~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~

عدد مرات النقر : 1,562
عدد  مرات الظهور : 50,609,265


عدد مرات النقر : 1,562
عدد  مرات الظهور : 50,609,265

العودة   منتديات وهج الذكرى > وهج الادب المنقول مما راق لي > ❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧
❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧ لكل ما يروق لنا من قصص او خاطرة
التعليمـــات روابط مفيدة
إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 12-22-2024
اسير الذكريات غير متواجد حالياً
Egypt     Male
اوسمتي
وسام عضو مشارك وسام عضو مشارك شاعر المنتدى نجم الاسبوع 
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 3852
 تاريخ التسجيل : Sep 2021
 فترة الأقامة : 1408 يوم
 أخر زيارة : منذ 3 أسابيع (12:08 AM)
 الإقامة : الجيزة
 المشاركات : 84,065 [ + ]
 التقييم : 24607
 معدل التقييم : اسير الذكريات has a reputation beyond reputeاسير الذكريات has a reputation beyond reputeاسير الذكريات has a reputation beyond reputeاسير الذكريات has a reputation beyond reputeاسير الذكريات has a reputation beyond reputeاسير الذكريات has a reputation beyond reputeاسير الذكريات has a reputation beyond reputeاسير الذكريات has a reputation beyond reputeاسير الذكريات has a reputation beyond reputeاسير الذكريات has a reputation beyond reputeاسير الذكريات has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 745
تم شكره 1,546 مرة في 1,032 مشاركة

اوسمتي

افتراضي اللوحة 26



..





من خلف مرسمي، ومن خلال النافذة المطلّة على المبنى المقابل الجديد، رأيتُ عمّالَ البناء يرفعون دعاماتِ الطابق الثالث الموازي لغرفتي. خمسة شبّان ــــ غير الذين يعملون على الرصيف أسفلَ المبنى ــــ و"معلِّمُهم": رجلٌ أشيب، قصيرُ القامة، دائمُ العبوس. اعتدتُ رؤيتَهم على مدى أسابيع، حتّى إنّني حفظتُ أسماءهم، وكوّنتُ فكرةً بسيطةً عن كلٍّ منهم من خلال أحاديثهم التي تصلني متقطّعةً. وها هم اليوم يحاذون غرفتي وأكاد أسمعُ صوتَ أنفاسهم:
*مصطفى: فلسطينيّ. طويل القامة، بارزُ العضلات. يغنّي أثناء العمل، ويدخِّن بشراهة. متزوّج، ويحلم أن يُرزَق بصبيّ ليطلق عليه اسم "عمّار،" ليصبح هو "أبو عمّار." هذا ما قاله لرفاقه اليوم.
*جواد: طالب جامعيّ. اضطرّته ظروفُ الحياة الصعبة إلى ممارسة هذا العمل. نادرًا ما يتكلّم. لم أره مرّةً يستريح، للتدخين وشرب القهوة أو الشاي.
*كمال: عصبيّ المزاج. يأتي متأخّرًا كلّ يوم تقريبًا. يُكثر الكلامَ عبر الجوّال مع خطيبته، ويُسمَع حديثُه المليء بالشتائم من على بُعد عشرات الأمتار:
ــــ ما معي مصاري. عم إشتغل متل الحمار.
ــــ .....................
ــــ قوليلهم مات... انتحر... فطس.
ــــ .....................
ــــ ربّك ع ربّ أهلِك.
ــــ ......................
ــــ مااااااني معصّب.
ــــ ......................
ــــ لاااا بحبِّك... بتعرفي إنّي بحبِّك. ليش أكل الخرا بقى؟
*خالد: مربوعُ القامة. يتمتّع بسمرةٍ يَحسده عليها أبطالُ كمال الأجسام. مختّصٌ بالنكات البذيئة. وهو الوحيد الذي يستطيع إخراج "المعلّم" من عبوسه، فتراه يقهقه حتّى يكاد يختنق كلّما سمع إحدى نكاته.
*نور: شقيق مصطفى الصغير. لا يتجاوز خمسة عشر عامًا. يتيم الأب. لا يذهب إلى المدرسة، بل يعمل كي يساعد أخاه وأمَّه في مصروف البيت. انتبهَ إلى وجودي مؤخّرًا، فصار كلّما التقتْ نظراتُنا يبتسم؛ فأردّ بابتسامةٍ خفيفة، ويتابع كلٌّ منّا عمله.
***
أجلس قبالة نافذة غرفتي كأنّها شاشةُ تلفازٍ أشاهد من خلالها مسلسلًا متعدّدَ الحلقات، مسلسلًا شخوصُه من لحمٍ ودم، أستطيع ــــ لو أردتُ ــــ مخاطبتَهم أو نقاشَهم، لكنّهم مشغولون بعملهم، وأنا خلف مرسمي لا أقوم بما يلفت الانتباه.
كنتُ أعمل على رسم لوحةٍ جديدةٍ من أجل معرضي القادم، شتاءَ هذا العام، وهي اللوحة الأخيرة من أصل 25 أخرى أنجزتُها خلال العاميْن الماضييْن. اعتمدتُ أسلوب "المدرسة الانطباعيّة"(1) التي جذبتني مُذْ وقعتْ بين يديّ ــــ وأنا طفلٌ في المرحلة الابتدائيّة ــــ مجلّةٌ تهتمّ بالفن التشكيليّ، ووجدتُ فيها مقالًا عن كلود مونيه.(2) لم أقرأ المقال، لكنّ الألوانَ واسمَ الفنّان بقيتْ في ذاكرتي. وكان ذلك هو السببَ الرئيس لدخولي كلّيّة الفنون الجميلة فيما بعد.
شيئًا فشيئًا بدأتْ تتبلور ملامحُ مشروعي الفنّيّ، الذي كان أداتي للتعبير عن انحيازي إلى البسطاء، ووسيلةً لتسليط الضوء على مَواطنِ الجمال في عالمهم الذي أنا جزءٌ منه. فكان مشروعُ تخرّجي مجموعةً من اللوحات تُصوِّر أحذيةَ الفقراء في حالات مختلفة. وقد اعتمدتُ "المدرسة الانطباعيّة" من أجل نقل هذه المشاهد وتثبيتِها على القماش، مع إضافة لمسةٍ رومانسيّةٍ من خلال اعتنائي بدرجات اللون والظلال وبعض التفاصيل الجانبيّة. والحقيقة أنّ لوحةً للفنان الهولنديّ الشهير فان كوخ هي التي أوحت إليّ بالفكرة. لكنْ لم يشفع لي ذلك، وتعرّضتُ لكثيرٍ من الانتقادات، فشَبّه بعض أساتذتي عملي كمن يخلط الزيتَ بالماء، والنتيجة معروفة سلفًا: "المدرسة الانطباعيّة لها موضوعاتُها، والأحذية ليست إحدى هذه الموضوعات." خجلتُ من الإشارة إلى لوحة فان كوخ وتقبّلتُ الانتقاد. لكنّ الغريبَ أنّ علامتي كانت جيّدة على الرغم من كلّ شيء!
***
قبل شهر، عندما انتهيتُ من شدّ قماش لوحتي هذه، لم يكن في ذهني موضوعٌ محدّدٌ. كانت لوحاتي الأخرى جاهزةً للعرض، وشعرتُ أنّني في حاجةٍ إلى روحٍ جديدة. بقيتُ فترة طويلة جالسًا أمام قماشها الأبيض، أبحث عن شيءٍ لا أعرف ما هو بالضبط. إلى أن سمعتُ يومًا صراخًا آتيًا من الخارج. ذهبتُ إلى النافذة، فوجدتُ عمّال الورشة ــــ وكانوا في الطابق الثاني ــــ متجمّعين حول "نور" الصغير وهو يتلوّى على الأرض، ممسكًا قدمَه النازفة بيديْه. قَدّرتُ أنّ مسمارًا، من تلك المسامير التي تُنسى في قطع الخشب المهمَلة، اخترق أسفلَ قدمه. وكان الأمرُ كذلك بالفعل. وكان نور تحت أشعّة الشمس الحارقة، بجسده النحيل وشعره الأشعث، يُذكّرني بنفسي وأنا في مثل عمره.
كنتُ أراقبه بقلبٍ منقبض، حين رأيتُ "المعلّم" ينحني فوقه بتثاقل، ثمّ بهدوءٍ شديدٍ ينزع المسمارَ ويبدأ بضربه على رجله المصابة بقطعة الخشب ذاتها. بدأتُ أصرخ: "ليش هيك؟ حرام عليك؟" لكنّ المعلّم استمّر بالضرب قبل أن يلتفت نحوي قائلًا: "إذا بدّك تعرف تفضّلْ حتّى إشرحلك."
***
حين وصلتُ وجدتُ نور ملقًى على الأرض: رجله مضمّدة بخرقةٍ وسخة، والدموع في عينيْه. كان الجميع حوله، ومعهم المعلّم الذي سألني على الفور: "عندك سيّارة؟" وما إنْ أومأتُ برأسي إيجابًا حتّى رفع نور إلى حضنه قائلًا: "دعنا ننقله إلى المشفى."
في الطريق عرفتُ أنّ الضرب بهذه الطريقة إجراءٌ متّبع بين عمّال البناء؛ فهو يساعد الجرحَ على النزيف، فيُخرجُ الدمَ الملوّثَ، ويَحمي الجريحَ من الإصابة بالكزاز،(3) قبل نقله إلى المشفى.
هكذا بدأتْ تتشكّل معالمُ لوحتي الأخيرة بعيْد عودتي من المشفى. وكنتُ أضيف كلّ يوم تفصيلًا صغيرًا، تفرضه الظروفُ والأحداث. حتّى الألوان كانت تتغيّر بين يومٍ وآخر. وكان نور، برجله النازفة، يتوسّط اللوحةَ، جالسًا على الأرض، وحوله بقيّةُ العمّال:
كمال، إلى جانب المعلّم، يشير منفعلًا اإلى نور. وفي الجهة المقابلة، تموضَعَ جواد، بنظّارته الطبّيّة وسرواله الجينز الواسع وقميصه الخاكيّ. وعلى بعد خطوةٍ منه، إلى الخلف، يُطلّ مصطفى برأسه، فاتحًا عينيْه على أقصاهما، فاغرًا فمَه، ممسكًا بجواد من كتفه، محاولًا الوصولَ إلى نور. أخيرًا يظهر خالد، إلى يسار المشهد، حاملًا على كتفه دعامةً خشبيّةً طويلة. وفي الخلفيّة تظهر الأبنية، بارتفاعاتها المختلفة، غارقةً في ضبابٍ ورديّ؛ ما جعل ألوانَها باهتةً، وحدودَها متداخلة، فبدتْ كجدارٍ أصمّ يحيط بالمشهد. كانت مساحة اللون الأحمر تتمدّد من المركز إلى الأطراف، وكانت صرخةُ نور تعلو كلّ يوم أكثر فأكثر.
***
تذكّرتُ، وأنا مستغرقٌ في الرسم، مشروعَ تخرّجي قبل ثلاثين عامًا. تذكّرتُ حين انتقدني أحدُ أساتذتي قائلًا: "أنت لا ترسم الواقع كما تدّعي، بل الواقع هو الذي يرسمك."
لم أفهم حينها المقصود، لكنّني تابعتُ عملي بالأسلوب ذاته، وغرقتُ أكثر في تفاصيل حياة الناس: من سوق الخضار، إلى الساحات العامّة والمقاهي والطرق الضيّقة، فإلى شاطئ البحر والصيّادين وشِباكهم وقواربهم الصغيرة الملوّنة.
مضت الأيّامُ وأنا غارقٌ بين أدوات الرسم والألوان وأصواتِ جيراني العمّال. وبدأتْ تظهر اللوحةُ بشكلها النهائيّ: تَمورُ بالحركة، وتغصُّ بالأحمر. كنتُ في بعض الأحيان أقضي ساعةً كاملةً لا أفعل شيئًا سوى التدخين والشرود في اللوحة. وكلّما شعرتُ أنّ العمل اكتمل سمعتُ صوتًا من داخلي يصرخ: "تريّثْ... تريّثْ."
في هذه الأثناء كان يزورني بعضُ الأصدقاء، ويشاهدون العملَ وتطوّراتِه، فيدور النقاش، وتُطرح العديد من الأسئلة: لماذا وضعتَ كلَّ هذا اللون الأحمر؟ لماذا رسمتَ شخوصكَ بأسلوبٍ مغرقٍ في الواقعيّة، بينما المحيط بأسلوبٍ آخر؟ لماذا الخلفيّة ضبابيّة بهذا الشكل؟ لماذا تخلّيتَ عن أسلوبكَ؟ أهناك إيحاءٌ سياسيٌّ خلف اللون الأحمر؟...
أمّا السؤال الذي استوقفني فكان من توليب، تلميذتي الصغيرة الموهوبة التي زارتني صبيحةَ أحد الأيّام ومعها كيسٌ كبيرٌ مليء بالطيّبات. وما إنْ وقعتْ عيناها على اللوحة حتّى قالت بعفويّة: "عملٌ ذكوريّ بامتياز!"
صدمني رأيُها، وطلبتُ منها توضيحًا. لكنّها خجلت واعتذرتْ، ظنًّا منها أنّني استأتُ من تعليقها. ثم هربتْ إلى المطبخ مع كيسها لتُعدّ وجبة الإفطار. صرتُ أكرّر جملتها في ذهني، ماسحًا اللوحةَ بنظراتي المتفحّصة. ولم أجد صعوبةً في معرفة أسباب هذا الرأي: فالشخوص كلُّهم من الذكور، بالإضافة إلى العنف الظاهر في تقاسيم وجوههم، وحركاتِهم المتوتّرة، والأدواتِ الصلبة المحيطة بهم، ولونِ الدم الذي امتدّ من قدم نور إلى جنبات المشهد.
عادت توليب بالفطور والشاي، فجلسنا نأكل بهدوء، بعد أن اختارتْ من قائمة الموسيقى المحفوظة على حاسبي المحمول مقطوعةً موسيقيّةً لبيتهوفن، عنوانُها "من أجل إليزا."
كانت الموسيقى تنساب في منتهى الرقّة والعذوبة، وتوليب الجميلة تأكل بشهيّة، إلى أن قالت فجأةً: "لا يبدأ يومي إلّا بعد تناول وجبة الإفطار." وأضحكتني حين تابعتْ: "لا أحبُّ اللحوم ولا الباذنجان!" قاطعتُ إعلانها الغريب هذا وسألتُها: "ما مناسبة هذا الحديث؟" ردّت: "لا مناسبة. إنّها معلومة فقط." وكانت تريد الاسترسال، لكنّني قاطعتها من جديد: "ما دمنا نتحدّث عن المعلومات، هل تعرفين لمن هذه المقطوعة الموسيقيّة؟" "قرأتُ ذلك قبل لحظات وأنا أبحث في قائمة الموسيقى لديك. إنّها لبيتهوفن،" قالت. "وهل تعرفين اسمها؟" "لا، ما اسمها؟" سألتْ كما يسأل الأطفال. فوجدتُها فرصةً مناسبةً للعودة إلى دور الأستاذ وبدأتُ أقصّ عليها ما أعرفه:
ــــ هذه المعزوفة نُشرتْ لأوّل مرّة بعد أربعين سنة من وفاة بيتهوفين. وليس مؤكّدًا من هي إليزا، والمرجّح أنّ اسم المعزوفة الحقيقيّ هو"من أجل تيريزا،" وسبب ذلك الخطأ يعود إلى سوء خطّ بيتهوفن. فقد كانت هناك فتاةٌ في حياته تدعى تيريزا مالفاتي، وهي طالبة تدرس لديه وصديقة مقرّبة منه.
كانت عينا توليب اللامعتان تنظران إليّ بمودّة، مع أثر ابتسامة على شفتيها. ابتسمتُ بدوري قائلًا: "هذه المعلومة ثمنُها أن تصبّي لي كأسًا أخرى من الشاي." فقالت وهي تبحث عن الإبريق تحت الطاولة: "أنا أيضًا طالِبتُك وصديقتُك المقرّبة. فهل سترسم لوحةً وتسمّيها باسمي؟" قلت: "من يعلم؟ ربّما أفعل!" ثم أضفتُ مشيرًا إلى اللوحة: "معكِ حقّ. إنّها ذكوريّة." وذكرتُ لها الأسباب، فوافقتني قائلة: "بالإضافة إلى ما ذكرتَ، هناك أيضًا حجمُها." وافقتُها بعد قليل من التفكير؛ فالأحجام الكبيرة قد توحي بالذكورة، وحجم اللوحة كان 2×2 م. وسألتها إنْ كان هناك شيءٌ آخر. فأجابتني، وهي تحشو فمها بلقمةٍ كبيرةٍ من اللّبنة وتُلحقها برشفةٍ من فنجانها الشاي: "هناك الشكل." وعندما لم أُعلّق، مكتفيًا بالتمعّن في وجهها الجميل وحركاتها الطفوليّة، أضافت: "أنظرْ إليها! إنّها مربّعة الشكل. والمربّع يوحي بالذكورة."
ابتسمتُ للملاحظة، فتوقّفتْ عن الطعام وبدأتْ تتكلّم بجدّيّة: "أنت شرحتَ لنا ذلك في إحدى محاضراتك. هل نسيت؟"
قلت: "لم أنسَ، وأذكرُ جيّدًا أنّني قرأتُ عليكم مقطعًا من كتابٍ لم أعد أذكر اسمَه. كان دراسةً في علم التحليل النفسيّ، لا كلامًا منزّلًا. وجاء فيه إنّه يمكننا تقسيمُ البشر تبعًا لشخصيّاتهم مقارنةً بالأشكال الهندسيّة؛ فهناك من هم مُربَّعيّون ــــ ولا علاقة لهذا بالذكورة أو الأنوثة. والمُرَبّعيّون يُفضّلون المعلومات الواقعيّة على العواطف أو الأفكار التجريديّة؛ وهذا هو سبب اعتمادهم بشدّة على العمليّات التحليليّة في أسلوب حياتهم..."
كانت تنتظر توقّفي عن الكلام لتقول على الفور وبلهجةٍ حاسمة: "وهذا يعني أنّ المُربّع ذكوريّ. وشكل المربّع قاسٍ وجامد. نقطة انتهى." سألتُها: "وماذا تكون الأنثى حسب نظريتكِ؟" لتجيب من دون تردد: "مثلّث." نظرتْ إليّ كأنّها تسألني رأيي. قلت بتحفّظ: "كنتُ أظنّها دائرة." فانفجرتْ ضاحكةً وأضحكتني من قلبي حين قالت بملعنة: "دائرةٌ حكوميّة!" ثمّ جمعتْ أغراضَها وغادرتْ كما جاءت بصخب.
عدتُ وحيدًا، ورجعتُ إلى لوحتي "الذكوريّة" أدقّق في تفاصيلها كأنّني أراها للمرّة الأولى، وأحدّث نفسي: حسنًا، لتكن ذكوريّة، أين المشكلة؟ ثمّ أعود وأغيّر رأيي بعد لحظات: ما المانع من كسر هذا الانطباع؟ ولكنْ كيف؟ لماذا لم أسأل هذه "الفصعونة"؟
بقيتُ طوال اليوم أقلّب الفكرة في ذهني، وطيفُ توليب يلاحقني بنظريّاتها ومربّعاتها وعينيْها المشاكستيْن. بعد طول تفكيرٍ تركتُ الأمور على حالها ووضعتُ توقيعي على اللوحة واسترحت.
***
في يوم الافتتاح حضر جمهورٌ كبير: رجال أعمال، وسياسيّون، وأدباء، ومثقّفون، وهواة رسم، وفنّانون محترفون،... حين دخلتُ الصالة رأيتُ باقاتِ الزهر مركونةً في زواياها، واللوحات موزّعةً على الجدران بأناقةٍ وإتقان، تفصل بينها مسافاتٌ مدروسةٌ تراعي الإضاءةَ وحركة الناس. أمّا لوحة نور فقد احتلّت بمفردها صدرَ الصالة، وبدتْ من بعيدٍ كبقعة دمٍ فوق بياض الجدار.
بعد قليل رأيتُها عند مدخل الصالة، حيث الملصقُ الإعلانيّ الذي تتوسّطه ــــ بخطٍّ عريضٍ وبلون الحليب ــــ كلمةُ "توليب" عنوانًا للمعرض، وتحت العنوان يتربّع اسمي مع باقي المعلومات وبحجمٍ أصغر.
هناك تمامًا، وكالقدر، كانت تقف توليب: ظهرُها إلى الملصق، واضعةً كفّيْها فوق فمها كما تفعل عادةً عندما تخجل وتتأثّر. وحين رفعتُ لها يدي تحيّةً، أرسلتْ إليّ قبلةً في الهواء، وانزلقتْ مع دموعها بهدوءٍ نحو الأرض مستندةً بظهرها إلى الزجاج، فبدتْ مع الملصق فوقها لوحةً بحقّ: مثلثٌ لطيفٌ مزركشٌ بالألوان، ينوء تحت ثقلِ مربّعٍ يفور بالدم.
كانت هذه هديّتي إلى تلميذتي الحلوة، التي فتّحتْ عينيّ على أمرٍ لم أتنبّهْ إليه. وها هي تأتي اليوم، بكامل ألقها، لتُدهشَني بحضورها اللطيف، فأرنو إليها مأخوذًا. بينما تتردّد صدى كلمات أستاذي في ذهني:
"أنت لا ترسم الواقعَ كما تدّعي، بل الواقعُ هو الذي يرسمك."
اللاذقيّة

(1) أسلوبٌ فنّيٌّ في الرسم، يعتمد على نقل الواقع أوالحدث من الطبيعة مباشرةً، كما تراه العينُ المجرَّدة، بعيدًا عن التخيّل والتزويق. وبموجبه، خرج الفنّانون من المرسم، ونفّذوا أعمالَهم في الهواء الطلق؛ ما دعاهم إلى الإسراع في تنفيذ العمل الفنيّ قبل تغّير موضع الشمس في السماء وتبدُّلِ الظلّ والنور. سمّيتْ هذه المدرسة بهذا الاسم لأنها تنقل انطباعَ الفنّان عن المنظر المشاهَد، بعيدًا عن الدقّة والتفاصيل.
(2) كلود مونيه 1840 -1926 : رسّام فرنسيّ. رائد المدرسة الانطباعيّة (أو التأثيريّة). قام بإنجاز لوحةٍ جديدةٍ عام 1872، وسمّاها "انطباع شمسٍ مشرقة." ولمّا كان الأول في استعمال هذا الأسلوب الجديد من التصوير، فقد اشتُقّ اسمُ المدرسة الجديدة "الانطباعيّة" من اسم لوحته.
(3) مرضٌ حادّ ينتج عن تلوّث الجروح بالجراثيم.


المواضيع المتشابهه:



 توقيع :

رد مع اقتباس
3 أعضاء قالوا شكراً لـ اسير الذكريات على المشاركة المفيدة:
 (12-23-2024),  (12-22-2024),  (12-22-2024)
قديم 12-22-2024   #2


الصورة الرمزية انسان و ملاك
انسان و ملاك غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 93
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : منذ ساعة واحدة (04:05 AM)
 المشاركات : 59,839 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 19,044
تم شكره 11,049 مرة في 8,782 مشاركة

اوسمتي

افتراضي رد: اللوحة 26



اسير الذكريات

موضوع رائع وطرح مميز

يسلموووو والله

خالص الود والشكر



 
 توقيع :


رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ انسان و ملاك على المشاركة المفيدة:
 (12-22-2024)
قديم 12-22-2024   #3
[IMG]http


الصورة الرمزية وردة الغرام
وردة الغرام غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3621
 تاريخ التسجيل :  Aug 2020
 أخر زيارة : منذ 3 ساعات (01:46 AM)
 المشاركات : 249,643 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~





أي خيول سترك أعناقها في أساور هذا الندي

فهي مهرة يصعب ترويضها

قلب لا يعرف المستحيل
لوني المفضل : Beige
شكراً: 30,834
تم شكره 9,532 مرة في 7,334 مشاركة

اوسمتي

افتراضي رد: اللوحة 26



تسلم الايادي على الطرح الرائع والمميز والجميل والمفيد

يعطيك الف عافيه اخي الغالي يحيي



 
 توقيع :


اشكرك من كل قلبي حبيبتي نجمتنا



رد مع اقتباس
قديم 12-22-2024   #4


الصورة الرمزية ناطق العبيدي
ناطق العبيدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3638
 تاريخ التسجيل :  Sep 2020
 أخر زيارة : منذ 12 ساعات (05:03 PM)
 المشاركات : 35,748 [ + ]
 التقييم :  2147483647
 الدولهـ
Iraq
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Aqua
شكراً: 0
تم شكره 5,046 مرة في 2,812 مشاركة

اوسمتي

افتراضي رد: اللوحة 26



لك مني كل التقدير على جمالية طرحكـ
لكـِ خالص احترامي



 
 توقيع :






رد مع اقتباس
قديم 12-22-2024   #5


الصورة الرمزية ᏚᎯ ᏚᏫ
ᏚᎯ ᏚᏫ غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4466
 تاريخ التسجيل :  Oct 2024
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (08:07 PM)
 المشاركات : 5,739 [ + ]
 التقييم :  1010
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 666 مرة في 388 مشاركة

اوسمتي

افتراضي رد: اللوحة 26



سلمت أناملك على الطرح جميل
دمت بسعاده ورضى الرحمن

---------saso------



 


رد مع اقتباس
قديم 12-22-2024   #6


الصورة الرمزية ♡Hoba♡
♡Hoba♡ غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4389
 تاريخ التسجيل :  Aug 2024
 أخر زيارة : منذ 6 يوم (10:24 AM)
 المشاركات : 19,779 [ + ]
 التقييم :  4022
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 66
تم شكره 1,671 مرة في 1,035 مشاركة

اوسمتي

افتراضي رد: اللوحة 26



الله يعطيك العافية على جهودك المبذوله
تحيتي وتقديري..~




 


رد مع اقتباس
قديم 12-22-2024   #7


الصورة الرمزية Manon
Manon غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4455
 تاريخ التسجيل :  Sep 2024
 أخر زيارة : منذ 6 يوم (11:17 AM)
 المشاركات : 9,108 [ + ]
 التقييم :  2010
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 314 مرة في 236 مشاركة
افتراضي رد: اللوحة 26




يعطيك العافيه
طرح جميل وراقي
تحياتي لك

Manon




 


رد مع اقتباس
قديم 12-22-2024   #8


الصورة الرمزية Ranosh
Ranosh غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4101
 تاريخ التسجيل :  Jan 2023
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:44 PM)
 المشاركات : 5,317 [ + ]
 التقييم :  3201
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 759
تم شكره 787 مرة في 558 مشاركة

اوسمتي

افتراضي رد: اللوحة 26



بوركت جهودك الجميله ،،
وسلمت أناملك ع جميل طرحك
بانتظار جديدك القادم بشوق



 


رد مع اقتباس
قديم 12-22-2024   #9


الصورة الرمزية Peri
Peri غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4416
 تاريخ التسجيل :  Aug 2024
 أخر زيارة : منذ 6 يوم (10:05 AM)
 المشاركات : 10,545 [ + ]
 التقييم :  1011
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 6
تم شكره 712 مرة في 471 مشاركة

اوسمتي

افتراضي رد: اللوحة 26



يعطيك العافيـــة ..
‏ع عطائك ممـيز ورائعَ
باقات من ألجورِي



 


رد مع اقتباس
قديم 12-23-2024   #10


الصورة الرمزية اميرة الحب
اميرة الحب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3722
 تاريخ التسجيل :  Feb 2021
 أخر زيارة : منذ يوم مضى (05:30 PM)
 المشاركات : 126,371 [ + ]
 التقييم :  1237833441
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
ستجد الحب حتماً حين تؤمن بكل قواك القلبية أنّك تستطيع تحمل كل نقطة عذاب ستواجهك في هذا الطريق، وحين تؤمن وتستوعب جيداً أنّ الحب تضحية، ووفاء، وحنان لا ينتهي
لوني المفضل : Gold
شكراً: 19,986
تم شكره 12,872 مرة في 8,250 مشاركة

اوسمتي

افتراضي رد: اللوحة 26



أسير

قصة جميلة
سلمت أناملك على جميل طرحك
ويعطيك العافية لطيب الجهد وتميز العطاء
ما ننحرم من فيض عطائك وإبداعك
مع ارق تحية
لقبك الفرح
لك كل الود
كنت هنا اميرة الحب







 
 توقيع :




💕🅰 🅼 🅵 💕




رد مع اقتباس
إضافة رد
كاتب الموضوع اسير الذكريات مشاركات 18 المشاهدات 241  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

(عرض التفاصيل عدد الأعضاء الذين شاهدوا الموضوع : 10 (إعادة تعين)
, , , , , , , , ,

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 05:43 AM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah