~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~ | |
|
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() خبز الفداء للكاتبة الفلسطينيّة الرّاحلة سميرة عزّام،عروس عكّا كما يسمّونها ودّ حين ناوله إبراهيم غليونه محشواً بالتبغ لينفّس به عن ألمه لو يدعه يتصرّف كطفل فيبكي.. إنه يشعر بالدموع تنبجس وتغرق عينيه، فيدير رأسه ويمسحهاخفية بطرف كمه، ويروح يداري ألمه الخجول بأن يمدّ رأسه من فوق المتاريس، ثم يلتفت لرفاقه فيجد في سكوتهم تفجّعاً يدفع الدمع إلى عينيه ثانية، ويرى في كل شيء في هذا الليل الصامت الذي يطل عليه هلال غائم بعيد، ألماً يجسّد انسحاقه.. وكأن كل ما في الكون يدري بأن له حكاية، وأن أكثر ما يشتهيه في هذه اللحظة أن يمارس ترف الحزن بتلقائية، فهو الساعة أضعف من أن يصطنع أي جبروت، وأكثر ما يريده هو أن ينفضّ أخوانه من حوله قليلاً ليعود إنساناً يخلع قناع الصلابة ويبكي، يبكي بلا خجل. ورفع كمه يمسح عينيه وأحسّ بخيوط القميص الصوفي تخدش عينيه.. وتذكره بتعويذتها التي يلبسها والتي سترد عنه – كما قالت – كل رصاصة غدارة.أجل إنه يتذكّر تلك الليلة... ليلةٌ كهذه هلالها صغير، وبردها يقرص الأجساد، وكان مكلّفاً بحراسة مستشفى صغير أقامه جيش الإنقاذ في بيت من بيوت المدينة مؤلف من أربع غرف حجرية وحديقة صغيرة، وكانت أسرة المستشفى الثمانية مشغولة بثمانية جرحى حملهم أخوانهم بعد معركة انصبت النار فيها من مستعمرة نهاريا اليهودية، على القرى العربية في قضاء عكا وأحضروهم ليُسعفوا بالمستشفى. ثم اختارته لجنة الانضباط ليقوم بحراسة المستشفى الواقع في طرف من أطراف المدينة تفّرقت فيه البيوت وتباعدت. أجل باردة كانت الليلة، ولم تحمه كوفيته ولا معطفه السميك من وخزات البرد اللاذع، فكان ما يفتأ يتمشّى ليمنع الدم من أن يتخثّر في شرايينه، ثم يعود إذا تعب ليتّكئ إلى جدار المستشفى قريباً من الباب، ويرقب من بعيد دور المدينة التي تنام نوماً تهدّده أية غارة مفاجئة، ولا يدري كم كانت الساعة بالضبط فقد خبتت الأنوار إلا تلك التي تتوّج أعمدة الطرق العامة، وسكت الليل إلاّ من أصوات ابن آوى، هذه التي تبلغه من بعيد...أجل لا يدري كم كانت الساعة بالضبط حين شعر بها إلى جانبه في ثياب التمريض البيضاء تسأله إذا كان يريد فنجاناً من الشاي، إنه لم يفكّر في الشاي ولا في أي شيء آخر...ولكنه أحس بأنه يريد أي جسم حار يشد إليه أصابعه المقرورة. فقبل شاكراً. ولما عادت تحمله إليه، جرعه في أربع رشفات حتى لا يدعها تنتظر طويلاً، ولما ردّه إليها فارغاً غمغم بكلمة شكر، ولكنه فكّر بعد أن انسحبت بانه كان من المناسب أن يلاطفها بسؤال، وأدار رأسه يبحث عن ظلها خلف النافذة ولكنها لم تلح. وفكّر في أن يشكرها في الصباح.. ولكن من عساها تكون؟ . إن هناك ممرضتين، وهو لم ير منها إلاّ بياض ثوبها. ولكنه في الليلة الثانية عزم أن يكون أكثر طراوة لو حملت له الشاي... وانتظر طويلاً ولكنها لم تحضر.. وقال في نفسه إنها مشغولة عن شايه بمن هم أحوج إلى عطفها.. فلماذا لا يطرق الباب ويطلب الشاي بنفسه؟ واستحيا أن يفعل. وقد كره ، يكون متطفلاً على وجه ما.. ها قد خبت الأنوار ونامت المدينة وحمّلته وأخوانه مسؤولية السهر. وفي مثل هذا الوقت بالأمس شرب شايها... ورفع أصابعه التي أثلجتها ماسورة البندقية واشتهى شيئاً حاراً يبعث فيها الحرارة.. ورفع يده إلى فمه لينفخ فيها، وإذ بشبحها الأبيض يجبهه بصوتها يقول: لقد أحضرت لك شايك دون سؤال.. لن ترفضه بالطبع.. ورفع عينه وحدّق في وجهها..ومدّ يده المقرورة ليحمل الفنجان .. ورأى من اللياقة أن يقول لها شيئاً قبل أن يشرب..- ألا تجدين المهمة شاقة عليك؟وفي حدّة لم يتوقعها ردّت عليه:- هل تجدني أضعف من الواجب؟- أنا .. لا لا لا أبداً..ومن لم يدر ما يقول، فرفع الفنجان إلى شفتيه، وجرعه بسرعة سلقت حلقه .. وأعاده إليها دون شكر. ولما ابتعدت قليلاً.. ناداها.. لماذا لا يسألها عن اسمها؟ .. ماذا في الأمر... - يا آنســة..ووقفت..وتقدم منها:- آسف.. هل يمكن لي أن أعرف إسمك؟وضحكت قبل أن تقول:- لم لا.. نحن هنا أخوة .. إسمي سعاد...- وأنا رامز... ورفاقي يسمونني العريف.. ألا نتصافح؟وأعطته يدها ضاحكة ثم انسلّت بخفة كما جاءت..سعاد.. عجيب وهذه سعاد أيضاً.. يبدو أن له حظاً مع الإسم .. فقبل أيام قدّمت اللجان النسائية في البلد هدية إلى الحرس القومي من القمصان الصوفية والبطانيات.. قامت بحياكتها فتيات المدينة وكان في كل جيب بطاقة تحمل إسم الفتاة التي حاكتها وعبارة تشجيعية قصيرة.. إنه ما يزال يحتفظ بالبطاقة.. ومدّ أصابعه وتحسّسها وأخرجها ثم أشغل عود ثقاب أضاءت معه الحروف سعاد وهبي وتحت الإسم كانت هذه العبارة: (أرجو أن تكون من نصيب بطل).وأكلت النار العود واختفت الكلمات، فأعاد البطاقة إلى جيبه. أتكون هي؟ لو كانت هي نفسها أفلا تكون صدفةً حلوة؟ والتفت إلى الباب.ولكنه كان مغلقاً.. وفي الليلة الثالثة تعمّد أن يبدأ نوبة الحراسة باكراً ليجد مجالاً لدخول المستشفى والسؤال عن الجرحى .. كان الباب مفتوحاً فدخل.. ورآها تحمل صينية عشاء لأحد الجنود فحيّاها... وسألها إذا كان بوسعه أن يزورهم ..فقالت: - لم لا...أريدك أن ترى حسّان.. ليقصّ عليك قصة المعركة، لقد سمعتها منه عشرين مرة، ولن يؤذيني أن أسمعها للمرة الحادية والعشرين.وتبعها.. وأمام سرير حسّان المضمّد الرأس وقف كما وقفت هي وضحكا وهما يستمعان إلى الجريح يقول: - إن الأخت سعاد ممرضة صارمة تريد له أن يتمدد كالجثة، وتحرّم عليه التدخين بأخفائها سجائره.. وأتيح لرامز أن يلحظ وهي تضحك أن لها أسناناً شديدة البياض وأن لعينيها بريقاً يعكس إرادة لا تردّ.. وشجّعه الجو على أن يسأل: - ولكن ألا توافقني على أنها طيبة.- طيّبة؟ إنها أطيبهن جميعاً.. أكثر طيبة من أمي العجوز.. ما تفتأ تدور بيننا تسقي هذا، وتطعم ذاك، وتلبي أجراساً تقرع في كل الغرف، فإذا وجدت لحظة للراحة جلست قريباً من الباب وشغلت نفسها بالحياكة. - حياكة؟وتذكّر القميص ومدّ يده فحل أزرار معطفه السميك وسترته، وكشف عن قميصه الذي يرتديه، واقترب خطوة منها وقال: - أتعرفين هذا القميص؟- أوه.. أكان من حظّك؟- ألا أستحقه؟ إنني أحتفظ بالبطاقة ... لأتذكّر دائماً مسؤولية البطولة... واستدعاها جرس ملحاح، فتركته وحسّان الذي سأله عن سيجارة أقسم ألاّ يدخّنها إلاّ إذا سمحت له... ومضى أسبوعان، وتماثل الجرحى للشفاء فغادروا المستشفى إلاّ واحداً نقل إلى مستشفى آخر |
كاتب الموضوع | الغزال الشمالي | مشاركات | 2 | المشاهدات | 1237 |
![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
![]() |
|
لا توجد أسماء لعرضهـا. |
|
|