هنا قال أحمد - وكأنَّه عصفور يضرب بجناحيه فرحًا -: لا أكتُمُكَ قولاً: وأنت تُحدِّثني عن ربِّي كانت نبضات قلبي
تزداد رويدًا رويدًا، ومشاعري تنطق: أحبه نعم، نعم أحب ربي، ليس لي سواه، فأجبته وقد انتقل إليَّ فيضٌ من
أحاسيسه -: وكيف لا تُحبه يا أحمد، وكلُّ جميل في الوجود هو قد جمَّله لك، وكل حسن في الحياة هو قد حسنه
من أجلك، كيفَ لا تُحبه وهو طيب سبحانه، جميل، حليم، رؤوف، رفيق، عفو، غفور سبحانه؟!
"عفوه يستغرق الذُّنوب، فكيف رضوانه ورضوانه يستغرق الآمال؟! فكيف حبه وحبه يدهش العقول؟! فكيف وُدُّه
ووده ينسي ما دونه؟! فكيف لطفه؟!" ، يبشر مَن آمن وعمل صالِحًا بوُدِّه؛ فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: 96]، يضحك سبحانه من قنوت عباده وقرب خيره عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله : "((ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب خيره))، وقال أبو رزين: لن نعدم من رب يضحك خيرًا" .
قال أحمد: ربِّ ما أحلمك! رب ما أحكمك! ربِّ ما أرأفك! رب ما أجملك! والله لا أدري أين كنت من هذه الأسماء
الحسنى والصِّفات العُلى، حقيقة أشعر أنَّني كنت في ظلام، وأنا الآن ألمح النُّور كضوءِ الفجر ساعة ينشق، ألمح
هذا النُّور ينصب عليَّ، قلت: صدقت يا أحمد، فالله يقول: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا
مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ
زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور: 35].
أتدرى يا أحمد؟ "في قوله - تعالى -: ﴿مثل نوره﴾؛ يعني: نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين" ، وكلما ازداد
القُرب من القرآن مع زيادة مَنسوب الإيمان يَزداد هذا النور في القلب، حتى إذا امتلأ القلبُ بالنُّور،
فاضَ على مَن حوله حتى ينيرَ الدنيا بأسرها، فقال أحمد مندهشًا: ما شاء الله، والله إنَّ الدين جميلٌ،
ولكن للأسف لقد فاتني كل هذا الخير فيما مضى من عمري للأسف.
أجبته: عَلَى رِسْلِكَ؛ أيُّ عمرٍ قد مضى؟ لقد بدأت حياتك الآن، استقبل عمرَك الجديد يا أخي، ودع عنك هذه
الأوهام، فالعبرة ليست بمن سَبَقَ، ولكن العبرة بمن صدق، بادرني قائلاً: ولكن... قاطعته: من غير ولكن...
استقبل عمرَك، أنت الآن استيقظت من سُباتِك، فما الذي تفعله في مرحلة (اليقظة) ؟
أشار إلِيَّ مستفهمًا؟ قلت: قل: الحمد الله الذي أحيانًا بعد ما أماتنا وإليه النُّشور، ثم ابدأ في العملِ،
ولا تلتفت إلى ما كان، فالأيَّام ثلاثة: يوم مضى بما فيه ولن يعود
يتبع