الموضوع: عربة اللقطاء
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-18-2011   #2


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



فلما طاف بي النوم طاف كلُّ ذلك بي، فرأيتُني في موضعي ذاك، وأبصرتُ العربةَ قد وقفتْ، وتحاوَرَ الأدهم والكميت؛
فلما أفرغوها وشعر الجوادان بخفَّتها التفتا معاً، ثم جمعا رأسيهما يتحدَّثان!

قال الكميت: كنت قبل هذا أجرُّ عربة الكلاب التي يقتلها الشّرْطَةُ بالسُّم، فآخذ الموتَ لهذه الكلاب المسكينة، ثم أرجع
بها موتى؛ وكنت أذهبُ وأجيء في كل مراد ومُضطرب من شوارع المدينة وأزقتها وسككها، ولا أشعر بغير الثقل
الذي أجره؛ فلما ابتليت بعربة هؤلاء الصغار الذين يسمونهم اللقطاء، أحسست ثقلاً آخر وقع في نفسي وما أدري
ما هو؟ ولكن يخيل إليَّ أن ظل كل طفل منهم يثقل وحده عربة.

قال الأدهم: وأنا فقد كنتُ أجرُّ عربةَ القمامةِ والأقذار، وما كان أقذَرَها وأنتَنها، ولكنها على نفسي كانت أطهرَ من
هؤلاء وأنظف؛ كنت أجِدُ ريحها الخبيثةَ ما دمت أجرُّها؛ فإذا أنا تركتُ العربة استَرْوَحْتُ النَّسيم واستطعَمْت الجوّ،
أما الآن فالريحُ الخبيثةُ في الزمن نفسِه، كأن هذا الزمن قد أرْوَحَ وأنتنَ منذ قُرِنْتُ بهؤلاء وعرَبتهم.

قال الكُميت: إن ابن الحيوان يستقبل الوجود بأمه؛ إذ يكون وراءها كالقطعة المتممة لها، ولا تقبل أمه إلا هذا ولا
يصرفها عنه صارف، فترغم الوجود على أن يتقبل ابنها، وعلى أن يعطيه قوانينه؛ أما هؤلاء الأطفال فقد
طردهم الوجود منه كما طرد الله آباءهم وأمهاتهم من رحمته؛ وقد هديت الآن إلى أن هذا هو سرُّ ما
نشعر به؛ فلسنا نجرُّ للناس، ولكن للشياطين.
وهنا وقف على حُوذيّ العربة صديقٌ من أصدقائه فقال: من هؤلاء يا أبا علي؟
قال الحوذي: هؤلاء … هؤلاء يا أبا هاشم.
قال أبو هاشم: سبحان الله! أما تترك طبعك في النكتة يا شيخ؟ قال الحوذي: وهل أعرفهم أنا؟

هم بضاعة العربة والسلام: اركبوا يا أولاد، انزلوا يا أولاد، هذا كلُّ ما أسمع.
قال أبو هاشم: ولكن ما بالك ساخطاً عليهم، كأنهم أولادُ أعدائك؟
قال الحوذي: ليت شعري من يدري أيُّ رجلٍ سيخرج من هذا الطفل، وأيَّةُ امرأةٍ ستكون من هذه الطفلة؟
نظر كيف تعلقت هذه البنت وعمرها سنتان، في عنق هذا الولد الذي كان من سنتين ابن سنتين. .
لا أراني أحملُ في عربتي أطفالاً كالأطفال الذين تحملهم العربات إلى أبواب دورهم؛ فإن هؤلاء اللقطاء يُحملون
إلى باب الملجأ، وهو بابٌ للحارات والسكك لا يأخذُ إلا منها؛ فلا يُرسل إلا إليها.
وأنا والله يا أبا هاشم، ضيِّقُ الصدر، كاسف البال من هذه المهنة؛ ويخيل إليَّ أني لا أحملُ في عربتي إلا الجنونَ،
والفجورَ، والسرقةَ، والقتلَ، والدعارةَ، والسكْرَ، وعواصفَ، وزوابعَ.
قال أبو هاشم: ولكنَّ هؤلاء الأطفال مساكين، ولا ذنبَ لهم.
قال الحوذي: نعم لا ذنب لهم، غير أنهم هم في أنفسهم ذنوب؛ إنَّ كلّ واحد من هؤلاء إنْ هو إلا جريمة تُثبِتُ امتدادَ الإثم والشر
في الدنيا؛ ولدتْهم أمهاتُهم لِغَيَّة فقطع صاحبُه عليه وقال: وهل وَلَدْنَهُمْ إلا كما تلد سائرُ الأمهات أولادَهن؟
قال: نعم، إنه عملٌ واحد، غير أن أحوالَه في الجهتين مختلفة لا تتكافأ؛ وهل تستوي
حالُ من يشتري المتاع، ومن يسرقُ المتاع؟









 
 توقيع :
قال تعالى {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28

دائما النية الطيبة لاتجلب معها إلا المفاجآت الجميلة
لاتغيروا أساليبكم فقط غيروا نياتكم فعلى نياتكم ترزقون



رد مع اقتباس