛ رواه البزار في "البحر الزَّخَّار" 11/ 289.
ومن أضرار الخمر: أنَّ نور الإيمان يخرج من قلْبِ مُتعاطيها؛ كما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال:
((مَن شرِب الخمْر، خرجَ نور الإيمان من قلبه))؛ الطبراني، ومن حديث أبي هُريرة أيضًا: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ينفي الإيمان عن
شارب الخمر حين شرِبَها، وذلك من حديث أبي هريرة أيضًا قوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا يَزني الزَّاني حين يَزني وهو مؤمن، ولا يشرب
الخمْر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرِق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهْبة، يرفع النَّاس إليْه فيها أبصارَهم، وهو مؤمن))؛ رواه البخاري في "الجامع الصحيح" 6772.
وعنْه أيضًا: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إذا زنى الرَّجُلُ أو شرب الخمر، خَرَجَ مِنهُ الإيمَانُ كانَ علَيْهِ كالظُّلَّة، فإذا انْقَطعَ، رجَعَ إليْهِ الإيمانُ))؛ سنن أبي داوود (4133).
ومن أضرار الخمر الدينية: أنها تَحرم صاحبها من التلذُّذ بِخمر الآخرة، التي لا تصدع الرأس ولا تفري الأكباد، ولا تبدِّد المال.
فعن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّم - قالَ: ((مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ في الدُّنْيَا ثُمَّ لم يَتُبْ مِنها، حُرِمَها في الآخِرَةِ))؛
البخاري (5277)، ومن المعروف أنَّ الجنَّة فيها: {وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ} [مُحمَّد: 15].
ومن الأضرار الدينية: أنَّ مدمن الخمر سيتجرَّع الصَّديد من نهر الغوطة في النَّار؛ فعن أبي موسى - رضي الله عنه –: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
((ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحِم، ومصدِّق بالسحر، ومن مات مدمنَ الخمر، سقاه الله - جلَّ وعلا - من نهر الغوطة، قيل: وما نهر الغوطة؟
قال: نَهر يجري من فروج المومسات (الزانيات)، يؤذي أهلَ النَّار ريحُ فروجِهم))؛ مسند الإمام أحمد 19223.
كثرة استحلال الخمر من أشراط الساعة
لقد شاع خطر الخمر، وعمَّ بلاؤها، وكثُر مريدوها، وانتظمت لها في العالمين أسواقٌ رائجة تدرُّ أخلافًا من المال الكثير، وقامت بِجانب صناعتها وظائفُ أخرى
عالقة بها، أقل ما توصف به أنَّها دنسة وحقيرة، وتكالب العالم الشرقي في الآوِنة الأخيرة إلى سباق مَحموم مع أهْل الغَواية الاجتماعيَّة الغربيِّين
في تعاطي الخمر والتعوُّد عليها، ولم يعودوا يجدون في ذلك حرجًا.
وظهر أثر المبادلات الثقافية والمتعلِّقة بالعادات في هذا العصر بشكل مُذْهِل، وتأثَّرْنا - نَحن المسلمين - بثقافة الخمْر التي دخلت بيوتَنا مع الأفلام الأجنبيَّة
بل والعربيَّة، التي لا يخلو واحدٌ منها في جعْل الخمر حلاًّ للمُشْكِلات، أو بابًا من الهروب منها في وقْت المِحن.
لقد نجح المجرورون بالإضافة إلي الفكر الأجنبي من الكتَّاب والمخرجين وأهل الفنِّ، والذين يُمثِّلون وفاء الكلاب لأسيادهم الأجانب، في نقْل أخبَثِ الصُّور الاجتِماعيَّة المرْذولة
من سخائِم المجتمعات المنحلَّة قِيميًّا، وتُعاني من التفسُّخ الاجتِماعي الذي يشدخ الفواقِر، ومُحاولة الجمع أو المقارنة بين ما عند عبيدِ شهواتهم في البقعة الغربية
وبين ما عندنا، وهي مقارنة أو مشابهة ظالمة وتتَّشح بالغباء الذي لا يُحدُّ.
فَأَيْنَ اللَّيْلُ مِنْ شَمْسٍ وَبَدْرٍ وَأَيْنَ الثُّعْلُبَانُ مِنَ الهِزَبْرِ؟!
حينما تجلس الأسرة المسلمة العربية المعتادة المتوسِّطة علميًّا وخُلُقيًّا ودينيًّا أمام أحد الأفلام، وإذا بالسَّامع والمتابع يشاهد ويَسمع عن أنواع الخمور وأسمائِها، ويرى بعضًا
من فنِّ إدارتِها على الأيدي الملعونة والأفواه المتنجِّسة مع الغانيات والعاريات، ويرى أنَّ المجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة فيها كلُّ هذا البهرج المعربِد والمبالغ فيه
إعلاميًّا وفنِّيًّا – وهو لا يعبِّر أبدًا عن واقع يصوِّر كل الحقيقة، فيا تُرى: ما هو الأثر الذي سيبقى مترسِّبًا في الذَّاكرة؟
لا شكَّ، سيدفع إلى التمرُّد على الواقع والمحاولة بعد ذلك لفكِّ حِصار القيَم، والركض المسعور وراء الشَّهوات، والبحْث عن كلِّ البدائل
المُتاحة المغيّبة للعقل، وقد وقعت الواقعة وتدعْثر كثيرٌ من طلبة الجامعات وزينة شباب المجتمعات، في براثِن المخدّرات والكحوليات بجميع
أنواعها، وكل فرد على قدر طاقته المادِّيَّة، فما الذي جاء بِهم إلى هذا المستنقع؟
أتكون صيحات المنابر في المساجد هي التي هيَّجت فيهم الشوق إلى المسكرات والمخدرات؟! أم أساتذة الجامعات؟
أم المدرِّسون؟ أو ربَّما أقنعهم آباؤهم وأمَّهاتُهم بفوائد المخدِّرات والخمور.
إنَّه الإعْلام بتجلِّياتِه البخْسة حينما يتولَّى أمرَه من جِلْدتنا من لا يتقي الله تعالى، والشر يجلب غيره، كما أنَّ الحسنة تنادي على أختها والسيئة كذلك،
فما ظنُّك بظهور الزنا واستشرائه؟ إنَّه ثمرة لغياب العقل، وما ظنُّك برفْع العلم؟ غياب أيضًا للعقل، وكذلك تفشِّي الجهل،
والصورة الكبرى لغيبوبة العقْل هي احتِساء الخمر، وإدمان المسكرات والمخدرات.
ومع غياب العقل يبدأ توارُد النِّقم؛ لأنَّ الإنسان قد فرَّط في أغلى ما وهبَه ربُّه، وتبدأ الدنيا في طلب الترحُّل بعد أن أفرطَ أهلُها في اتِّباع شهواتِهم وارتِكاس
عقولهم، فلا جَرَمَ أن تكون الخمر مدمِّرة المال والعقل والصِّحَّة والمجتمع، وهادمة الدين في قلب مَن يُعاقِرُها، بل وهي بهذه الصورة العالمية
المخزية دليلٌ سافر على انتِهاء الدُّنيا واقتِراب السَّاعة، وذلك ما صرَّحت به الأحاديثُ الشَّريفة؛ فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((مِنْ أشْراطِ السَّاعةِ أنْ يُرْفَعَ
العِلْمُ، ويَثْبُتَ الجَهْلُ، ويُشْرَبَ الخَمْرُ، ويَظْهَرَ الزِّنَا))؛ صحيح مسلم (4953).
وهذه المساخط مع غيرها مَعْلم واضح على السقوط من عين الله تعالى، ومن ثَمَّ؛ يعمُّ الأمة عقابٌ
جَماعي يشكِّل مجموعةً من ضنْك الحياة الذي يُحوِّلها إلى جحيمٍ لا يطاق.