~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~ | |
|
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#9 |
![]()
بنت النيل
![]() ![]() |
![]()
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;border:10px ridge violet;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;border:10px double violet;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www.gladpige.dk/Baggrunde/Side3/baggrundgp38.gif');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:80%;background-image:url('http://www.hamasatdamad.com/upload/uploads/1393029445732.gif');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center] ![]() توقف شيخ كبير مسن على باب بستان غياث وقرأ اسم البستان "المغاث" المنحوت عليه، ثم ترجل عن بغلته الهزيلة التي يركبها ثم قادها بزمامها إلى الداخل وسار حتى وصل إلى القصر وربط بغلته في مربط الدواب وذهب أحد الخدم ليخبر سيده أن رجلاً يطلبه كان الشيخ نحيلاً و مهزولاً كالدابة التي جاء عليها لكنه كان مهيباً وقوراً مخضوب اللحية بالحناء عريض الحاجبين أبيضهما بعينين بارقتين لامعتين بالفطنة وخرج غياث إليه وفي يده كأس النبيذ فأصطدمت نظراته بهيئة الشيخ، وما أن رآه حتى اعتراه الخجل ووضع الكأس جانباً ورحب بضيفه ودعاه للجلوس على بساط كبير مفروش تحت ظلال الأشجار القريبة من القصر فجلس وقال: -لقد ذكر لي الخادم سريع أنكم في حاجة إلى من يقوم على زراعة القمح في الأشهر القادمة فقال غياث وهو يشير إلى أرض القمح البعيدة التي أُعدت وحرثت: -نعم نحن بحاجة إلى من يقوم بزراعة تلك الأرض فلا يوجد عندنا أحد يقوم بذلك،وقد أمرت عبدي أن يستأجر فلاحاً لهذا الشأن: -وأين صاحب البستان حتى نحدَّثه؟ -أنا صاحب البستان! فدهش الشيخ لكون هذه الضياع الواسعة لشاب في الثامنة والعشرين وقال: -أنا اسمي شرف الدين من بغداد وأحسن العناية بالقمح،فإن شئت عملت عندك وأخذت العُشر عند الحصاد -لقد قلتُ لسريع أنني أريد أن أستأجر فلاحاً بالأُجرة يأخذ أجره إذا انتهت السقيا وقطع الماء عن الزرع! -أنا أعمل يابني في مزارع الناس كل سنة وكنت أتفق معهم على جزء من الحصاد! تأمل غياث الرجل فارتاحت نفسه إليه وقال محاولاً إقناعه: -سأجزل لك الأجر فذلك خير لك فقد يأتي الحصاد شحيحاً -من أجل هذا طلبت جزءاً من الحصاد فلا أريد أجراً كاملاً عن حصاد شحيح -لكني راضٍ وقانع بذلك! -إذاً فلم نتفق! وبلا مناقشة ودَّعه الشيخ وقام إلى بغلته ليذهب فقال غياث على الفور: وافقت وافقت استقرَّ شرف الدين فلاح القمح في الدار التي عدت ليسكنها القيَّم وشرع في العمل وأظهر دراية بالزرع وأجرى الماء وتابع السقيا، وبعد مدة بدأت وريقات القمح تشق الأرض ثم تأخذ في الارتفاع تحت شمس دافئة عجلت بإنباتها وزار غياث شرف الدين وتكررت زياراته له واجتذبه سمته ووقاره و هدوؤه،وأصبح يأنس له ولا يخفي عنه مودته وتضاعفت تلك المودة عندما طفق سريع ينقل إليه أخبار شرف الدين في بغداد ويثني على سيرته فيعرف أنه لم يكن فلاحاً فحسب بل هو على جانب من العلم والتقى والفضل يتكسب عيشه من العمل بالزراعة عند الناس وكان غياث يقول لجاريته عطر أو لسريع في صراحة تامة: -أنا أحس بالبهجة حين تقع عيني على رجل من الصالحين منذ أن كنت صبياً لكن شرف الدين مختلفاً كثيراً،فأنا أبتهج لرؤيته وأهابه،وقد فطن إلى ذلك فأصبح ينهاني عن الخمر ويعظني و يناصحني فصرت لا أشربها في حظرته، ولا في الوقت الذي أتوقع حضوره فيه ولا أخرج إليه إلا إذا فارقني أثرها،وليس أحدٌ يشبهني فأنا سكير منحرف، ويعمل في فلاحة أرضي طالب علم تقي!! مضت ثلاثة شهور وأوشك موسم القمح على الانتهاء ،وكانت سنابل القمح رفيعة متسامقة تتمايل مع حركات الهواء ورائحتها زكية تزيد السرور في نفس غياث وكانت الفترة الأخيرة من العمل تحتم أن يكون الماء متدفقاًً باستمرار على جذور السنابل التي ستصبح بعد مدة قصيرة صفراء ذهبَّية لتقطف بعدما تجف تماماً وركضت الأيام سعيدة مبهجة في حياة غياث بن عبد المغيث،وقد زادها تواجد شرف الدين ببشاشته ورحابته أنساً وجاء يوم اهتزت فيه قناعة غياث بواقعه وفقد ثقته في سعادته،وفي الحياة الرغيدة السهلة المحيطة به تسللت إليه شمس الحقيقة ساخنة لتحسر عنه ظلال الوهم الذي كان يأوي إليه وكان ذلك على يد شرف الدين! ففي بعض جلساتهما كانا قد فرغا من شؤون الزرع، وكعادته كان شرف الدين يذكره بالآخرة والتقوى ويعضه وينبهه إلى الثغرات فيما يظنه سعادته وفي معرض حوارهما سأله شرف الدين: -لماذا أنت حزين يا بني؟ فقال غياث باستغراب: -أنا لستُ حزيناً كيف رأيت أني حزين؟! -لأنك تعاقر الخمرة باستمرار وهذا دليل حزنك. -أنا أشرب الخمر لأني ابتليت به،مع أني أحاول جاهداً الفكاك منه -لا بل أنت تهرب إليه لأنه يذهب بك عن دنياك التي تجدها محزنة! -لكني أجد دنياي سعيدة!؟ -لو كنت سعيداً لما شربت الخمرة لأنها دواء المحزونين! -إن الدنيا قد أحزنت الكثيرين،وأنا قد استوفيت عِدة السعادة فيها فما الذي يدعوني إلى الحزن؟! -وما أدراك فقد يكون هذا سبب شقائك فإن في المال خاصية عجيبة، فقد تجد اللذة في تمنيه والحلم به فإذا حصل شقيت به وتبين لك أنه كالسراب يسرك مظهره ومخبره الظمأ والخداع! -ما أدري هل أنت فلاح أم حكيم!؟ -لا تشغل نفسك بي ودعني أفيدك بشيء ربما عقلته أنا لكبر سنّي؟ -ما هو؟ -إن الناس يشتمون الفقر ولو أنصفوه لوجدوه عين الراحة والسلامة في أدواء كثيرة! -الراحة!!ومن هذا الذي يجد الراحة في الفقر؟! -يرتاح بالفقر الذي تخفف من طمع الدنيا،وشغلت عليه الآخرة قلبه -كثير من الناس زهدوا في الدنيا،وآثروا الآخرة لعجزهم عن الحصول على الدنيا -ربما يكون ذلك من حسن تدبير الله لهم ولطفه بهم فلو تحصل لهم المال لطغوا وانحرفوا -حقاً ويكون الفقر بمثابة دليل لهم إلى الآخرة ونجاة لهم -الفقر يذمه صاحبه في الدنيا ويحمده في الآخرة -لكن النبي صلى الله عليه وسلم قرن الكفر بالفقر ووصف الجوع بأنه بئس الضجيع -لقد تيسرت للنبي صلى الله عليه وسلم سبل الغنى فقد ملك العرب وساد الناس،وأخبر أنه لو شاء لسارت معه الأودية ذهباً وفضة ومع ذلك فقد كان بعض أصحابه أطيب عيشاً منه وأسهل حياة وهذا اختيار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم -إذاً فالأغنياء -على كل حال - في شقاء مستديم!؟ -في شقاء إذا استقر المال في قلوبهم أما إذا عمرت الآخرة قلوبهم وتحول المال إلى أيديهم، وقاموا بحق الله فيه فهم خير من الفقراء والمؤمن القوي خير من الضعيف والمال نوع من القوة ولسبب لا يدريه شرف الدين قال غياث بلهفة: -لكنني سعيد بما أنا فيه من الغنى الواسع! فقال شرف الدين ببديهية: -سبحان الله هل تثق في حواسك كل الثقة إذا استجابت لكل ما تحس به،وحكمت على ما حولك بإحساسك هلكت فالأذن تخدعك والعين تخدعك والنفس تخدعك وتميل بك إلى ما تشتهي وإن كان ضلالاً! ألا ترى على كثير من العصاة أنهم يفعلون المعصية ويحسون أنهم على صواب فينخدعون ويمضون على أخطائهم! -إذاً فلن نفعل شيئاً البتة خوفاً من خديعة الحواس؟ -ولهذا أنزل الله الدين حتى يكون مناراً يُهتدى به ويُستدل به على الصواب والفلاح،حفاظاً على الإنسان ورحمة من الله به أن يتبع هواه ورغباته فيضل ويهلك كما أن الحلال بين والحرام بين وكل ما أمر تزنه بميزان الله يتبين لك خطأه من صوابه -وأين تكون السعادة إذاً؟! -أنا سأسألك أين تكون السعادة؟ -أنا أقول إن السعادة في طاعة الله وتقواه،ولكني وجدت سعادتي في الثراء! -هل جربت سعادة الهدى والتقوى -لقد صليت عدة مرات وكنت مع ذلك محزوناً! -يا بني تقوى الله مراتب وكلما اقتربت من ربك كرهت الدنيا،وصرت تراها عبثاً ثقيلاً ومرحلة متعبة تشوقك دوماً للفكاك منها -ومتى أصل لهذه الحالة؟ -إذا اتهمت نفسك وشككت في حياتك التي تزعم أنك سعيد بها وأنا الآن أدعوك للتأمل فيما مضى من عمرك،وما بقي وما سيعقب ذلك وأرجو أن تتجه إلى ربك بالعبادة التي يضيء بها القلب ويعمر بها لا تلك التي لا تعدو الجوارح وتناهض الشيخ للانصراف بعدما أوصى غياث أن يبدأ بالشك فيما حوله من حياةٍ وداعةٍ وسعادة مزيَّنة وكان هذا اللقاء نقطة البداية في حياة جديدة قام غياث ذلك اليوم وقد اشتعلت في نفسه جذوة الحزن من جديد،وتسللت إليه كلمات وأفكار شرف الدين التي قلبت حياته رأساً على عقب! ![]() [/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN] [/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN] |
![]() |
كاتب الموضوع | مي محمد | مشاركات | 13 | المشاهدات | 4014 |
![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
![]() |
|
|
|