عرض مشاركة واحدة
قديم 06-09-2011   #2


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



كل مسكرٍ حرام

أخي المسلم:

إنَّ ممَّا شاع خطرُه في الموادِّ المغيِّبة للعقْل ما هو أخطرُ وأطمُّ من الخمْر، من موادَّ تُحدِث الإسْكار بنِسب مُختلفة، وها هو رسولُ الله - صلى الله عليه
وسلم - يضع القاعدة الجامعة المانعة: ((كلُّ مُسكرٍ خَمر، وكلُّ مُسكرٍ حرام))؛ صحيح مسلم، (3848).

فكلُّ ما خامرَ العقل وأحدَثَ السُّكر - ولو بدرجةٍ قليلةٍ - فهو مثل الخمْر في حكمِها.

فسواءٌ كان هذا المسكر مشروبًا؛ مثل أنواع الخمور المشهورة والبيرة، أم جامدًا؛ كالحشيش والأفيون، الذي استخفَّ كثيرٌ من المسلمين بهما؛

ظنًّا أنَّهما ليسا من المحرَّمات، ينقل شيخُنا سيد سابق - رحِمه الله - في "فقه السنَّة" عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – ما يلي:
"إنَّ الحشيشة حرام، يُحدُّ متناولها كما يحدُّ شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنَّها تفسد العقل والمزاج، حتَّى يصير الرَّجُل في تخنُّث ودياثة،
وغير ذلك من الفساد، وأنَّها تصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وهي داخلةٌ فيما حرَّمه الله ورسولُه من الخمر والمسكر لفظًا ومعنى".

ويدخل في الحكم أيضًا المخدرات بِجميع أنواعها: المشمومة والمحقونة والمحترِقة مثل الهيروين والكوكايين.



لا عبرة بالقليل والكثير

قد يستخفُّ أحدُ النَّاس بالأمر ويقول: أنا لا أثقل على نفسي، إنَّما هو كأس واحد من الخمر، أو شمَّة واحدة من الهيروين، وذلك قليل لا يؤذيني ولا يُسكرني.

إنَّ هذا الكلام مثل من يقول: قطعة واحدة من لحْم الخنزير غير محرَّمة، وقُبلة واحدة من امرأةٍ غير محرَّمة؛ لأنَّها بسيطة وهيِّنة، ولكن الشرع يقف

حائلاً دون إدراك أي نصيبٍ من هذه المهلِكات؛ فعن أمِّ المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -:
((كلُّ مسكر حرام، وما أسكر الفرق منه - مكيال يسع ستَّة عشر رطلاً - فملءُ الكفِّ منه حرام))؛ سنن أبي داود، (3256).

وعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما أسكر كثيرُه، فقليله حرام))؛ سنن التِّرمذي، (1869).


مجالس المجاملات

ومن المخاطر التي يتعرَّض لها المسلم في هذا الشَّأن، أنَّ الخمر تدور كؤوسها في باحات الاحتِفالات؛ كافتتاح الشركات وأعياد الميلاد والزواج وأمثال هذه المناسبات،
ومن الطبيعي أن الخمر تُعْرَض عليه كما تُعْرض على غيره من الحاضرين، على سبيل المجاملة أو النخب أو المشاركة بالأمنيات الطيبة عند بداية كلِّ عام جديد،
كما يفعل غير المسلمين، فيقول بعض المسلمين: كأس واحد لا بأْس به حتَّى لا يبدو سلوكي غريبًا على الحاضرين، وهُنا تَحدُث الطَّامَّة ويقع المسلم في المحظور
الديني؛ من أجْل إرضاء النَّاس بسخط الله تعالى، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالله - تعالى - ينهى عن الخمْر، والأمْرُ واجبُ النَّفاذ، أليْس هناك
من يقدِّسون كلام الأطبَّاء وأوامرَهم إذا حذَّروهم من احتساء الخمر؟! فأوامر الله - تعالى - أوْلى بالتقديس والاهتِمام.


تحريم الاتّجار بالخمور

وكما حرَّم الإسلام على المسلم تجرُّع الخمر وتعاطي المخدرات، فإنَّه حرَّم أيضًا مجرَّد الاقتراب منها بأي وسيلة، فلا يكفي أن يمتنع المسلم عن تعاطيها، بل عليه
اجتِنابها والبعد عن مجرَّد الجلوس في مَجالسِها؛ فقد ورد عن ابْنِ عبَّاس - رضي الله عنهُما -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن كان يُؤمن
بالله واليوم الآخَر فلا يشربِ الخمر، من كان يُؤمن بالله واليوم الآخَر فلا يَجلِس على مائدة يُشرب عليها الخمْر))؛ المعجم الكبير للطبراني، (11302).

وأنكى من هذا كله الاتِّجار في الخمور وأكْل ثمنها؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - في الخمر عشَرة:

عاصرَها ومعتصِرها، وشارِبَها وحامِلها، والمحمولة إليْه وساقيها، وبائعها وآكل ثمنها، والمشترِي لها والمشترَى له"؛ سنن الترمذي، (1279).

ولا نرى أصعبَ ولا أقْسى من اللَّعْن وصفًا لكلِّ هؤلاء، لقد كان بعضُ النَّاس يظنُّ أنَّ الحرمة في الخمر

تنصبُّ على شاربها فقط، فإذا بِهذا الحديث يجمع كلَّ مَن له صلة بِها من قريب أو بعيد.

لهذا؛ على المسلم أن ينأى بنفسه عن أم الخبائث، ويبعد نفسه عن طريقها بكل وسيلة ممكنة.



الإسلام يلقِّن البشرية درسًا في تحريم الخمر

لم يأتِ تحريم الخمر دفعة واحدة، بل انتهج الإسلام الحكيم منهج التدرُّج في تحريم الخمر؛ وذلك لولع الناس بِها،
حتى وصل بهم إلى أن أراقوها في الطرقات، وتواصوا فيما بينهم على اجتنابها مدى الحياة.

على حين أنَّ أكثر الأمم حضارة وتقدُّمًا قد فشلت بعد محاولات مضنية في تحريم الخمر، بل زادت معدلات الإدمان أكثر وأكثر، حتَّى صار الكأس

وخمرتُه وسحابات الدُّخان المتصاعد دلالات البهجة وعلامة التحضُّر! وهكذا غدتِ الصورة في معظَم القنوات المرئيَّة
وصفحات الجرائد والمجلات عبر مُختلف وسائل الإعلام وعلى اختِلاف العقائد.

لقد فشلت جميع الجهود والتَّخطيطات، ولم تنجح في الحد من هذا السباق المحموم صوب احتِساء الخمر وتعاطي المخدرات.

ولم يَحفظ التاريخ العام أنَّ أمَّة استطاعت أن تَمتنِع عن الخمر نهائيًّا إلا أمَّة الإسلام، وذلك في زمان النبي العظيم - صلى الله عليه وسلم - فإذا هبت رياح الإيمان وافتْنا بالعجائب.

لقد قدَّم الإسلام التجربة العمليَّة والمقنعة للتخلُّص من هذا الوباء، واستِخْدام وسيلة الإقناع العقلي مع ربطه بالعقيدة المركوزة في القُلوب

مع التدرُّج في التحريم؛ لأنَّ الزمن جزء من العلاج لمن يريد حقًّا الإقلاع عن الخمور والمخدرات.

فكانت أوَّل الآيات نزولاً في تحريم الخمر هي قولُه تعالى: {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} [النَّحل: 67]، والثَّانية قوله تعالى:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، فقال قوم: نشربُها لما فيها من المنافع، وامتنع
بعض النَّاس عنها، حتى قام أحد المسلمين يصلِّي فخلط في صلاته وأخطأ، وقد اشمأزت نفوس كثيرة من الخمر إثْر هذا الموقف، خصوصًا بعدما أنزل
الله - عزَّ وجلَّ - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] ثم كاد شرر الخصومة أن
يتفاقم بين المسلمين بسبب احتسائهم الخمر، وهنا دعا عمر بن الخطاب ربه قائلاً: "اللهُمَّ بيِّن في الخمر بيانًا شافيًا"، فنزل الحكم النهائي في المرحلة
الرابعة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ
أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَة وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90 – 91]، وعندئذٍ قالوا: انتهيْنا ربَّنا.

فقد اتبع الإسلام العظيم سياسة التدرُّج في التحريم وذلك لولع القوم بها، وهناك أسباب أخرى ساعدت في هذا التجافي والبغض للخمر، من أعظمها العقيدة

التي يحتويها الإنسان في قلبه، وطهارة المجتمع الإسلامي الأول من التجاهر بالمعاصي، والحرص على طاعة الرحمن ومخالفة الشيطان.

نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يَحفظنا والمسلمين من هذا البلاء، والحمد لله في بدْءٍ وفي ختم.


المصدر









 
 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون



رد مع اقتباس