05-18-2014
|
|
من هم الغرباء
[gdwl]قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بدأ الإسلام غريبا ً، وسيعود غريبا ً، فطوبى للغرباء " هذا الحديث الجليل رواه مسلم في صحيحه، وأحمد في مُسْنده، كما رواه الترمذي وإبن ماجه، ولقد جاء في بعض رواياته زيادة هي: قيل يا رسول الله: من الغرباء؟. قال: النزَّاع من القبائل ( أي أهل الخير القليلون ). وفي رواية قيل: ومن هم يا رسول الله ؟. قال الذين يُصْلحون ما أفسد الناس. وفي رواية: الذين يفرون بدينهم من الفتن. وهذا الحديث يصور أمرين مهمين، أولهما وقع بالفعل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخر هو ما أخبر بوقوعه بعد عهده، ويأتي بعد الأمرين حكم رسول الله الطيب للغرباء سواء أكانو على عهده، أم أتوا بعد ذلك. ومعنى " بدأ الإسلام غريبا ": أن الإسلام جاء على حين فترة من الرسل، والناس في ضلالة عمياء وجهالة جهلاء، فلا حدود ولا قيود ولا أخلاق، فأعرض عنه المتكيرون والمتجبِّرون والباغون في الأرض، واستجاب له في أول الأمر قلة مُسْتضعفون، تعرّضَوا للإضطهاد والتعذيب والمقاومة، حتى اضطروا أن يستخفوا بدينهم حينا ً، وأن يتحملوا مقاطعة الناس لهم حينا ً، وأن يهاجروا أكثر من مرة، ومنهم من قُتل في سبيل دينه. ثم ظهر الإسلام، وعز وانتصر، وجاء الفتح الأكبر، ونزل قول الله سبحانه وتعالى: "إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا" وسيعود غريبا كما بدأ"، وهذه إشارة إلى ما ظهر في الناس بعد ذلك من الفتن والضلال عن الصراط المستقيم، والإستجابة للشهوات والأهواء، وكثرة الطوائف والفرق، مع ما بينها من إختلاف وتشاحن، وإذا كانت الكثرة قد انحرفت، فإن طائفة مؤمنة تبقى على يقينها وإيمانها، وهي التي أشار إليها سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه: " بقوله لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك "، وقد سُئل الرسول عن الغرباء، فقال: "الذين يحيون ما أمات الناس من سُنَّتي". والمعروف أن الصالحين في زمن الفتن يكونون غُرباء مُعَرَّضين لهجوم المُتطاولين وسُخرية الساخرين، وأنهم يُعانون في سبيل المحافظة على عقيدتهم ودينهم ومبادئهم، ولذلك روى الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي على الناس زمان القابض فيه كالقابض على الجمر". ولقد قال النبي يوما ً – كما يروي الترمزي -: "إنكم في زمان من ترك عُشر ما أُمر به هلك، ثم يأتي زمان من عمل منكم بعُشر ما أُمِر به نجا"، "فطوبى للغرباء": قيل إن "طوبى" اسم للجنة, وقيل شجرة في الجنة، وقيل أن طوبى هو كل مُسْتطاب في الجنة، وقيل إن طوبى هي " فعْلى" من الطيب. ومهما يكن المعنى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وعد الغرباء -على المعنى السابق- بالخير والثواب الحسن، ومن هنا نجد النبي صلى الله عليه وسلم يوصي ابن عمر يقوله: "كن في الدنيا كأنك غريب، فكأنك في الدنيا ولم تكن، وبالآخرة ولم تزل، وعد نفسك من أهل القبور". وكذلك سيصير الإسلام في آخر الزمان -ولعله هذا الزمان- غريبا بين أهله، وبين المُنتسبين إليه، وبين الآكلين ما شاؤوا باسمه، وسينصر هذا الدين قومٌ غُرباء لم يكونوا مُنتسبين إليه من قبل، ولم ينشؤوا في دياره من قبل. وكأن هذا إنذار من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته أن يحذروا وقوع تلك الغربة للإسلام على أيديهم، حتى لا يُحْرَموا نعمة الإستمساك به، والغيرة عليه، والدفاع عنه. ومنذ عصور متطاولة والسلف الصالح يشكون ظهور الغربة في مجتمعاتهم، ويقررون أنهم أدركوا غربة الإسلام في حياتهم، فكيف لو أدركوا عصورا ُجاءت بعدهم فزاد الإسلام غربة بين الناس؟!. نسأل الله جل جلاله أن يوفقنا للإعتصام بحبله، والإستمساك بشرعته، والإهتداء بهدي رسوله عليه الصلاة والسلام، وعلى الله قصد السبيل[/gdwl].
المواضيع المتشابهه:
|