~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~


العودة   منتديات وهج الذكرى > وهج العـــامـ > وهج القسم العام
وهج القسم العام لجميع المواضيع التي ليس لها قسم مخصص في المنتدى
التعليمـــات روابط مفيدة
إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-25-2013   المشاركة رقم: 1
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية مي محمد

إحصائية العضو






  مي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond repute
 



التواجد والإتصالات
مي محمد غير متواجد حالياً

المنتدى : وهج القسم العام
افتراضي الصوفية

تعريف الصوفية للتصوف ، ونقدها
يقول معروف الكرخى : ( التصوف هو الأخذ بالحقائق ، واليأس مما فى أيدى الخلائق ) راجع عوارف المعارف للسهروردى ص 62
وكلمة الحقائق التى يعرف بها معروف الكرخى التصوف تحتمل عدة وجوه ، ولعله يقصد غالبا العلم الصوفى الذى يقولون عنه علم الحقيقة فى مقابل علم الشريعة
وعرفه الجنيد شيخ الطائفة بأنه( أن تكون مع الله بلا علاقة وعرفه أيضا فقال : ( تصفية القلب عن موافقة البرية ، ومفارقة الأخلاق الطبعية ، وإخماد الصفات البشرية ، ومجانبة الدواعى النفسانية ، ومنازلة الصفات الربانية ، والتعلق بعلوم الحقيقة ، وأتباع الرسول فى الشريعة ) .
فى التعريف الأول يقول : ( أن يكون الإنسان مع الله بلا علاقة ) ، ولعله يقصد أن على الإنسان أن يقطع جميع علاقاته مع بنى جنسه .. وهذه دعوة باطلة ، فإننا لسنا مأمورين بالهروب عن البشر ، والأختفاء عنهم فى الأربطة ، والخوانق ، والزوايا ، كما يفعل المتصوفة الآن .
وأما فى التعريف الثانى فقد عرفه بأنه تصفية القلب عن موافقة الخليقة ، والأبتعاد عن الأخلاق الطبعية التى فطر الله الإنسان عليها ، والسعى إلى التخلص من الصفات البشرية ، وعدم إعطاء النفس حقها مما تطلبه ، وأن يكون متعلقا بعلوم الحقيقة وويتبع السول فى الشريعة .
وهذه كلها مخالفة لما جاء به الرسول صل الله عليه وسلم من عند الله ، لأن الإنسان بشر ، وسيظل بشرا ، مهما أجتهد وترقى فى مقام العبودية لله .. ثم قوله متابعة الرسول فى الشريعة بعد تعلقه بعلم الحقيقة يوحى بأن شيئا من المتابعة للرسول ، وشئ آخر لغير الرسول ، مع أن الإسلام هو تصديق الرسول فيما أخبر ، ومتابعة الرسول فيما أمر .. فى كل ما أمر .
وعرفه سحنون بقوله : ( التصوف هو أن لا تملك شيئا ، ولا يملكك شئ )
وهذ أيظا مخالف لتعاليم الإسلام الحنيف ، فالإسلام لا يأمرنا بالتجرد عن أملاكنا ، بل أمرنا أن نعطى كل شئ حقه .
هذه بعض تعريفاتهم .. وهى تعريفات تعرب عن معتقدات القوم ، بما فيها من غلو ، وعدم التقيد بالقواعد الشرعية فى العبادة ، والسلوكيات .
اللهم جنبنا الزلل فى الفهم ، والضلال فى القصد ، فأنت سبحانك ولى ذلك والقادر عليه .

الأستاذ صبحى عبد المنعم بندق












توقيع :

[img3]http://q87b.info/do.php?img=6324[/img3]


[img3]http://store1.up-00.com/2017-08/150302030675131.png[/img3]

عرض البوم صور مي محمد   رد مع اقتباس
قديم 05-25-2013   المشاركة رقم: 2
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية مي محمد

إحصائية العضو






  مي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond repute
 



التواجد والإتصالات
مي محمد غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : مي محمد المنتدى : وهج القسم العام
افتراضي

أقسام الصوفية
أختلف العلماء المتقدمون فى تقسيم الصوفية :
قسمها شيخ الإسلام بن تيمية إلى ثلاثة أقسام :
1 - صوفية الحقائق :وهم المتفرغون للعبادة والذكر ، والزاهدون فى الدنيا .
2 - صوفية الأرزاق : وهم الذين وقفت عليهم الوقوف ويشترط شيخ الإسلام فى هؤلاء الشروط الآتية :
= العدالة الشرعية بحيث يؤدون الفرائض ، ويجتنبون المحارم .
= التأدب بآداب أهل الطريق ، وهى الآداب الشرعية ، أما الآداب البدعية فلا يلتفت إليها .
= ألا يكون أحدهم متمسكا بفضول الدنيا .
3 - صوفية الرسم وهم المقتصرون على المظاهر كاللباس ، والزنار ، ونحوها ، وليس لهم رصيد من العمل ، فيظن الجاهل أنهم منهم وليسوا منهم .
راجع مجموع الفتاوى 11 / 19 - 20
أما الهجويرى صاحب كتاب ( كشف المحجوب ) فيقسم الصوفية إلى ثلاثة أقسام :
1 - الصوفى وهو المتفرغ لعبادة الله ، المتجه إليه ، المتجرد عن العلائق الدنيوية .
2 - المتصوف وهو الذى يجاهد نفسه ويقومها للوصول إلى الدرجة السابقة .
3 - المستوصف وهو من تشبه بهم من أهل المنزلة واجاه والمال ، ولا رصيد له من العمل المخلص ، حتى قيل فيه : المستوصف عند الصوفية كالذباب ، وعند غيرهم كالذئاب .
راجع ( كشف المحجوب للهجويرى ) 1 / 231
أما الرازى فيقسم الصوفية إلى ستة أقسام :
1 - أصحاب العادات وهم الذين يهتمون بتزيين الظاهر ، كلبس الخرقة ، وتسوية السجادة .
2 - أصحاب العبادات وهم المتفرغون للعبادة ، المنقطعون عن الدنيا .
3 - أصحاب الحقيقة وهم الذين إذا فرغوا من الفرائض ، لم يشتغلوا بنوافل العبادات ، بل فى التفكر فى ملكوت الله ، وتجريد النفس عن كل ما يشغلها عن ذكر الله ، فهم حريصون أن لا يخلوا بالهم عن ذكر الله .
4 - النورية وهم القائلون أن الحجاب حجابان نورى ونارى ، أما النورى فالأشتغال باكتساب الصفات المحمودة ، وأما النارى فالأشتغال بالشهوة ، والغضب ، والحرص ، والأمل .
5 - الحلولية وهم قوم يزعمون أنهم قد حصل لهم الحلول أو الأتحاد ،فيدعون دعاوى عظيمة ، وليس لهم من العلوم العقلية نصيب .
6 - المباحية وهم قوم يدعون محبة الله ، ويخالفون شريعته ، ويقولون إن الحبيب رفع عنهم التكاليف ، وهؤلاء شر الطوائف .
راجع ( أعتقادات فرق المسلمين للرازى ) ص 115 - 116
... ونزيد على ما تقدم قسمان أخران من أقسام الصوفية :
الصوفية القائلون بوحدة الوجود كابن عربى ، وابن الفارض ، وابن عجيبة ، وغيرهم من ملاحدة الصوفية .
الصوفية القبورية وهم الذين يزعمون أن للأولياء تصرفا فى الكون ، وأنهم يغيثون من أستغاث بهم ، ويجيبون من توسل إليهم ، ويفرجون الكربات عن من تضرع إليهم ،
هذه الأقسام التى أشار إليها علماء الإسلام لا تختص بزمان معين ، ولا بطريقة معينة من المتصوفة ، بل إن المتصوفة وإن تعددت طرقهم فإنهم متفقون فى المنطاقات ، والوسائل ، والأهداف ...












توقيع :

[img3]http://q87b.info/do.php?img=6324[/img3]


[img3]http://store1.up-00.com/2017-08/150302030675131.png[/img3]

عرض البوم صور مي محمد   رد مع اقتباس
قديم 05-25-2013   المشاركة رقم: 3
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية مي محمد

إحصائية العضو






  مي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond repute
 



التواجد والإتصالات
مي محمد غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : مي محمد المنتدى : وهج القسم العام
افتراضي

نشأة الطرق الصوفية ومعناها ونماذج منها

على الرغم من صعوبة تحديد المراد بالطريقة والوصول لمفهوم موحد لجميع الطرق الصوفية الا اننا سنعرض بعضا من المعاني التي وردت حول الطريقة الصوفية فمنها ان الطريقة الصوفية تعني النسبة او الانتساب الى شيخ يزعم لنفسه الترقي في ميادين التصوف والوصول الى رتبة الشيخ المربي ويدعي لنفسه رتبة صوفية من مراتب الأولياء. كما انها تعنى: ان يختار جماعة من المريدين شيخا لهم يسلك بهم رياضة خاصة بهم على دعوى وزعم تصفية القلب لغاية الوصول الى معرفة الله.

كما وصفها الشيخ الجزائري بقوله انها تعني اتصال المريد بالشيخ وارتباطه به حيا أو ميتا وذلك بواسطة ورد من الأذكار يقوم به المريد بإذن من الشيخ أول النهار وآخره, ويلتزم به بموجب عقد بينه وبين الشيخ, وهذا العقد يعرف بالعهد, وصورته ان يتعهد الشيخ بان يخلص المريد من كل شدة ويخرجه من كل محنة متى ناداه مستعينا به, كما يشفع له يوم القيامة في دخول الجنة. ويتعهد المريد بان يلتزم بالورد وآدابه فلا يتركه مدى الحياة كما يلتزم بلزوم الطريقة وعدم استبدالها بغيرها من سائر الطرق.

والتصريح بضمان الجنة للمريد امر مشهور عندهم وهو اكبر من مجرد الشفاعة يوم القيامة . احد مشايخ الصوفية وهو الشيخ التيجاني يقول: وليس لأحد من الرجال ان يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلا أنا وحدي.

وهناك تنافس محموم بين الطرق الصوفية لجذب المريدين ولذلك فان كل طريقة تحاول ان يكون لها ذكر خاص تنفرد به عن سائر الطرق, وان يكون لهذا الذكر ميزة خاصة ولكل طريقة مشاعر خاصة من حيث لون العلم والخرقة وطريقة الذكر ونظام الخلوة, والطرق يتوارثها الابناء من الآباء وذلك ان الطريقة التي تستطيع جلب عدد كبير من المريدين والتابعين تصبح بعد مدة اقطاعية دينية تفد الوفود الى رئيسها او شيخها من كل ناحية, وتأتيه الصدقات والهبات والبركات من كل حدب وصوب وحيثما حل الشيخ في مكان ذبحت الطيور والخرفان واقيمت الموائد, ولذلك فإن أصحاب الطرق الصوفية اليوم يقاتلون عنها بالسيوف.

والطرق الصوفية وان اختلفت وتباينت فانها تتفق فيما يلي:

* الاحتفال بدخول المريد في الطريقة بطقوس دقيقة مرسومة, وقد يتطلب بعض الطرق من المريد ان يمضي وقتا شاقا في الاستعداد للدخول.

* التقيد بزي خاص, فلابد أن يكون هناك نوع خاص من الزي يمثل رمز أصحاب الطريقة الذي يلبسونه فيميزهم عن غيرهم.

* اجتياز المريد مرحلة شاقة من الخلوة والصلاة والصيام وغير ذلك من الرياضات.

* الاكثار من الذكر مع الاستعانة بالموسيقى والحركات البدنية المختلفة التي تساعد على الوجد والجذب.

* الاعتقاد في القوى السرية الخارقة للعادة التي يكتسبها المريدون بالمجاهدات وهي القوى التي تمكنهم من أكل الجمر, والتأثير على الثعابين, والإخبار بالمغيبات.

* احترام شيخ الطريقة الى درجة التقديس.

نشأة الطرق الصوفية :

وضع أبو سعيد محمد أحمد الميهي الصوفي الإيراني 430هـ أول هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلا عن طريق الوراثة, ويمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي, فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبدالقادر الجيلاني 561هـ .

كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس الرفاعي 540هـ , وفي القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي أحد رؤوس الصوفية 638هـ , واستمرت الصوفية بعد ذلك في القرون التالية إذ انتشرت الفوضى واختلط الأمر على الصوفية لاختلاط افكار المدارس الصوفية وبدأت مرحلة الدراويش.

نماذج من الطرق الصوفية:

[ الطريقة القادرية وتسمى الجيلانية: أسسها عبدالقادر الجيلاني المتوفى سنة 561هـ , يزعم اتباعه انه أخذ الخرقة والتصوف عن الحسن البصري عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضى الله عنهما, كما نسبوا إليه من الأمور العظيمة فيما لا يقدر عليها إلا الله تعالى من معرفة الغيب, وإحياء الموتى وتصرفه في الكون حيا أو ميتا , بالإضافة إلى مجموعة من الأذكار والأوراد والأقوال التي منها: من استغاث بي في كربة كشفت عنه, ومن نادني في شدة فرجت عنه ومن توسل بي في حاجة قضيت له.

[ الطريقة الرفاعية: تنسب إلى ابي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي ويطق عليها البطائحية نسبة إلى مكان ولاية بالقرب من قرى البطائح بالعراق, وجماعته يستخدمون السيوف ودخول النيران في اثبات الكرامات. قال عنهم الشيخ الألوسي "وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين والدولة مبتدعة الرفاعية, فلا تجد بدعة الا ومنهم مصدرها وعنهم موردها فذكرهم عبارة عن رقص وغناء وعبادة مشايخهم".

[ البدوية: وتنسب الى احمد البدوي 634هـ ولد بفاس, حج ورحل الى العراق, واستقر في طنطا حتى وفاته, له فيها ضريح مقصود, حيث يقام له كغيره من اولياء الصوفية احتفال بمولده سنويا يمارس فيه الكثير من البدع والانحرافات العقدية من دعاء واستغاثة وتبرك وتوسل ما يؤدي الى الشرك المخرج من الملة, واتباع طريقته منتشرون في بعض محافظات مصر, ولهم فيها فروع كالبيومية والشناوية واولاد نوح والشعبية وشارتهم العمامة الحمراء.

[ الطريقة الدسوقية: تنسب الى ابراهيم الدسوقي 676هـ المدفون بمدينة دسوق في مصر, يدعي المتصوفة انه احد الاقطاب الاربعة الذين يرجع اليهم تدبير الامور في هذا الكون.

[ الطريقة الأكبرية: نسبة الى الشيخ محيي الدين بن عربي الملقب بالشيخ الأكبر 638هـ, وتقوم طريقته على عقيدة وحدة الوجود والصمت والعزلة والجوع والسهر, ولها ثلاث صفات: الصبر على البلاء, والشكر على الرخاء, والرضا بالقضاء.

[ الطريقة الشاذلية: وهي طريقة صوفية تنسب الى ابي الحسن الشاذلي يؤمن اصحابها بجملة الافكار والمعتقدات الصوفية وان كانت تختلف في اسلوب سلوك المريد او السالك وطرق تربيته, اضافة الى اشتهارهم بالذكر المفرد "الله" او مضمرا "هـ", ويفضلون اكتساب العلوم عن طريق الذوق وهو تلقي الارواح للاسرار الطاهرة في الكرامات وخوارق العادات, كذلك معرفة الله تعالى معرفة يقينية ولا يحصل ذلك الا عن طريق الذوق او الكشف. كما ان من معتقداتهم السماع وهو سماع الاناشيد والاشعار التي قد تصل الى درجة الكفر والشرك كرفع الرسول الى مرتبة ليست موجودة في الكتاب والسنة.

[ الطريقة البكداشية: كان الاتراك العثمانيون ينتمون الى هذه الطريقة, وهي لا تزال منتشرة في البانيا, كما انها اقرب الى التصوف الشيعي, وكان لهذه الطريقة اثر بارز في نشر الاسلام بين الاتراك والمغول.

[ الطريقة المولوية: انشأها الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي 672هـ والمدفون بقونية, اصحابها يتميزون بادخال الرقص والايقاعات في حلقات الذكر, وقد انتشروا في تركيا وغرب آسيا, ولم يبق لهم في الايام الحاضرة الا بعض التكايا في تركيا وحلب وفي بعض اقطار المشرق.

[ الطريقة النقشبندية: تنسب الى الشيخ بهاء الدين محمد بن البخاري الملقب بشاه نقشبند 791هـ وهي طريقة تشبه الطريقة الشاذلية, انتشرت في فارس وبلاد الهند.

[ الطريقة الملامتية: مؤسسها ابوصالح حمدون بن عمار المعروف بالقصار 271هـ اباح بعضهم مخالفة النفس بغية جهادها ومحاربة نقائصها, وقد اظهر الغلاة منهم في تركيا حديثا بمظهر الاباحية والاستهتار وفعل كل امر دون مراعاة للأوامر والنواهي الشرعية.

[ الطريقة التيجانية: طريقة صوفية يؤمن أصحابها بجملة الأفكار والمعتقدات الصوفية ويزيدون عليها الاعتقاد بامكانية مقابلة النبي مقابلة مادية واللقاء به لقاء حسيا في هذه الدنيا, وان الرسول قد خصهم بصلاة "الفاتح" التي تحتل لديهم مكانة عظيمة ـ وكنا قد عرضنا لهذه الصلاة أعلى الصفحة ـ هذه الطريقة اسسها ابو العباس احمد التيجاني 1230هـ , الذي ولد بالجزائر ويدعي انه التقى النبي لقاء حسيا ماديا وانه تعلم منه صلاة الفاتح وانها تعدل قراءة القرآن ستة آلاف مرة. ويلاحظ على اصحاب هذه الطريقة شدة تهويلهم للامور الصغيرة وتصغيرهم للامور العظيمة على حسب هواهم ما أدى الى ان يفشو التكاسل بينهم لما شاع بينهم من الأجر العظيم على اقل عمل يقومون به, ويرون ان لهم خصوصيات ترفعهم عن مقام الناس الآخرين من أهمها: ان تخفف عنهم سكرات الموت وان الله يظلهم في ظل عرشه وان لهم برزخا يستظلون به وحدهم. واهل هذه الطريقة كباقي الطرق الصوفية يجيزون التوسل بذات النبي , وقد بدأت هذه الطريقة في مدينة فاس وصار لها أتباع في السنغال ونيجيريا وشمال افريقيا ومصر والسودان.

[ الطريقة الختمية: وهي طريقة صوفية تلتقي مع الطرق الصوفية الاخرى في كثير من المعتقدات مثل الغلو في شخص رسول الله وادعاء لقياه واخذ تعاليمهم واورادهم واذكارهم التي تميزوا بها, عنه مباشرة, هذا الى جانب ارتباط الطريقة بالفكر والمعتقد الشيعي واخذهم من ادب الشيعة وجدالهم. وقد اسس هذه الطريقة محمد عثمان الميرغني ويلقب بالختم اشارة الى انه خاتم الاولياء, ومنه اشتق اسم الطريقة الختمية, كما تسمى الطريقة الميرغنية ربطا لها بطريقة جد المؤسس عبدالله الميرغني المحجوب.. وقد بدأت هذه الطريقة من مكة والطائف, وارست لها قواعد في جنوب وغرب الجزيرة العربية, كما عبرت الى السودان ومصر, وتتركز قوة الطريقة من حيث الاتباع والنفوذ الآن في السودان.. وعلى هذا فان الطريقة الختمية طائفة صوفية تتمسك بمعتقدات الصوفية وأفكارهم وفلسفاتهم حيث تبنوا فكرة وحدة الوجود التي نادى بها ابن عربي وقالوا بفكرة النور المحمدي, واستخدموا مصطلحات الوحدة والتجلي والانبجاس والظهور والفيض وغيرها من المصطلحات الفلسفية الصوفية, واسبغوا على الرسول من الاوصاف ما لا ينبغي ان يكون الا لله تعالى, ويدعي مؤسس الطريقة بانه خاتم الأولياء وان مكانته تأتي بعد الرسول , والطريقة الختمية تهتم باقامة الاحتفالات الخاصة باحياء ذكر مولد النبي واقامة ليالي الذكر أو الحولية.

[ الطريقة البريلوية: وهي فرقة صوفية نشأت في شبه القارة الهندية الباكستانية في مدينة بريلي بالهند ايام الاستعمار البريطاني وقد اشتهرت بمحبة وتقديس الانبياء والأولياء بعامة, والنبي بخاصة. مؤسس هذه الطريقة هو احمد رضا خان 340هـ ولقد سمى نفسه عبدالمصطفى!, ويعتقد أبناء هذه الطائفة بان الرسول لديه القدرة التي يتحكم بها في الكون, ولقد غالوا في نظرتهم إلى النبي حتى اوصلوه الى قريب من مرتبة الألوهية, يقول احمد رضا خان "اي يا محمد لا استطيع ان اقول لك الله, ولا استطيع ان افرق بينكما, فامرك الى الله هو اعلم بحقيقتك" كما ان هذه الطائفة لديها عقيدة الشهود حيث ان النبي في نظرهم حاضر وناظر لافعال العباد في كل زمان ومكان, كما انهم يشيدون القبور ويعمرونها ويتبركون بها, ويؤمنون بالاسقاط وهي صدقة تدفع عن الميت بمقدار ما ترك من صلاة او صيام او سائر العبادات وهي مقدار صدقة الفطر. وأعظم اعيادهم هو ذكرى المولد النبوي. وهم يكفرون المسلمين لأدنى سبب مثل الرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق وشيخ الاسلام ابن تيمية والامام محمد بن عبدالوهاب.

أهم الشخصيات الصوفية :

سنحاول عرض أبرز الشخصيات الصوفية وأكثرها تأثيرا عبر العصور ـ وخصوصا الذين دعوا الى عقيدة الحلول والاتحاد فمن ابرزهم:

* البسطامي (261هـ): هو ابو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي كان جده مجوسيا فاسلم, وهو اول من استخدم لفظ الفناء بمعناه الصوفي الذي يقصد منه الاتحاد بذات الله, يقول د. عبدالرحمن بدوي ـ صوفي معاصر ـ صاحب كتاب تاريخ التصوف الاسلامي: "لقد نصب الله الخلائق بين يدي ابي يزيد وها هي ذا تتحرق الى رؤياه في هذا المقام... لكن لكي يمكنهم ان يروه كان عليه ان يطلب الى الله ان يزين أبا يزيد بوحدانيته ويلبسه انانيته..." وعلى هذا فإن عقيدة البسطامي واضحة فهو اول من سعى في نشر عقيدة الاتحاد بين المسلمين.

* الحلاج (309هـ): هو الحسين بن منصور الحلاج, صوفي فيلسوف, تبرأ منه سائر الصوفية والعلماء لسوء سيرته ومروقه, وهو يدعي الحلول ومعناه حلول الإله فيه أي الله سبحانه وتعالى وتقدس عما يقول, واستمر الحلاج في نشر فكره الحلولي حتى استفحل امره فألقي القبض عليه لتتم مناظرته ومناقشته بحضره القضاة وبعد ان تيقن السلطان (المقتدر) امره امر بقتله.

* الغزالي (450 ـ 505هـ): ابو حامد محمد بن احمد الطوسي الملقب بحجة الاسلام, ولد بطوس من اقليم خرسان, نشأ في بيئة كثرت فيها الآراء والمذاهب مثل علم الكلام والفلسفة, والباطنية, والتصوف, وأورثه ذلك حيرة وشكا , ألف عددا من الكتب أهمها تهافت الفلاسفة والمنقذ من الضلال, واهمها على الاطلاق احياء علوم الدين, ويعد الغزالي رئيس مدرسة الكشف في المعرفة.. ومن جليل اعماله هدمه للفلسفة اليونانية وكشفه لفضائح الباطنية. وفي آخر حياته اقبل على حديث الرسول , وفي هذه المرحلة ألف كتابه "إلجام العوام عن علم الكلام" الذي ذم فيه علم الكلام وطريقته وانتصر لمذهب السلف, ويقال انه رجع عن القول بالكشف وادراك خصائص النبوة,.

* ابن الفارض (566 ـ 632): هو ابو حفص عمر بن علي الحموي الاصل المصري المولد, لقب بشرف الدين, وهو من الغلاة الموغلين في وحدة الوجود, يقول الشيخ الوكيل "ابن الفارض يزعم انه منذ القدم كان الله, ثم تلبس بصورة النفس.. الخ" ونص شيخ الاسلام ابن تيمية على ان ابن الفارض من اهل الالحاد القائلين بالحلول الاتحاد ووحدة الوجود..

* ابن عربي (560 ـ 638هـ): وهو ابو بكر محيي الدين محمد بن علي بن عربي الحاتمي الطائي الاندلسي, الملقب بالشيخ الاكبر عند الصوفية, رئيس مدرسة وحدة الوجود, يعتبر نفسه خاتم الأولياء, استقر في دمشق حيث مات ودفن, وله فيها قبر يزار, طرح نظرية الإنسان الكامل التي تقوم على ان الانسان وحده من بين المخلوقات يمكن ان تتجلى فيه جميع الصفات الالهية اذ تيسر له الاستغراق في وحدانية الله, وهذا يوضح خطورة آرائه ولذلك فقد اتفق علماء الاسلام شرقا وغربا على ذم ابن عربي وآرائه والبعض منهم يحرم النظر في كتبه.

* ابن سبعين (614 ـ 669هـ): هو قطب الدين ابو محمد عبدالحق بن ابراهيم بن محمد بن سبعين الاشبيلي المرسي, احد الفلاسفة المتصوفة القائلين بوحدة الوجود التي يرى انها تعني ان وجود الحق هو الثابت بدءا , وانه مادة كل شيء, والخلق منبثق منه فائض عنه, ولذا يقول ابن تيمية: ان ابن سبعين وان قال بان الوجود واحد فهو يقول بالاتحاد والحلول من هذا الوجه, لان معنى كلامه ان الحق محل للخلق. ويرى ابن سبعين ان الله هو الوجود كله ولا شيء معه الا علمه, والكائنات هي عين علمه. يقول ابن تيمية "هذا من ابطل الباطل واعظم الكفر والضلال".

* العفيف التلسماني (610 ـ 690هـ): هو سليمان بن علي الكومي التلمساني, يلقب بعفيف الدين, يقول عنه الذهبي انه احد زنادقة الصوفية, ويقول ابن كثير "وقد نسب هذا الرجل الى عظائم في الاقوال والاعتقاد في الحلول والاتحاد والزندقة والكفر المحض وشهرته تغني عن الاطناب في ترجمته", ومن اقوال التلمساني الشنيعة التي توضح كفره الحوار الذي دار بينه وبين احد شيوخه قال: القرآن ليس فيه توحيد بل القرآن كله شرك, ومن اتبع القرآن لم يصل الى التوحيد" وكذلك فان من فكر التلمساني الفاسد ما حكاه شيخ الاسلام من ان الشيرازي قال لشيخه التلمساني ـ وقد مر بكلب اجرب ميت ـ فقال: هذا ايضا من ذات الله؟! فقال: وهل ثم خارج عنه!؟ قال ابن تيمية: هذا من اعظم الكفر. وعلى هذا فان الرجل يعد من رواد وحدة الوجود الكبار, ومن المصنفين المكثرين في تقرير هذه العقيدة الفاسدة ونشرها.

* النابلسي (1050 ـ 1143هـ): هو عبدالغني بن اسماعيل الدمشقي النابلسي الحنفي النقشبندي القادري, آمن بالطريقة النقشبندية الذين يؤمنون بعقيدة الفناء ووحدة الوجود.

أقوال بعض الأئمة والعلماء في الصوفية :

* الامام الشافعي: ادرك بدايات التصوف وكان اكثر العلماء والائمة انكارا عليهم, وقد كان مما قاله في هذا الصدد "لو أن رجلا تصوف اول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق".

* الامام احمد بن حنبل: كان للصوفية بالمرصاد فقد قال فيما بدأ الحارث المحاسبي يتكلم فيه وهو الوساوس والخطرات قال احمد: ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون وحذر من مجالسة الحارث وقال لصاحب له: لا أرى لك ان تجالسه.

* الامام ابن الجوزي: كتب كتابا سماه "تلبيس ابليس" خص الصوفية بمعظم فصوله وبيَّن تلبيس الشيطان عليهم ما جعلهم يتخبطون في الظلمات.

* شيخ الإسلام بان تيمية: كان من أعظم الناس بيانا لحقيقة التصوف, وتتبعا لاقوال الزنادقة والملحدين وخاصة ابن عربي والتلمساني وابن سبعين, فتعقب اقوالهم وفضح باطنهم وحذر الامة من شرورهم وقد ذكرنا في هذا الجزء مقاطع مما قاله ابن تيمية.

بعض كبار الصوفية الذين هداهم الله للطريق القويم:

* الدكتور تقي الدين الهلالي: شيخ التوحيد في بلاد المغرب والذي كان صوفيا (تيجانيا) فأكرمه الله بدعوة التوحيد, يقول عن سبب خروجه من الطريقة التيجانية: "لقد كنت في غمرة عظيمة وضلال مبين وكنت أرى خروجي من الطريقة التيجانية كالخروج من الاسلام ولم يكن يخطر لي ببال ان اتزحزح عنها قيد شعرة, وجرت مناظرة حول ادعاء الشيخ التيجاني في انه رأي النبي يقظة, وقد ثبت بطلان ذلك "يمكن الرجوع للمناظرة بكاملها في كتاب (الفكر الصوفي ص 474) وكذلك يذكر انه اجتمع بالشيخ عبدالعزيز بن ادريس واوضح له بطلان الطريقة التيجانية".

* الشيخ عبدالرحمن الوكيل: وكيل جماعة انصار السنة بمصر, صاحب كتاب "هذه هي الصوفية" يقول "كانت لي بالتصوف صلة, وهي صلة العبرة بالمأساة, حيث كان يدرج بي الصبا في مدارجه السحرية وتستقبل النفس كل صروف الاقدار بالفرحة الطروب".

ويضيف "ألا فاسمعوها غير هيابة ولا وجلة, واصغوا الى هتاف الحق يهدر بالحق ان التصوف ادنأ وألام كيد ابتدعه الشيطان ليسخر معه عباد الله في حربه لله ولرسوله, انه قناع كل عدو صوفي للدين الحق, فتش فيه تجد برهمية وبوذية, وزرادشتية, ويهودية ونصرانية ووثنية جاهلية..."

وبعد

ان ما نشاهده اليوم من الصوفية التي عمدت الى تدوين معتقداتها ومناهجها ومن ثم محاولة نشر تلك المعتقدات بشتى الوسائل وخصوصا في عصرنا الحاضر عصر المعلومات والاتصالات فما نشاهده من تكريس لتلك العقيدة والشريعة من خلال طقوسها التي تطالعنا بها الفضائيات وتعج بها الصحف والمجلات على انها من اصول العقيدة والتشريع الاسلامي ما قد يؤدي بالأمة الاسلامية الى التخلف والتقهقر وكيف لها ان تتقدم مع هذه الانحرافات العقدية.. والله من وراء القصد.












توقيع :

[img3]http://q87b.info/do.php?img=6324[/img3]


[img3]http://store1.up-00.com/2017-08/150302030675131.png[/img3]

عرض البوم صور مي محمد   رد مع اقتباس
قديم 05-25-2013   المشاركة رقم: 4
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية مي محمد

إحصائية العضو






  مي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond repute
 



التواجد والإتصالات
مي محمد غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : مي محمد المنتدى : وهج القسم العام
افتراضي

أين الصوفية من الجماعة الإسلامية ؟

ذكر ابن كثير فى البداية والنهاية ج 10 ص 329 .. والخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد ج 8 ص 215 : أن الأمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة كان شديد الإنكار على الصوفية لما فى أقوالهم من البدع والبعد عن القرآن والسنة . وكان يخص بهذا الإنكار الحارث المحاسبى وهو أشهر علماء الصوفية المعاصرين له فى الكوفة . يقول بن كثير إن سبب كراهية الإمام أحمد لصحبة الصوفية أن فى كلامهم عن التقشف وشدة السلوك ما لم يرد به الشرع . ومن التدقيق ومحاسبة النفس ما لم يأت به أمر وكان الأمام أحمد يحذر الحارث المحاسبى ويحذر منه فلما قيل له إن فيما يقول الحارث المحاسبى وفيما يكتب عبرة . رد قائلا : من لم يجد العبرة فى كلام الله ورسوله فلن يجدها فى هذه الكتب . هل سمعت أن مالك أو سفيان الثورى أو الأوزاعى قد كتبوا مثل ذلك عن الخطرات ؟.
ويقول بن الجوزى فى تلبيس أبليس ص 371 :بإسناد عن يونس بن عبد الأعلى قال : سمعت الشافعى يقول لو أن رجلا تصوف أول النهار لا يأتى الظهر حتى يصير أحمق . وعنه أيضا قال : ما لزم أحد الصوفية أربعين يوما فعاد عقله إليه أبدا .
أما عن أعتبار الصوفية فرقة خارجة عن أهل السنة والجماعة ( ولا أقول خارجة عن الإسلام ) فقد كان ذلك مثار جدل .. فريق من العلماء أعتبروها فرقة خارجة عن أهل السنة والجماعة مثلها مثل الشيعة والخوارج والمعتزلة .. وفريق آخر لا يرى فرقا بينهم وبين أهل السنة .يقول الدكتور عثمان موافى فى كتابه التيارات الأجنبية فى الشعر العربى ص 105 : يختلف كثير من الباحثين حول أعتبار الصوفية فرقة من الفرق . ويبدو أن كثيرا منهم لا يذكرها مع الفرق ولكن بعضهم كالرازى مثلا يخالف ذلك ويعتبرها فرقة .
والأمام فخر الدين الرازى فى كتابه أعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 115 يقول : اعلم أن أكثر من قص فرق هذه الأمة لم يذكر الصوفية وذلك خطأ . لأن حاصل قول الصوفية أن الطريق إلى معرفة الله هو التصفية والتجرد من العلائف البدنية وهذا طريق حسن .. وهم فرق .
ومعنى كلامه أن الصوفية تعتبر فرقة مميزة عن أهل السنة لأن لها منهج يختلف وهو التصفية والتجرد من العلائق البدنية .
وللإمام بن حزم كلام فى هذه النقطة فى كتابه الفصل ج 4 ص 140
وعلى كل حال فإن ما يعنينا فى هذا المقام أن كثيرا من العلماء أعتبروا الصوفية فئة مميزة لها أصول تعتمد عليها وتخصها دون سائر أهل السنة والجماعة
فما هى الأصول التى أعتمدت عليها الصوفية وكانت بها مميزة عن أهل السنة والجماعة ؟
1-- الحلول والأتحاد :
وملخص هذه النظرية أن روح الله تعالى تحل فى العبد الصوفى بعد أكتمال العبادة وأرتقاء النفس وسمو الروح . وهى نظرية مأخوذة من البراهما البوذيين وقال بها بعض فلاسفة اليونان وقال بها النصارى بحلول الله فى عيسى -- تعالى الله علوا كبيرا -- . ورائد هذا الأصل القطب الصوفى ( الحلاج ) .
ونظرية الأتحاد قريبة الشبه من نظرية الحلول . جاء فى المعجم الفلسفى ج 1 ص 34 { الأتحاد فى الأصل صيرورة الشيئين المختلفين شيئا واحدا . وله عدة درجات : أدناها الأشتراك البسيط فى أمور عرضية وأعلاها درجة الأتحاد الصوفى ... والأتحاد عند الصوفية شهود وجود واحد مطلق من حيث إن جميع الأشياء موجودة بوجود ذلك الواحد معدومة فى أنفسها }
2-- وحدة الوجود :
وهى نظرية فلسفية قريبة الشبه من نظرية الأتحاد تقوم على أن كل شئ فى الوجود مجتمعا مع بعضه يمثل الله سبحانه وتعالى . بمعنى أن الله كائن ومتحد مع كل الموجودات فى الدنيا من سماء وأرض ونبات وحيوان وجماد ولذلك يقولون : لا موجود على الحقيقة إلا الله بدلا من لا إله إلا الله .ورائد هذه النظرية هو محى الدين بن عربى .
3 -- الحقيقة والشريعة :
فالحقيقة عندهم فهى للمتصوفين وخاصة الأولياء يقول أبو يزيد البسطامى لأهل الشريعة -- أهل السنة -- ( أخذتم علمكم ميت عن ميت . وأخذنا علمنا عن الحى الذى لا يموت ) .ويقول بن عربى ( علماء الرسوم -- يعنى علماء أهل السنة -- يأخذون خلفا عن سلف الى يوم القيامة . أما الأولياء فيأخذون عن الله مباشرة ) المناوى الكواكب الدرية ص 246 .
4 -- الحقيقة المحمدية والنور المحمدى :
آفة الصوفية الغلو فى حب الصالحين والمتصوفين لرجة التقديس . ويبلغ هذا الغلو ذروته بالنسبة لرسول الله صل الله عليه وسلم إذ يجعله بعضهم إلها من دون الله تعالى كما هو موجود عند الجيلى فى كتاب الإنسان الكامل وعند بن عربى فى الفتوحات المكية ص 62 فى مسألة الإنسان الكامل .
وعن طبيعة النور المحمدى يقول البيطار فى النفحات الاقدسية ص 10 :
ولما كانت بشريته نورا محضا كانت فضلاته مقدسة طاهرة ولم يكن لجسمه الشريف ظل كالأجسام الكثيفة . وهذا النور المحمدى هو المعنى بروح الله المنفوخ فى آدم . فروح الله نور محمد ) .
وينقل عمر بن سعيد عن التيجانى فى كتابه رماح حزب الرحيم ص 14 : لما خلق النور المحمدى جمع فى هذا النور جميع أرواح الأنبياء والأولياء جمعا أحديا قبل التفصيل فى الوجود العينى . وذلك فى مرتبة العقل الأول ) .
5 -- الزهد المتطرف :
للزهد جذوره الإسلامية . فقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم ينفق ماله فى سبيل الله لا يبقى إلا ما يكفى أهله وأشتهر ذلك عن الخلفاء الراشدين وعن كثير من الصحابة والتابعين . فلم تكن الدنيا مبلغ همهم وكانوا يتزودون من متاع الدنيا بما يعينهم على أداء الرسالة -- أنظر فى ذلك كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل --
فماذا أحدث الصوفية فى هذه العبادة ؟
لقد غالوا وتطرفوا وأحدثوا فيه ما لم يكن منه ولا تدعو إليه الشريعة فانعزل بعضهم عن التاس فى الصوامع والخلوات ومنهم من يمم نحو الصحراء مثل رهبان النصارى مع أن التوجيه النبوى أن لا رهبانية فى الإسلام
ولقد أندثر هذا النوع من المتصوفة فى العصر الحديث وحل محلهم نوع آخر من المتصوفة يتكسب بصناديق النذور التى أهل - بضم الألف - بها لغير الله .
6 -- أقامة القبور على المساجد :
7 -- الموالد وأعيد الأولياء :
8 -- التوسل بدعاء المقبورين :
9 -- تقديس أولياء الصوفية :
مراتب الأولياء
جعل الصوفيةُ الأولياءَ على مراتب، وذلك بحسب اجتهادهم في دقائق التقوى -وبحسب ما يعتبرونه توفيقًا من الله لهم-، وبذلك تفاوتت مراتبهم في مقامات الولاية، فليس كل المتقين على درجة واحدة. أما من حيث الدرجات، فيجعلون المراتب من الأفضل إلى الأدنى كالتالي]:
القطب الغوث، الذي به يغاث عباد الله وبواسطته تنزل الرحمة، اشتهر منهم أربعة: الإمام عبد القادر الجيلاني، والإمام أحمد الرفاعي والإمام أحمد البدوي والإمام إبراهيم الدسوقي].
ثم الإمامان، وهما كالوزيرين له.
ثم الأربعة الأوتاد الحافظون لجهات الأرض.
ثم السبعة النجباء والحافظون للأقاليم السبعة.-
ثم الأربعون الأبدال الساعون في قضاء حوائج المسلمين، وهم في الشام. وقد ورد فيهم أحاديث مختلف في صحتها منها قول النبي محمد: «الأبدال بالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يُسقَى بهم الغيث، ويُنتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب» 55]
ثم التسعة والتسعون الذين هو مظاهر أسماء الله.
ثم الثلاثمائة والتسعون الأولياء الصالحون من المؤمنين.
وأهل المراتب لا بد من وجودهم في زمان إلى نزول عيسى بن مريم
وسنعقد فصلا مستقلا للحديث عن هذه الأصول












توقيع :

[img3]http://q87b.info/do.php?img=6324[/img3]


[img3]http://store1.up-00.com/2017-08/150302030675131.png[/img3]

عرض البوم صور مي محمد   رد مع اقتباس
قديم 05-25-2013   المشاركة رقم: 5
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية مي محمد

إحصائية العضو






  مي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond repute
 



التواجد والإتصالات
مي محمد غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : مي محمد المنتدى : وهج القسم العام
افتراضي

جاء فى ( جمهرة الأولياء ) للمنوفى 1 / 159 ط مؤسسة الحلبى ما نصه :
إن القوم - يقصد المتصوفة - يرجعون بسند طريقهم إلى الرسول صل الله عليه وسلم ، من حيث أن جبريل عليه السلام نزل بالشريعة أولا ، فلما تقررت ظواهر الشريعة واستقرت ، نزل إليه بالحقيقة المقصودة ، والحكمة المرجوة من أعمال الشريعة ، فخص الرسول بباطن الشريعة بعض أصحابه دون بعض .
ثم يقول فى نفس الصفحة : وأول من أظهر علم القوم ، وتكلم فيه سيدنا على ، وذكر السلسلة الصوفية فى تلقى العلوم اللدنية ، إلى أن وصل إلى الجنيد ، الذى قال عنه أنه صحب الشافعى فى علوم الظاهر ، وأخذ عن خاله السرى سقطى علوم الباطن ، وعن الجنيد أخذ المحاسبى ، ثم أنتشر هذا الطريق أنتشارا لا ينقطع حتى ينقطع عمر الدنيا .
وذكر أبن عجيبة فى ( الفتوحات الإلهية شرح المباحث الأصلية ) شرح الحديث المكذوب على الرسول صل الله عليه وسلم والذى هو ( إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله ، فإذا نطقوا به ، لا ينكره إلا أهل الغرة بالله .
ثم ذكر شرح هذا الحديث المكذوب فقال : قال بعضهم فى شرح هذا الحديث هى أسرار الله يبديها الله إلى أمناء أولياءه ، وسادات النبلاء من غير سماع ولا دراسة ، وهى من الأسرار التى لم يطلع عليها إلا الخواص ، فإذا سمعها العوام أنكروها ، ومن جهل شيئا عاداه .
.... من النصوص السابقة نخرج بالنتائج الآتية :
1 - يقرر المتصوفة عباد القبور أن فى دين الله الذى أرسله للناس كافة حقيقة تختلف عن الشريعة ، وأن هذه الحقيقة نزلت على الرسول بعد تمام الشريعة ، وهذا يخالف ما قرره الله فى الكتاب الكريم ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )
2 - فى النص الأول عند المنوفى أن علم الحقيقة أوحاه الله إلى الرسول بعد كمال الوحى بعلم الشريعة .. بينما يقول أبن عجيبة أن علم الحقيقة أسرار أختص الله بها أولياءه فأيهما أصدق ؟ .
3 - القول بأن الرسول أختص بعلم الحقيقة بعضا من أصحابه دون بعض فيه أتهام للرسول صل الله عليه وسلم أنه كتم العلم عن صحابته وأمته ، وهذا كفر صريح لأن على المسلم أن يعتقد أن الرسول صل الله عليه وسلم قد أدى واجب البلاغ كاملا ، وكذلك كل الأنبياء أدوا واجب البلاغ إلى أقوامهم لم ينقصوا منه شيئا .
المائدة - الآية 67۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
الأعراف - الآية 79فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ
الأعراف - الآية 93فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ۖ فَكَيْ آسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ
هود - الآية 57فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّاأُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ۚ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ
4 - يقول الله سبحانه وتعالى
الأحزاب - الآية 40مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
ويقول الرسول صل الله عليه وسلم : ( لا نبى بعدى ) مسلم مع النووى 12 / 231
هذه النصوص توضح : أن النبوة قد ختمت برسول الله صل الله عليه وسلم ، والدين قد كمل ، والوحى قد أنقطع ، فدعوى الصوفية عباد القبور أن هناك علما لدنيا هو علم الحقيقة قد خصهم الله به من دون سائر خلقه من الصحابة ومن جاء بعدهم أدعاء باطل لا دليل عليه إلا أوهامهم .
5 - أدعائهم أنهم أصحاب علم الحقيقة ، وأنهم بإمتلاك هذا العلم يمكنهم الأستغناء عن الشريعة - فضلا على أنه كذب صريح _ يوقعهم فى الإنكار لمعلوم من الدين بالضرورة ، أن الدين قد كمل وأنه لا توجد علوم تزكى النفس وتطهرها إلا علم الكتاب والسنة الذى بعث به محمد صل الله عليه وسلم ، وأن هذا العلم يقتضى تصديق الرسول فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ، فمن تنكب ذلك فهو من الكافرين .
... ما أشد ضلال القوم وأوهامهم .












توقيع :

[img3]http://q87b.info/do.php?img=6324[/img3]


[img3]http://store1.up-00.com/2017-08/150302030675131.png[/img3]

عرض البوم صور مي محمد   رد مع اقتباس
قديم 05-25-2013   المشاركة رقم: 6
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية مي محمد

إحصائية العضو






  مي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond repute
 



التواجد والإتصالات
مي محمد غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : مي محمد المنتدى : وهج القسم العام
افتراضي

تحقيق قول القبوريون أن طاعة علمائهم بصرف العبادة لغير الله لا تكون شركا إلا فى الأعتقاد ( 1 )

حين النقاش مع عباد القبور فى أن ما يصرفونه من توسل وأستغاثة بالمقبورين هى عبادات ينبغى ألا تصرف إلا لله وحده وان هذا يوقعهم تحت طائلة الإشراك بالله .. كان ردهم أن ما يفعلونه ليس بقصد العبادة وإنا التبرك بهؤلاء الصالحين المقبورين .. وبذلك أخرجوا العبادة عن معناها الشرعى .
والشيخ عبد المجيد الشاذلى يبحث هذه القضية من الناحية الأصولية ليبين الحكم الشرعى فيها :
..............................

تلبيس المرجئة بخصوص طاعة الأحبار والرهبان وتفسيرها بالطاعة في الاعتقاد، وقد وقعوا في عدة سقطات في هذه القضية:
• السقطة الأولى:
أن الإيمان والكفر، والتوحيد والشرك ينعكسان، بمعنى: أن ما لا يتحقق الإيمان بالله ـ وهو الحق ـ إلا به لا يتحقق الإيمان بالباطل ومن ثَمَّ الكفر إلا به، وأن ما لا تتحقق عبادة الله إلا به لا تتحقق عبادة الشياطين والطواغيت والأصنام والملائكة والبشر والأحبار والرهبان والجنّ وظواهر الطبيعة إلا به. وهذه سقطة كبيرة حيث يعكس المعترض على تقرير عقيدة التوحيد في كتاب ”حد الاسلام“.
أقـول: يعكس أي قضيـة فيها خروج عن دين الله بالكفـر والشرك ـ والعياذ بالله ـ إلى ما يتحقق به الإيمان، وهذا أمر لا يصح أن يخطئ فيه صبيان الكتاتيب، لأن الإيمان لا يتحقق إلا: بالإقرار، والتصديق بخبر الله، والإلتزام بشرع الله. فلا يصح أن نقول أن الكفر لا يتحقق إلا إذا انضاف الإلتزام بالشرائع الكفرية إلى الإقرار بصحتها والتصديق بخبرها، لأن الكفر يتحقق بمجرد الشك، أو التكذيب، أو الجحد منفردًا، أو الامتناع عن القبول والرد منفردًا، وقد قال العلماء: أن من تكلم بالإيمان ولم يمض فيه عزيمة لا يؤمن، ومن تكلم بالكفر ولم يمض فيه عزيمة كفر بذلك، فالأمر لا ينعكس أبدًا. فقد قرر الكاتب في اعتراضه قضية الانعكاس هذه مرارًا وهي خطأ فاحش، فوقع في نفس الخطأ عندما قاس عبادة غير الله على عبادة الله عزَّ وجلّ، وأن ما لا يتحقق الإيمان أو العبادة إلا به إذا كان لله عزَّ وجلّ لا يتحقق الكفر إلا به إذا كان لغير الله عزَّ وجلّ وهو خطأ فاحش، فالمشركون أقروا بأن آلهتهم لا تخلق ولا ترزق ولا تهدي، وإنما يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى، وسميت عبادتهم لها عبادة، فهل إذا فعل المسلم ذلك مع الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا تسمى عبادته له عبادة؟!.
وكما قلنا أن الأمر لا ينعكس بين الإيمان والكفر، فهو كذلك لا ينعكس بين الإسلام والشرك، فكما قال العلماء: أن من تكلم بالإيمان ولم يمض فيه عزيمة لا يكون مسلمًا، ومن تكلم بالكفر ولم يمض فيه عزيمة كفر بذلك. والمفروض على حسب قاعدة الانعكاس ألا يكفر إلا بإمضاء العزيمة فيه. وهو خطأ فَعُلِمَ بطلان هذه القاعدة. فعبادة الله عزَّ وجلّ لابد فيها من الحب والخوف والرجاء والتعظيم والطاعة، وعبادة غير الله تقع بواحد من ذلك فقط، فيكون الشرك في الحب، أو في الطاعة، أو في التعظيم، أو في صرف حق الله الخالص إلى غيره، أو في مطلق القصد.
• السقطة الثانية:
قولهم عن آية التوبة في طاعة الأحبار والرهبان: أنها تحكي عن انحراف قوم، وليست قاعدة مقررة لأصل من أصول الدين.
ونقـول: الآية في معرض التقرير لأصل الدين لأنها دخلت في جميع التفاسير في تفسير آية آل عمران: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)([1])، وهي الآية التي أرسل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه بها إلى الإسلام، فهي داخلة في صلب عقيدة التوحيد، وآية آل عمران في توحيد العبادة الذي هو مستلزم لتوحيد الاعتقاد وقوله: (وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا ) عطف للخاص على العام في النهي عن شرك العبادة، فآية التوبة والحديث المفسِّر لها في بيان شرك العبادة، وليس شرك الاعتقاد في طاعة الأحبار والرهبان في التحليل والتحريم، وهكذا ذكرها العلماء دومًا في الاستدلال على شرك الطاعة، أو على شرك الانقياد، أو شرك العبادة المنافي لحقيقة الإسلام، وليس في بيان شرك الاعتقاد، أو فساد الاعتقاد المنافي لحقيقة الإيمان. ودائمًا حقيقة الإيمان بمعناه الخاص هي: تصديق الخبر والمُخْبِر، وحقيقة الإسلام بمعناه الخاص: قبول الحكم، والإسلام مستلزم للإيمان والإيمان مستلزم للإسلام، ومن حيث استلزام الإيمان للإسلام واستلزام الإسلام للإيمان دخل الإسلام في معنى الإيمان عند الإطلاق، فشمل معنى الإيمان تصديق الخبر وقبول الحكم، فقبول الحكم من غير الله شرك ينافي حقيقة الإسلام أي: ينافي إفراد الله عزَّ وجلّ بالطاعة والعبادة، وليس تكذيبًا ينافي حقيقة الإيمان بمعناه الخاص وهو لا ينافي حقيقة الإيمان إلا من حيث دخول حقيقة الإسلام في حقيقة الإيمان لاستلزامها إياها، وعندئذٍ يكون المعنى الشرعي للإيمان هو: إذعان لحكم المخبر وقبوله.
يقول القسطلاني عن الإيمان الذي هو ملاك الأمر كله، وبه تقبل وتصح الأعمال، وهو أول ما يجب على المكلف يقول عنه: «هو لغةً: التصديق، وهو كما قاله التفتازاني: إذعان لحكم المُخْبِر وقبوله، فليس حقيقة التصديق أن تقع في القلب نسبة التصديق إلى الخبر أو المُخْبِر من غير إذعان أو قبول لذلك، بل لابد فيه من الإذعان والقبول بحيث يقع عليه اسم التسليم، على ما صرَّح به الإمام الغزالي. والإسلام لغةً: الانقياد والخضوع، ولا يتحقق ذلك إلا بقبول الأحكام والإذعان وذلك حقيقة التصديق كما سبق. قال تعالى: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)([2])، فالإيمان لا ينفك عن الإسلام فهما متحدان في التصديق وإن تغايرا بحسب المفهوم، إذ مفهوم الإيمان: تصديق القلب، ومفهوم الإسلام: أعمال الجوارح». أهـ.
فقبول حكم غير الله: ترك لحكم الله، وردّ له، وبديل عنه ورغبة عن شرع الله إلى غيره، أو عَدْله به، فإذا خوطب أحد بذلك وأُلزم به هل يرضى بذلك ويتابع عليه ولا حرج عليه في ذلك إذا كان اعتقاده صحيحًا؟! أم لابد أن يرفض ولا يقبل، وإذا عجز عن ردِّ ذلك عن نفسه للاستضعاف فهل ينشرح صدره بذلك ويركن ويستكين؟! أم هل يكره بقلبه ويعتزل من أكرهه على ذلك ولا يشايعه بالعمل؟!. فالقضية قضية القبول الذي هو معنى العبادة، والإسلام لله وحده أو لغيره معه، أو من دونه، وليست قضية الاعتقاد، وهذا هو معنى شرك العبادة، وشرك الطاعة في آية التوبة وحديث عديّ بن حاتم المفسِّر لها، فالإسلام والعبادة معناهما: قبول الأحكام والإذعان، أو كما قال القسطلاني: معناهما: الانقياد والخضوع الذي لا يتحقق إلا بقبول الأحكام. والإذعان والإسلام والعبادة لابد وأن يكون لله وحده، كما قال ابن تيمية: «من استسلم لله ولغيره فهو مشرك ومن ردَّ الاستسلام فهو مستكبر وكلاهما كافر. والإسلام لله وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده».
وإذا كان الإسلام والطاعة لابد أن يكونا لله وحده، فالقبول للأحكام والإذعان لابد وأن يكون لله وحده، فمن قبل الأحكام من غيره فهو مشرك في العبادة والإسلام، ولذلك وجب على من خوطب بأحكام بديلة عن شرع الله أن يرفض ولا يتابع على التبديل، فإذا لم يسعه رد ذلك عن نفسه للاستضعاف فليكره بقلبه ويعتزل المكرِه ولا يشايعه بالعمل، وبهذا يتحقق الرفض في أدنى درجاته وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. ومن هذا يتضح أن قول العلماء عمن أطاع في معصية، واعتقاده ثابت في التحريم والتحليل الذي جاء به الشرع أنه لا يكفر، تمييزًا له عمن أطاع في التبديل بقبول الأحكام البديلة عن شرع الله، والمعصية لا يكفر مرتكبها إلا إذا استحل بتغير الاعتقاد، أو بالامتناع عن قبول حكم الله بالتحريم، وقبول حكم غيره البديل عن حكمه امتناع عن حكمه أو عدل به وكلاهما كفرٌ والعياذ بالله بأي منها وبه يتحقق الاستحلال.
والتشريع أمر منفصل عن المعصية قد تقترن به وقد تنفصل عنه، ويكون نفس التشريع هو الممنوع حتى لو لم تقترن به معصية، فإذا كان شوب تشريع فإن اتباعه بدعة، وإذا كان تشريعًا مطلقًا فإن الإتيان به أو قبوله من الغير والرضى به والمتابعة على ذلك كفرٌ يخرج عن الملة بالشرك في العبادة والإسلام.
يقول الإمام الشاطبي ([3]): «ثبت في الأصول الشرعية أنه لابد في كل عادي من شائبة التعبد، لأن ما لم يعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنهي عنه فهو المراد بالتعبدي، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي، فالطهارات والصلوات والصيام والحج كلها تعبدي، والبيع والنكاح والشراء والطلاق والإجارات والجنايات كلها عادي، لأن أحكامها معقولة المعنى ولابد فيها من التعبد إذ هي مقيدة بأمور شرعية لا خيرة للمكلف فيها كانت اقتضاءًا أو تخييرًا، فإن التخيير في التعبدات إلزام كما أن الاقتضاء إلزام حسبما تقرر برهانه في كتاب ”الموافقات“ وإذا كان كذلك فقد ظهر اشتراك القسمين في معنى التعبد، فإن جاء الابتداع في الأمور العادية من ذلك الوجه صحّ دخوله في العاديات كالعبادات وإلا فلا.
وهذه هي النكتة التي يدور عليها حكم الباب ويتبيّن ذلك بالأمثلة فمما أتى به القرافي وضع المكوس في معاملات الناس فلا يخلو هذا الوضع المحرم أن يكون على قصد حجر التصرفات وقتًا ما أو في حالة ما لنيل حطام الدنيا على هيئة غصب الغاصب وسرقة السارق وقطع القاطع للطريق وما أشبه ذلك أو يكون على قصد وضعه على الناس كالدين الموضوع والأمر المحتوم عليهم دائمًا أو في أوقات محدودة على كيفيات مضروبة بحيث تضاهي المشروع الدائم الذي يحمل عليه العامة ويؤخذون به وتوجه على الممتنع منه العقوبة كما في أخذ زكاة المواشي والحرث وما أشبه ذلك. فأما الثاني فظاهر أنه بدعة إذ هو تشريع زائد وإلزام للمكلفين يضاهي إلزامهم الزكاة المفروضة والدِّيات المضروبة والغرامات المحكوم بها في أموال الغصاب والمتعدين بل صار في حقهم كالعبادات المفروضة واللوازم المحتومة أو ما أشبه ذلك، فمن هذه الجهة يصير بدعة بلاشك لأنه شرع مستدرك وسنٌّ في التكليف مهيع، فتصير المكوس على هذا الفرض لها نظران: نظر من جهة كونها محرمة على الفاعل أن يفعلها كسائر أنواع الظلم. ونظر من جهة كونها اختراعًا لتشريع يؤخذ به الناس إلى الموت، كما يؤخذون بسائر التكاليف. فاجتمع فيها نهيان: نهيٌّ عن المعصية، ونهيٌّ عن البدعة. وليس ذلك موجودًا في البدع في القسم الأول ـ العبادات ـ وإنما يوجد به النهيّ من جهة كونها تشريعًا موضوعًا على الناس أمر وجوب أو ندب إذ ليس فيه جهة أخرى يكون بها معصية بل نفس التشريع هو نفس الممنوع». أهـ.
وواضح الآن أن طاعة الأحبار والرهبان أو غيرهم، قد يكون فيها وجهان وقد يكون فيها وجه واحد. وجهان من حيث هي معصية، وتشريع مطلق بديل عن شرع الله، ووجه واحد من حيث هي تشريع مطلق بديل عن شرع الله فقط، ولا يكون فيه جهة أخرى يكون بها معصية. فمن حيث هي معصية فقط فإن مرتكب المعصية لا يكفر إلا بتغير الاعتقاد، أو بالامتناع عن قبول حكم الله: إما بالتحريم، أو الوجوب استحلالاً، أو إباءً من قبول الفرائض، فمن وقع في المعصية فقط ولم يقبل الشرع البديل فهذا شأنه.
وقد لا يكون فيها معصية بل يكون نفس التشريع هو نفس الممنوع، فمن هذا الوجه فإن قبول التشريع المطلق البديل عن شرع الله كفر يخرج عن الملة، وقد يقع في الوجهين فيكون للمعصية حكمها، ولقبول الشرع البديل حكمه.
•وبهذا تتبيَّن السقطة الثالثة للمرجئة في هذا الموضوع وهي: عدم قدرتهم على تمييز وصف المعصية من وصف المتابعة على التبديل إذا تداخلا في فعل واحد، وظنهم أن المتابعة على التبديل معصية لا يكفر صاحبها إلا بالاستحلال شأن سائر المعاصي، وعدم إدراكهم أنها من الشرك الذي يكفر مرتكبه. قال البخاري: المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر مرتكبها إلا بالشرك.












توقيع :

[img3]http://q87b.info/do.php?img=6324[/img3]


[img3]http://store1.up-00.com/2017-08/150302030675131.png[/img3]

عرض البوم صور مي محمد   رد مع اقتباس
قديم 05-25-2013   المشاركة رقم: 7
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية مي محمد

إحصائية العضو






  مي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond repute
 



التواجد والإتصالات
مي محمد غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : مي محمد المنتدى : وهج القسم العام
افتراضي

• السقطة الرابعة:
عدم إدراكهم أو فهمهم لأصل الدين وعلاقة الآية به ولذلك عزلوها عنه، وأصل الدين كما سبق أن بيَّناه في كلام القسطلاني: «هو الإيمان الذي هو أول ما يجب على المكلف، وبه تقبل وتصح الأعمال، ومعناه التصديق: الذي هو ليس نسبة الصدق إلى الخبر أو المُخْبِر فقط، بل لابد فيه من إذعان لحكم المُخْبِر وقبوله، بحيث يقع عليه اسم التسليم، كما صرَّح به الغزالي. والإسلام لغةً: الانقياد والخضوع، ولا يتحقق ذلك إلا بقبول الأحكام وذلك حقيقة التصديق قال تعالى: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)([1])، فالإيمان لا ينفك عن الإسلام حكمًا فهما يتحدان في التصديق وإن تغايرا بحسب المفهوم، إذ مفهوم الإيمان تصديق القلب ومفهوم الإسلام أعمال الجوارح». أهـ.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن أصل الدين في ”الصارم المسلول“([2]) وفي ”إقتضاء الصراط المستقيم“: «الثاني: أن الإيمان وإن كان يتضمن التصديق فليس هو مجرد التصديق، وإنما هو الإقرار والطمأنينة وذلك لأن التصديق إنما يعرض للخبر فقط، أما الأمر فليس فيه تصديق من حيث هو أمر. وكلام الله خبرٌ وأمرٌ، فالخبر يستوجب التصديق للمخبر، والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام لله.
إلى أن يقول: فإن الإيمان بحسب كلام الله ورسالته وكلام الله ورسالته يتضمن أخباره وأوامره، فيصدق القلب أخباره تصديقًا يوجب حالاً في القلب بحسب المصدَّق به، والتصديق هو من نوع العلم والقول، وينقاد لأمره ويستسلم وهذا الانقياد والاستسلام هو من نوع الإرادة والعمل، ولا يكون مؤمنًا إلا بمجموع الأمرين فمن ترك الانقياد كان مستكبرًا فصار من الكافرين وإن كان مصدقًا.
فالكفر أعم من التكذيب يكون: تكذيبًا، وجهلاً، ويكون استكبارًا، وظلمًا. ولهذا لم يوصف إبليس إلا بالكفر والاستكبار دون التكذيب، ولهذا كان كفر من يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس، وكان كفر من يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلالاً وهو الجهل. ألا ترى أن نفرًا من اليهود جاءوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وسألوه عن أشياء فأخبرهم فقالوا: نشهدُ أنَّك نبيٌّ ولم يتبعوه، وكذلك هرقل وغيره فلم ينفعهم هذا العلم وهذا التصديق. ألا ترى أن مَن صدَّق الرسولَ صلى الله عليه وسلم بأن ما جاء به هو رسالة الله وقد تضمنت خبرًا وأمرًا، فإنه يحتاج إلى مقام ثان: وهو تصديقه خبر الله وانقياده لأمر الله. فإذا قال أشهد أن لا إله إلا الله فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمره، وأشهد أن محمدًا رسول الله تضمنت تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند الله. فبمجموع هاتين الشهادتين يتم الإقرار، فلما كان التصديق لابد منه في كلا الشهادتين ـ وهو الذي يتلقى الرسالة بالقبول ـ ظنَّ مَنْ ظنَّ أنه أصل لجميع الإيمان وغفل عن أن الأصل الآخر لابد منه وهو الانقياد». أهـ.
ويقول([3]): «والشهادة بأن محمدًا رسول الله تتضمن: تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر. إلى أن يقول: وعليهم أن يفعلوا ما أمرهم به وأن ينتهوا عما نهاهم عنه، ويحللوا ما أحله ويحرموا ما حرَّمه، فلا حرام إلا ما حرَّم الله ورسوله، ولا دين إلا ما شرَّعه اللهُ ورسولُهُ. ولهذا ذمَّ المشركين في سورة ”الأنعام“ و”الأعراف“ وغيرهما لكونهم حرَّموا ما لم يحرِّمه اللهُ، ولكونهم شرَّعوا دينًا لم يأذن به اللهُ كما في قوله تعالى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا)([4])، إلى آخر السورة. وما ذكر الله في صدر سورة ”الأعراف“ وكذلك قولـه تعالـى: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه)([5]).
إلى أن يقول: كما قال عز وجل: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)([6])، وكان من شركهم أنهم أحلُّوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرَّموا عليهم الحلال فأطاعوهم وقد قال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون)([7])، فقرن بعدم إيمانهم بالله واليوم الآخر أنهم لا يحرمون ما حرَّمه اللهُ ورسولُه ولا يدينون دينَ الحقِّ، والمؤمنون صدقوا الرسول فيما أخبر به عن الله وعن اليوم الآخر فآمنوا بالله واليوم الآخر، وأطاعوه فيما أمر ونهى وحلَّل وحرَّم فحرموا ما حرَّم اللهُ ورسوله ودانوا دين الحقِّ.
إلى أن يقول: ولفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والانقياد، ويتضمن الإخلاص مأخوذ من قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُل)([8])، فلابد في الإسلام من الاستسلام لله وحده وترك الاستسلام لما سواه، وهذا حقيقة قولنا: «لا إله إلا الله» فمن استسلم لله ولغير الله فهو مشرك، واللهُ لا يغفر أن يشرك به، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر عن عبادته وقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين)([9]).
إلى أن يقول: فاليهود موصوفون بالكبر، والنصارى موصوفون بالشرك قال الله تعالى في نعت اليهود: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُم)([10])، وقال في النصارى:(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)([11]).
إلى أن يقول: ولما كان أصل الدين الذي هو دين الإسلام واحدًا وإن تنوعت شرائعه قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إنَّا معاشر الأنبياء ديننا واحدٌ»، و«الأنبياء أخوة لعلات»، فدينهم واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو يعبد في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت وذلك هو دين الإسلام في ذلك الوقت. وتنوع الشرائع في الناسخ والمنسوخ من المشروع كتنوع الشريعة الواحدة، فكما أن دين الإسلام الذي بعث اللهُ به محمدًا صلى الله عليه وسلم هو دين واحد مع أنه قد كان في وقت يجب استقبال بيت المقدس في الصلاة وبعد ذلك يجب استقبال الكعبة ويحرم استقبال الصخرة، فالدين واحد وإن تنوعت القبلة في وقتين من أوقاته. ولهذا شرع اللهُ لبني إسرائيل السبت، ثم نسخ ذلك وشرع لنا الجمعة، فكان الاجتماع يوم السبت واجبًا إذ ذاك، ثم صار الواجب هو الاجتماع يوم الجمعة وحرم الاجتماع يوم السبت، فمن خرج عن شريعة موسى قبل النسخ لم يكن مسلمًا، ومن لم يدخل في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد النسخ لم يكن مسلمًا». انتهى بتصرف يسير.
فالأمر كما سبق أن قلنا أنه لا يسع أحدًا الخروج عن شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الدين المنسوخ أو المبدل أو إلى الشريعة المنسوخة أو المبدلة، فلا يسع أحدًا الخروج عن الكعبة إلى الصخرة، ولا عن الجمعة إلى السبت فيما يعبد به الله عزَّ وجلّ ، ولا يسع أحدًا الخروج عن قطع يد السارق إلى عقوبة أخرى، أو عن رجم الزاني المحصن إلى الجلد والتحميم، أو إلى اعتبار الزنا ليس جريمة إلا إذا كان إغـواءً لقاصر أو اغتصابًا أو إتجارًا ـ دعارة ـ أو خيانة زوجية ووراء ذلك يكون مباحًا لا جريمة فيه ولا عقوبة عليه فمن خرج عن هذا إلى هذا كفر. والخروج الأول فردي فيما يعبد به الله وهو عيني، والخروج الآخر جماعي فيما يقيم القسط بين الناس. وكلا الأمرين خروج كما فعل اليهود عندما قالوا: تعالوا نجتمع على أمر نجعله في الشريف والوضيع فينا فاجتمعوا على الجلد والتحميم، فمن خوطب بذلك ممن لهم الأمر والنهي عليه فقبل ذلك منهم وتابع عليه ورضي به فهو منهم وإن لم يحضر اتفاقهم، ومن دخل في اتفاقهم فهو منهم من باب أولى. ومن خوطب بذلك فكـرهه ولم يرضـه وإن خضـع له بحكم استضعافه ـ لتعذر الانتقال وعدم استطاعة تغيير الحال ـ فهو لم يقبل شرعًا غير شرع الله ولم يطع أحدًا في تحليل ما حرَّم الله وتحريم ما أحلَّه اللهُ عزَّ وجلّ فهو على إيمانه. والأمر هنا ليس فيه معصية زنا أو أي نوع من أنواع المعصية الأخرى، وإنما نفس التشريع هو نفس الممنوع كبديل عن شرع الله، ونفس القبول للبديل هو الممنوع وإن لم يتضمن أمرًا لمعصية معينة حتى يقال: أن فعل المعصية ينقسم. والخروج عن الشريعة في الفعل العيني أو في الفرض العيني راجع إلى فعل الإنسان فيما يقدر عليه، والخروج عن الشريعة في الفرض الكفائي راجع إلى قبول الإنسان من الغير هذا الخروج، وإقامة النظام الذي يحققه. فشرع غير الله عزَّ وجل يضع للناس أحكامًا وتكاليف يخرجهم بها عن شرع الله وتكاليفه، فمن قبل فقد كفر ومن خضع مكرهًا فَقَدْ عجز عن إقامة الفرض الكفائي الذي أمره الله به مع غيره لقطع يد السارق ورجم الزاني لأنه مخاطب به من الله مع غيره من المؤمنين كفرض كفائي عليهم حيث وجَّه اللهُ سبحانه وتعالى الخطاب إلى المؤمنين كفرض كفائي عليهم ولم يوجهه إلى الإمام أو الأمير حسبما دلت عليه النصوص الآمرة بذلك. وإذا كان قد فُرِضَ عليه الخروج عن الشرع فهو كاره لذلك منكر له كإنكاره لمن يفرض عليه التوجه إلى الصخرة بعد نسخها أو الاجتماع في السبت بعد نسخه، ولكن الأخير في مقدوره الامتناع عنه لأنه عيني وإن كلفه ذلك حياته، والآخر ليس في مقدوره الامتناع عنه لأنه كفائي. أما أن يقال: أن الإنسان لا يكتفي بالخضوع المُكْرَه عليه ولكن قد يفعل ذلك غير كاره ولا منكر ويكون مسلمًا إذا اعتقد بطلان ما يفعله ولم يستحله فهذا هو التلبيس والضلال الذي ليس بعده ضلال.
وفي هذا الكفائي يأتي قـول الله عز وجل: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون)([12])، وقوله تعالى:(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)([13])، وقوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )([14])، وغير ذلك من الآيات.
فالمسلم لا يرد أمر الله عليه، ولا يأتي بتبديل الشرائع من نفسه أي لا يرجع عن الشرع المحكم إلى الشرع المبدل أو المنسوخ ولا يُخاطَب بذلك من غيره فيقبله ويعمل به عن رضى وطواعية دون كره لذلك وإنكار. وقبول الدين المبدل أو المنسوخ، أو الشرع المبدل أو المنسوخ من الغير هو تفسير الآية: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا ).
وإذا كانت الآية متصلة بأصل الدين كما وضحنا، فإن القول بأن العبادة هي الطاعة في الاعتقاد أمر واضح البطلان، لأنه لو كان كذلك لكان تفسير الآية بطاعة الأحبار والرهبان في قولهم بشأن عيسى وأمه أولى من طاعتهم في اعتقاد حل صيد أو ذبيحة أو طعام أو شراب وأين هذا من ذاك، وإذا فرضنا جدلاً تفسير الآية بالطاعة في الاعتقاد في شأن الحلال والحرام من الطعام والشراب وغيره لكان المفروض أن تصفهم آيات القرآن بعبادة الأحبار والرهبان في كل المناسبات التي فيها طاعة في الاعتقاد في كل ما ضلُّوا فيه بشأن عيسى u من قولهم: أنه الله، وأنه ابن الله، وأنه ثالث ثلاثة، وأنه وأمه إلهين من دون الله، وقد تكرر ذكر هذا الضلال في القرآن كثيرًا، ولم يقل أن الإتباع فيه عبادة بل وصفه دائمًا بوصف الضلال (وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)([15])،ولم يذكر مرة واحدة أن إتباع القوم لأحبارهم في هذا الضلال عبادة، كما لم يذكر مرة واحدة أن إتباع المشركين لآبائهم في عبادة الأصنام وإنكار البعث عبادة للآباء مع ذكر هذا الإتباع في القرآن مرارًا.
والذي ذكر في الحديث هو الاستحلال، والاستحلال لا يقتصر على الاعتقاد، بل الاستحلال كما عرفه شيخ الإسلام ابن تيمية يكون لخلل في الربوبية، ويكون لخلل في الألوهية مع صحة الاعتقاد، وقوله مشهور في كتابه ”الصارم المسلول“، يقول([16]): «وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر باتفاق. فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وكذلك لو استحلها من غير فعل، والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرَّمها وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة، ويكون جحدًا محضًا غير مبني على مقدمة، وتارة يعلم أن الله حرَّمها ويعلم أن الرسول إنَّما حرَّم ما حرَّمه الله ثم يمتنع عن إلتزام هذا التحريم ويعاند المحرم فهو أشد كفرًا ممن قبله. وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذَّبه، ثم إنَّ هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمردًا أو اتباعًا لغرض النفس وحقيقته كفر. هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه... إلخ». أهـ.
والاستحلال منه ما يتعلق بالخلل في الاعتقاد، ومنه ما يتعلق بالخلل في العبادة. وصورة الامتناع عن إلتزام التحريم هي الصورة المتعلقة بالخلل في العبادة، والوصف المذكور في الحديث المفسر للآية هو وصف العبادة: «فتلك عبادتكم إياهم». فواضح جدًا أن يكون المراد من معنى العبادة لهم هي صورة الاستحلال المتعلقة بلفظ العبادة وهي الامتناع عن إلتزام حكم الله بالتحريم أو بالتحليل بإلتزام حكم غيره على خلاف حكمه، وإذا كانت صور الاستحلال الأخرى داخلة في معنى العبادة فهي تدخل فيها بالتلازم وليس بالمطابقة، فلا يصح أن يخرج عن لفظ العبادة معناها بالمطابقة إذا دخل فيها معنى الاعتقاد باللزوم، وما يقال عن الاعتقاد أنه عبادة خطأ لتغاير المعنى، فالعبادة أمر إرادي قصدي طلبي، والاعتقاد أمر خبري علمي معرفي. وإنما يقال عن الاعتقاد: العبودية المتعلقة بالربوبية، ويقال عن العبادة: العبودية المتعلقة بالألوهية. وذكر الأرباب في الآية ليس مناقضًا لتفسير الرسول الكريم لفعلهم بالعبادة، بل المقصود أنه لا يُعبد إلا من كان ربًّا، فمن عبد ما ليس بربٍّ فكأنما أعطاه صفة الربوبية كما قال القرطبي: أنزلوهم منزلة الأرباب بقبول أوامرهم ونواهيهم.
وما يذكر عن أوصاف أخرى لفعل القوم مع الأحبار والرهبان يراد تعليق الحكم بها فهو خطأ لأنها أوصاف منفية أو ملغاة كالذي شقَّ ثوبه وجعل التراب على رأسه يصيح يقول واقعت امرأتي في نهار رمضان فقال له الرسول الكريم: «عليك الكفارة». فالمناط هو الطاعة في تبديل الشرائع كما قال ابن تيمية، وليس في الاعتقاد، ولا في المعاصي سواء كانت هذه الطاعة لمن لهم صفة السلطان الديني أو الدنيوي والمتابعة على هذا التبديل. فإباحة المشرع الوضعي للخمر مثلاً تتضمن الخروج من كل مقتضيات الحظر التي بقيت ـ موافقة للشريعة الإسلامية ـ للمخدرات إلى مقتضيات الإباحة والذي يبيـح الخمر يحـرم عليك:
1- تحريمها على الناس ويعتبر ذلك تغييرًا لدستور الدولة بالقوة.
2- ويحرم عليك إهدارها واعتبارها مالاً غير متقوم.
3- ويحرم عليك تحريق أماكن تعاطيها.
4- ويحرم عليك تغيير المنكر باليد فيها.
5- ويحرم عليك الإخلال بإلتزاماتك القانونية تجاه سلعة أباح القانون تداولها وتعاطيها.
6- ويحرم عليك التسبب في إخلال الغير بإلتزاماته التعاقدية إزاءها.
وهذه كلها مقتضيات الإباحة فلا يمكن للإنسان أن يقول أنا أحرمها في مجال القاعدة الدينية ولا أطيع أحدًا في إباحتها دينًا سواء شربتها أم امتنعت عن ذلك تدينًا، ولا شأن لي بما سوى ذلك لأنَّا نقول: إن الذي يبيحها في مجال القاعدة القانونية قد يكون هو نفسه محرمًا لها في مجال القاعدة الدينية، وقد لا يشربها تدينًا بينما يحرم المخدرات في مجال القاعدة الدينية والقانونية معًا. فلا يحرم تحريمها، ولا يحرم إهدارها، واعتبارها مالاً غير متقوم، ولا يحرم تغيير المنكر باليد فيها، ولا يحرم تحريق أماكن تعاطيها ومطاردة أهلها، ولا يبيح زراعتها، ولا صنعها، ولا نقلها، ولا بيعها، ولا استيرادها ولا تصديرها، ولا شحنها، ولا التخليص عليها، ولا نقلها برًا أو بحرًا استيرادًا أو تصديرًا بإجراءات نقل جوي أو بحري أو بري، وإجراءات جمارك وتخليص وخلافه، ولا يلزم أحدًا بإلتزامات قانونية تجاه هذه الإباحة بل يحرم المعاونة على ذلك ويعاقب عليه ولا يحرم عليك التسبب في إخلال الغير بإلتزاماته التعاقدية تجاهها، والذي يفعلونه كمقتضيات لحظر المخدرات هو نفسه وبعينه مقتضيات الحظر للخمر في الشريعة الإسلامية سواء بسواء التي أخرجنا عنها المشرع الوضعي إلى مقتضيات الإباحة. وبقيت المخدرات في مقتضيات الحظر التي كانت لها في الشريعة الإسلامية لتكون شاهدًا على التبديل بالمقارنة، فمن يقول أن طاعة المشرع الوضعي في إباحة الخمر، وأن قبول تحريم تحريمها، وتحريم إهدارها، وتحريم اعتبارها مالاً غير متقوم، وتحريم تحريق أماكن تعاطيها، وتحريم تغيير المنكر باليد فيها، وتحريم الإخلال بالإلتزامات القانونية تجاهها، وتحريم التسبب في إخلال الغير بإلتزاماته التعاقدية تجاهها لا يكون استحلالاً لها، ولا عبادة لغير الله في التحليل والتحريم فيها، ومن ثَمَّ لايكون شركًا مخرجًا من الملة، إنما هو يقصر تحريم الخمر في الحقيقة على مجال القاعدة الدينية فقط وهو إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة وافتراء الكذب على الله عزَّ وجلَّ حيث عُلِمَ بالضرورة تحريمها في المجالين معًا إذا صحَّ التعبير، وعلم بالضرورة أن إخراجها من الحظر إلى الإباحة في مجال القاعدة القانونية إباحة لها، وقبول هذه الإباحة ممن أباحها بلوازم التحريم التي تلزم عن الإباحة قبول للإباحة، وهو قبول لتبديل الشرع ومتابعة عليه، وليس طاعة في معصية، وشرب الخمر معصية وقبول الإباحة بلوازمها قبول للإباحة كقبول الإباحة في مجال القاعدة الدينية سواءً بسواء وهو من هذه الجهة شركٌ وكفرٌ مخرجٌ من الملة، فمن خوطب بهذه الإباحة فعليه أن يكره وينكر وإن كان مستضعفًا لا يقدر إلا أن يخضع: «ولكن من كره فقد برئ ومن أنكر فقد سَلِمَ ولكن من رضي وتابع».
وهل هناك بعد هذا البيان فرقٌ بين قبولِ الإباحةِ ممن أباحها بلوازمها من التحريم في مجال القاعدة الدينية عن مجال القاعدة القانونية، أو فرَّق بين سلطة دينية وأخرى دنيوية، أو اعتقاد قداسة أو عدم اعتقاد قداسة، أليس الكل تبديلاً ومتابعة على التبديل، وهل مازلنا نقول أن من قبلها في مجال القاعدة القانونية أو أباحها لغيره يبقى مسلمًا إن اعتقد تحريمها في مجال القاعدة الدينية؟؟!!.
وما قيل عن النسخ ليس طاعة في الاعتقاد لأن الاعتقاد ليس فيه طاعة ـ كما بينَّا وكما سنبين ـ وإنما هو اعتقاد في حقهم في الطاعة، والفرق كبير بين الأمرين. واليهود ليس عندهم نسخٌ في الدين أبدًا، وإن جاءت بعض عبارات العلماء بذلك عنهم فهو خطأ في النقل عنهم، وإنما الذي وقع منهم الاستعاضة عن حكم ديني بآخر دنيوي مراعاة لمصالح طرأت لهم ومثال ذلك: لما استعاضوا عن الرجم وهو حكم التوراة بالجلد والتحميم حيث كثر فيهم الزنا فخافوا من القتل، ولما وقع في أشرافهم ولم يستطيعوا إقامة الحد عليهم فأبى سوقتهم وضعفاؤهم من إقامته على أبنائهم حتى يقام على أبناء الشرفاء والملوك فخافوا الفتنة والتفرقة، فقالوا: تعالوا نجتمع على أمر نجعله في الشريف والوضيع فينا، فاجتمعوا على الجلد والتحميم، ولم يكن هذا نسخًا ولا تحريفًا للتوراة، وإنما تولٍٍ عن حكمها وإعراض عنه إلى غيره من الشرائع الوضعية وهي الشريعة المبدلة وليست المنسوخة ولا الناسخة بحق الأحبار في النسخ، وهذا واضح جدًا في القرآن وأسباب نزوله والآية تجمع اليهود والنصارى فليست مختصة بالنسخ ثم قالوا لن نسبق علماءنا لما وقع ذلك فيهم وعملوا به على المخالفة لحكم التوراة وليس على النسخ لها، وكانوا متحرجين من ذلك ولكن دواعي المصلحة وموافقة الكبراء حملتهم على الاستمرار على المخالفة، وهذا هو معنى النبذ وراء الظهور الذي تكلم عنه القرآن، وترك العمل الذي يتحقق به ذهاب العلم الذي تحدث عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ونقضهم الميثاق وترك إقامة التوراة والإنجيل الذي ذكره القرآن وقال أنهم ليسوا على شيء حتى يقيموهما ـ استعاضوا بهذا الدنيوي عن هذا الديني وليس نسخًا لديني بديني آخر ـ وشيخ الإسلام في تفسيره لطاعة الأحبار والرهبان لم يقرر أن المناط المكفر هو الطاعة في الاعتقاد، وإنما قال: المتابعة على التبديل، لماذا نغفل ذكر التبديل وقد ركز عليه في التفسير تركيزًا شديدًا؟!.
ومناط الحكم في الآية والحديث ليس هو اعتقاد أو الإقرار بحقهم في التشريع والطاعة، وإنما هو المتابعة على التبديل والاتباع للشريعة البديلة عن شرع الله، وهذا يتضمن اعتقادًا والإقرار لهم بحق التشريع كوصف تابع أو متضمن، ولكن المناط المحدد في النص للحكم والذي يتعلق به الحكم ـ وهو شرك العبادة ـ المناط المحدد في النص لهذا الشرك في العبادة هو الاتباع في التشريع. وإطلاق القول بأن العبادة هي الطاعة في الاعتقاد خطأ لأن العبادة أمر قصدي طلبي إرادي، والاعتقاد أمر خبري علمي معرفي. ونحن ننقل عن العلماء أن التوحيد نوعان: توحيد عبادة وتوحيد اعتقاد، والشرك نوعان: شركٌ في العبادة وشرك في الاعتقاد.
ونقـول: أنه لابد في الإيمان من مجموعهما: الاعتقاد والانقياد، فكيف نجعل الشيئين شيئًا واحدًا والعلماء دائمًا يقولون نصدقه فيما أخبر ـ لم يقل أحد نطيعه فيما أخبر؟! ـ ونطيعه فيما أمر ـ لم يقل أحد نصدقه فيما أمر؟! ـ أرأيت كيف يختص كل أمر بأمره، لكنهم إذا اعتقدوا تبديل الأحكام في دينهم بنسخ الأحبار والرهبان فعبادتهم بقبولهم هذا التبديل، وفسادُ اعتقادهم باعتقادهم بحقهم في النسخ وبكون ما بدلوه يكون ناسخًا لحكم الإنجيل أو التوراة، وفي تغير اعتقادهم بالنسبة للتحليل والتحريم فيرجع الخلل في الأولى إلى الألوهية، وفي الثانية إلى الربوبية كما ذكر شيخ الإسلام في ”الصارم المسلول“ عن الاستحلال عندما يكون الخلل في الألوهية والربوبية في وقت واحد، الأولى عبادة، والثانية ضلال. ولو أنهم قبلوا ما بدله الأحبار والرهبان كمبلغين عن الله عزَّ وجلّ فقط لم يوصفوا بوصف العبادة، ولكان الخلل في الربوبية فقط ووصفوا بوصف الضلال دون غيره ولكنهم قبلوا التبديل منهم كمشرعين، ومن هنا جاء وصف العبادة وكان الخلل في الاثنين معًا الربوبية والألوهية، ولو أنهم قبلوا منهم التبديل استعاضة بالدنيوي عن الديني لمصلحة طرأت مع بقاء الاعتقاد في الديني ثابتًا لوصفوا بوصف العبادة فقط دون وصف الضلال وفساد الاعتقاد. وإذا تتبعنا آيات القرآن فيما أضل به المضِللون غيرهم من المُضَللين من أهل الكتاب لا نجد أبدًا إشارة إلى العبادة إطلاقًا، وإنما ضلُّوا وأضلوا فقط لأن الضلال في موضع البدعة وفساد الاعتقاد، ولأن الاعتقاد تصديق خبر، والعبادة قبول حكم، هذه هي استعمالات القرآن والسنة ولو كانت الطاعة في الاعتقاد هي المرادة لكان أولى أن يوصفوا بذلك في شأن عقيدتهم في المسيح وأنه ثالث ثلاثة لا في التحريم والتحليل في صيد أو ذبيحة أو طعام وأين هذا من ذاك؟!!.
ونشأة اعتقاد مخالف لما عرف عن حكم أي مسألة في الدين إذا كان تحريمًا قطعيًا مثلاً كتحريم الخمر لا يكون إلا بالشك في التحريم أو اعتقاد الحل أي تكذيب التحريم فيتغير علمه فيصدِّق ما كان مكذِّبا ويكذِّب ما كان مصدِّقا، أو يشك فهي مسألة تغير اعتقاد، وليست طاعة في الاعتقاد لأن الطاعة لا تكون طاعة إلا فيما يحب الإنسان وما يكره وما ينشط إليه وما يتثاقل عنه، وكذلك في الاعتقاد لا تكون طاعة إلا إذا كانت فيما يصدق وفيما يكذب امتثالاً لأمر الآمر ولو كان على غير ما يعلم وهذا أمر مستحيل، وإنما هو تصديق لخبر وتكذيب لآخر أي تغير العلم وهذا لا يطيع أحدٌ فيه أحدًا وإنما يثق في خبره (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِين)([17])، فيتغير ثقته من خبر إلى خبر ومن مخبر إلى مخبر ومن علم إلى علم لا يطيع في اعتقاد جديد مخالف لما كان عليه وهو يعلم صحة الاعتقاد الأول بل لابد أن يعلم فساد الاعتقاد الأول، ولكن قد يتغير اعتقادهم في التحريم والتحليل الذي جاء في كتبهم لاعتقادهم بحق الأحبار والرهبان في نسخ هذه الأحكام علمًا بأن النسخ إنَّما يكون في الأحكام دون الأخبار ـ فيكون قد صدَّقوهم بكذبهم وأعانوهم على ظلمهم ـ بقبولهم الأحكام البديلة منهم، فهما وصفان منفصلان التصديق للخبر الكاذب وطاعة الأمر الفاسد، ومناط الحكم في الآية هو الطاعة للأمر، وإن كان التصديق واقعًا منهم، وإن كانت الطاعة متضمنة لاعتقاد حقهم في التشريع والإقرار لهم بحق الطاعة فهذا أيضًا لا يخرج المناط عن كونه طاعة الأمر بقبول الحكم.
وعندما قلنا أن التبديل فيما هو ديني وما هو دنيوي وليس فيما هو ديني فقط فمردنا في ذلك إلى قاعدة الدين الأساسية وهي:
جماع الدين أصلان:
الأول: أن يُعْبَد الله عزَّ وجلّ وحده.
والثاني: أن يُعْبَد بما شرع على ألسنة رسله في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت. ومن ثَمَّ كان لابد من الرجوع إلى الشرع فيما هو عبادي عيني أو كفائي، وما هو عادي عيني أو كفائي فهم أربعة. والعيني: ما يقدر عليه الإنسان من نفسه في العبادي كأداء الصلاة، والكفائي: ما لا يقدر عليه الإنسان من نفسه ولا يمكنه تحقيقه إلا بإقامة سلطة شرعية تحققه وذلك من خلال إقامته مع غيره للجماعة التي تقيم هذه السلطة وهو في العبادي كإقامة الصلاة: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ)([18])، والعيني في العادي: كـبرِّ الوالدين يقدر عليه الإنسان من نفسه، والكفائي: كقطع يد السارق ورجم الزانى وجهاد العدو وإقامة الحدود ... إلخ، والمؤمن يقوم بالتكليف المتعلق به من خلال إقامته للسلطة الشرعية التي تقيمه.
والخروج عن الشرع رد للرسالة وكفر بها، ومن جهة أخرى انقياد لغير الله فهو عبادة لغير الله، ومن ثَمَّ كان له أيضًا وصف الشرك، والخروج عن الشرع مثل الرجوع إلى الشرع تمامًا يكون فيما هو عادي عيني أو كفائي، ويكون فيما هو عبادي عيني أو كفائي، ومن ثَمَّ كانت الاستعاضة بالشرع البديل عن شرع الله أي التبديل كفرًا وشركًا سواء كانت في تبديل ديني بديني أو ديني بدنيوي فيما يقدر عليه الإنسان من نفسه، أو يصطلح عليه مع غيره، أو يخاطب به من غيره فيقبله ويرضى به ويتابع عليه، لأنه خروج عن الشرع المحكم ورجوع إلى ما سواه. ومن ثَمَّ قال ابن كثير عن الياسق: «أن مَنْ ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين».
والنكتة هنا هي تبديل ديني بدنيوي وليس ديني بديني ـ مع بقاء صحة الاعتقاد في الدين وفي لزومه ووجوبه دون الدنيوي ـ وما يقوله ابن كثير في التحاكم هو نفس ما تدل عليه آية التوبة: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه)، من الخروج عن شرع الله المحكم والعدول عنه إلى ما سواه من شريعة الأحبار.
فالآية تفسير للقاعدة، وآيات التحاكم والحكم أيضًا تفسير لنفس القاعدة في جوانب من جوانبها. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد
جمع وترتيب الأستاذ صبحى بندق
تحقيق قول القبوريون أن طاعة علمائهم بصرف العبادة لغير الله لا تكون شركا إلا فى الأعتقاد ( 1 )












توقيع :

[img3]http://q87b.info/do.php?img=6324[/img3]


[img3]http://store1.up-00.com/2017-08/150302030675131.png[/img3]

عرض البوم صور مي محمد   رد مع اقتباس
قديم 05-25-2013   المشاركة رقم: 8
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية مي محمد

إحصائية العضو






  مي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond reputeمي محمد has a reputation beyond repute
 



التواجد والإتصالات
مي محمد غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : مي محمد المنتدى : وهج القسم العام
افتراضي

• السقطة الرابعة:
عدم إدراكهم أو فهمهم لأصل الدين وعلاقة الآية به ولذلك عزلوها عنه، وأصل الدين كما سبق أن بيَّناه في كلام القسطلاني: «هو الإيمان الذي هو أول ما يجب على المكلف، وبه تقبل وتصح الأعمال، ومعناه التصديق: الذي هو ليس نسبة الصدق إلى الخبر أو المُخْبِر فقط، بل لابد فيه من إذعان لحكم المُخْبِر وقبوله، بحيث يقع عليه اسم التسليم، كما صرَّح به الغزالي. والإسلام لغةً: الانقياد والخضوع، ولا يتحقق ذلك إلا بقبول الأحكام وذلك حقيقة التصديق قال تعالى: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)([1])، فالإيمان لا ينفك عن الإسلام حكمًا فهما يتحدان في التصديق وإن تغايرا بحسب المفهوم، إذ مفهوم الإيمان تصديق القلب ومفهوم الإسلام أعمال الجوارح». أهـ.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن أصل الدين في ”الصارم المسلول“([2]) وفي ”إقتضاء الصراط المستقيم“: «الثاني: أن الإيمان وإن كان يتضمن التصديق فليس هو مجرد التصديق، وإنما هو الإقرار والطمأنينة وذلك لأن التصديق إنما يعرض للخبر فقط، أما الأمر فليس فيه تصديق من حيث هو أمر. وكلام الله خبرٌ وأمرٌ، فالخبر يستوجب التصديق للمخبر، والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام لله.
إلى أن يقول: فإن الإيمان بحسب كلام الله ورسالته وكلام الله ورسالته يتضمن أخباره وأوامره، فيصدق القلب أخباره تصديقًا يوجب حالاً في القلب بحسب المصدَّق به، والتصديق هو من نوع العلم والقول، وينقاد لأمره ويستسلم وهذا الانقياد والاستسلام هو من نوع الإرادة والعمل، ولا يكون مؤمنًا إلا بمجموع الأمرين فمن ترك الانقياد كان مستكبرًا فصار من الكافرين وإن كان مصدقًا.
فالكفر أعم من التكذيب يكون: تكذيبًا، وجهلاً، ويكون استكبارًا، وظلمًا. ولهذا لم يوصف إبليس إلا بالكفر والاستكبار دون التكذيب، ولهذا كان كفر من يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس، وكان كفر من يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلالاً وهو الجهل. ألا ترى أن نفرًا من اليهود جاءوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وسألوه عن أشياء فأخبرهم فقالوا: نشهدُ أنَّك نبيٌّ ولم يتبعوه، وكذلك هرقل وغيره فلم ينفعهم هذا العلم وهذا التصديق. ألا ترى أن مَن صدَّق الرسولَ صلى الله عليه وسلم بأن ما جاء به هو رسالة الله وقد تضمنت خبرًا وأمرًا، فإنه يحتاج إلى مقام ثان: وهو تصديقه خبر الله وانقياده لأمر الله. فإذا قال أشهد أن لا إله إلا الله فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمره، وأشهد أن محمدًا رسول الله تضمنت تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند الله. فبمجموع هاتين الشهادتين يتم الإقرار، فلما كان التصديق لابد منه في كلا الشهادتين ـ وهو الذي يتلقى الرسالة بالقبول ـ ظنَّ مَنْ ظنَّ أنه أصل لجميع الإيمان وغفل عن أن الأصل الآخر لابد منه وهو الانقياد». أهـ.
ويقول([3]): «والشهادة بأن محمدًا رسول الله تتضمن: تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر. إلى أن يقول: وعليهم أن يفعلوا ما أمرهم به وأن ينتهوا عما نهاهم عنه، ويحللوا ما أحله ويحرموا ما حرَّمه، فلا حرام إلا ما حرَّم الله ورسوله، ولا دين إلا ما شرَّعه اللهُ ورسولُهُ. ولهذا ذمَّ المشركين في سورة ”الأنعام“ و”الأعراف“ وغيرهما لكونهم حرَّموا ما لم يحرِّمه اللهُ، ولكونهم شرَّعوا دينًا لم يأذن به اللهُ كما في قوله تعالى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا)([4])، إلى آخر السورة. وما ذكر الله في صدر سورة ”الأعراف“ وكذلك قولـه تعالـى: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه)([5]).
إلى أن يقول: كما قال عز وجل: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)([6])، وكان من شركهم أنهم أحلُّوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرَّموا عليهم الحلال فأطاعوهم وقد قال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون)([7])، فقرن بعدم إيمانهم بالله واليوم الآخر أنهم لا يحرمون ما حرَّمه اللهُ ورسولُه ولا يدينون دينَ الحقِّ، والمؤمنون صدقوا الرسول فيما أخبر به عن الله وعن اليوم الآخر فآمنوا بالله واليوم الآخر، وأطاعوه فيما أمر ونهى وحلَّل وحرَّم فحرموا ما حرَّم اللهُ ورسوله ودانوا دين الحقِّ.
إلى أن يقول: ولفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والانقياد، ويتضمن الإخلاص مأخوذ من قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُل)([8])، فلابد في الإسلام من الاستسلام لله وحده وترك الاستسلام لما سواه، وهذا حقيقة قولنا: «لا إله إلا الله» فمن استسلم لله ولغير الله فهو مشرك، واللهُ لا يغفر أن يشرك به، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر عن عبادته وقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين)([9]).
إلى أن يقول: فاليهود موصوفون بالكبر، والنصارى موصوفون بالشرك قال الله تعالى في نعت اليهود: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُم)([10])، وقال في النصارى:(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)([11]).
إلى أن يقول: ولما كان أصل الدين الذي هو دين الإسلام واحدًا وإن تنوعت شرائعه قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إنَّا معاشر الأنبياء ديننا واحدٌ»، و«الأنبياء أخوة لعلات»، فدينهم واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو يعبد في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت وذلك هو دين الإسلام في ذلك الوقت. وتنوع الشرائع في الناسخ والمنسوخ من المشروع كتنوع الشريعة الواحدة، فكما أن دين الإسلام الذي بعث اللهُ به محمدًا صلى الله عليه وسلم هو دين واحد مع أنه قد كان في وقت يجب استقبال بيت المقدس في الصلاة وبعد ذلك يجب استقبال الكعبة ويحرم استقبال الصخرة، فالدين واحد وإن تنوعت القبلة في وقتين من أوقاته. ولهذا شرع اللهُ لبني إسرائيل السبت، ثم نسخ ذلك وشرع لنا الجمعة، فكان الاجتماع يوم السبت واجبًا إذ ذاك، ثم صار الواجب هو الاجتماع يوم الجمعة وحرم الاجتماع يوم السبت، فمن خرج عن شريعة موسى قبل النسخ لم يكن مسلمًا، ومن لم يدخل في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد النسخ لم يكن مسلمًا». انتهى بتصرف يسير.
فالأمر كما سبق أن قلنا أنه لا يسع أحدًا الخروج عن شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الدين المنسوخ أو المبدل أو إلى الشريعة المنسوخة أو المبدلة، فلا يسع أحدًا الخروج عن الكعبة إلى الصخرة، ولا عن الجمعة إلى السبت فيما يعبد به الله عزَّ وجلّ ، ولا يسع أحدًا الخروج عن قطع يد السارق إلى عقوبة أخرى، أو عن رجم الزاني المحصن إلى الجلد والتحميم، أو إلى اعتبار الزنا ليس جريمة إلا إذا كان إغـواءً لقاصر أو اغتصابًا أو إتجارًا ـ دعارة ـ أو خيانة زوجية ووراء ذلك يكون مباحًا لا جريمة فيه ولا عقوبة عليه فمن خرج عن هذا إلى هذا كفر. والخروج الأول فردي فيما يعبد به الله وهو عيني، والخروج الآخر جماعي فيما يقيم القسط بين الناس. وكلا الأمرين خروج كما فعل اليهود عندما قالوا: تعالوا نجتمع على أمر نجعله في الشريف والوضيع فينا فاجتمعوا على الجلد والتحميم، فمن خوطب بذلك ممن لهم الأمر والنهي عليه فقبل ذلك منهم وتابع عليه ورضي به فهو منهم وإن لم يحضر اتفاقهم، ومن دخل في اتفاقهم فهو منهم من باب أولى. ومن خوطب بذلك فكـرهه ولم يرضـه وإن خضـع له بحكم استضعافه ـ لتعذر الانتقال وعدم استطاعة تغيير الحال ـ فهو لم يقبل شرعًا غير شرع الله ولم يطع أحدًا في تحليل ما حرَّم الله وتحريم ما أحلَّه اللهُ عزَّ وجلّ فهو على إيمانه. والأمر هنا ليس فيه معصية زنا أو أي نوع من أنواع المعصية الأخرى، وإنما نفس التشريع هو نفس الممنوع كبديل عن شرع الله، ونفس القبول للبديل هو الممنوع وإن لم يتضمن أمرًا لمعصية معينة حتى يقال: أن فعل المعصية ينقسم. والخروج عن الشريعة في الفعل العيني أو في الفرض العيني راجع إلى فعل الإنسان فيما يقدر عليه، والخروج عن الشريعة في الفرض الكفائي راجع إلى قبول الإنسان من الغير هذا الخروج، وإقامة النظام الذي يحققه. فشرع غير الله عزَّ وجل يضع للناس أحكامًا وتكاليف يخرجهم بها عن شرع الله وتكاليفه، فمن قبل فقد كفر ومن خضع مكرهًا فَقَدْ عجز عن إقامة الفرض الكفائي الذي أمره الله به مع غيره لقطع يد السارق ورجم الزاني لأنه مخاطب به من الله مع غيره من المؤمنين كفرض كفائي عليهم حيث وجَّه اللهُ سبحانه وتعالى الخطاب إلى المؤمنين كفرض كفائي عليهم ولم يوجهه إلى الإمام أو الأمير حسبما دلت عليه النصوص الآمرة بذلك. وإذا كان قد فُرِضَ عليه الخروج عن الشرع فهو كاره لذلك منكر له كإنكاره لمن يفرض عليه التوجه إلى الصخرة بعد نسخها أو الاجتماع في السبت بعد نسخه، ولكن الأخير في مقدوره الامتناع عنه لأنه عيني وإن كلفه ذلك حياته، والآخر ليس في مقدوره الامتناع عنه لأنه كفائي. أما أن يقال: أن الإنسان لا يكتفي بالخضوع المُكْرَه عليه ولكن قد يفعل ذلك غير كاره ولا منكر ويكون مسلمًا إذا اعتقد بطلان ما يفعله ولم يستحله فهذا هو التلبيس والضلال الذي ليس بعده ضلال.
وفي هذا الكفائي يأتي قـول الله عز وجل: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون)([12])، وقوله تعالى:(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)([13])، وقوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )([14])، وغير ذلك من الآيات.
فالمسلم لا يرد أمر الله عليه، ولا يأتي بتبديل الشرائع من نفسه أي لا يرجع عن الشرع المحكم إلى الشرع المبدل أو المنسوخ ولا يُخاطَب بذلك من غيره فيقبله ويعمل به عن رضى وطواعية دون كره لذلك وإنكار. وقبول الدين المبدل أو المنسوخ، أو الشرع المبدل أو المنسوخ من الغير هو تفسير الآية: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا ).
وإذا كانت الآية متصلة بأصل الدين كما وضحنا، فإن القول بأن العبادة هي الطاعة في الاعتقاد أمر واضح البطلان، لأنه لو كان كذلك لكان تفسير الآية بطاعة الأحبار والرهبان في قولهم بشأن عيسى وأمه أولى من طاعتهم في اعتقاد حل صيد أو ذبيحة أو طعام أو شراب وأين هذا من ذاك، وإذا فرضنا جدلاً تفسير الآية بالطاعة في الاعتقاد في شأن الحلال والحرام من الطعام والشراب وغيره لكان المفروض أن تصفهم آيات القرآن بعبادة الأحبار والرهبان في كل المناسبات التي فيها طاعة في الاعتقاد في كل ما ضلُّوا فيه بشأن عيسى u من قولهم: أنه الله، وأنه ابن الله، وأنه ثالث ثلاثة، وأنه وأمه إلهين من دون الله، وقد تكرر ذكر هذا الضلال في القرآن كثيرًا، ولم يقل أن الإتباع فيه عبادة بل وصفه دائمًا بوصف الضلال (وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)([15])،ولم يذكر مرة واحدة أن إتباع القوم لأحبارهم في هذا الضلال عبادة، كما لم يذكر مرة واحدة أن إتباع المشركين لآبائهم في عبادة الأصنام وإنكار البعث عبادة للآباء مع ذكر هذا الإتباع في القرآن مرارًا.
والذي ذكر في الحديث هو الاستحلال، والاستحلال لا يقتصر على الاعتقاد، بل الاستحلال كما عرفه شيخ الإسلام ابن تيمية يكون لخلل في الربوبية، ويكون لخلل في الألوهية مع صحة الاعتقاد، وقوله مشهور في كتابه ”الصارم المسلول“، يقول([16]): «وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر باتفاق. فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وكذلك لو استحلها من غير فعل، والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرَّمها وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة، ويكون جحدًا محضًا غير مبني على مقدمة، وتارة يعلم أن الله حرَّمها ويعلم أن الرسول إنَّما حرَّم ما حرَّمه الله ثم يمتنع عن إلتزام هذا التحريم ويعاند المحرم فهو أشد كفرًا ممن قبله. وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذَّبه، ثم إنَّ هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمردًا أو اتباعًا لغرض النفس وحقيقته كفر. هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه... إلخ». أهـ.
والاستحلال منه ما يتعلق بالخلل في الاعتقاد، ومنه ما يتعلق بالخلل في العبادة. وصورة الامتناع عن إلتزام التحريم هي الصورة المتعلقة بالخلل في العبادة، والوصف المذكور في الحديث المفسر للآية هو وصف العبادة: «فتلك عبادتكم إياهم». فواضح جدًا أن يكون المراد من معنى العبادة لهم هي صورة الاستحلال المتعلقة بلفظ العبادة وهي الامتناع عن إلتزام حكم الله بالتحريم أو بالتحليل بإلتزام حكم غيره على خلاف حكمه، وإذا كانت صور الاستحلال الأخرى داخلة في معنى العبادة فهي تدخل فيها بالتلازم وليس بالمطابقة، فلا يصح أن يخرج عن لفظ العبادة معناها بالمطابقة إذا دخل فيها معنى الاعتقاد باللزوم، وما يقال عن الاعتقاد أنه عبادة خطأ لتغاير المعنى، فالعبادة أمر إرادي قصدي طلبي، والاعتقاد أمر خبري علمي معرفي. وإنما يقال عن الاعتقاد: العبودية المتعلقة بالربوبية، ويقال عن العبادة: العبودية المتعلقة بالألوهية. وذكر الأرباب في الآية ليس مناقضًا لتفسير الرسول الكريم لفعلهم بالعبادة، بل المقصود أنه لا يُعبد إلا من كان ربًّا، فمن عبد ما ليس بربٍّ فكأنما أعطاه صفة الربوبية كما قال القرطبي: أنزلوهم منزلة الأرباب بقبول أوامرهم ونواهيهم.
وما يذكر عن أوصاف أخرى لفعل القوم مع الأحبار والرهبان يراد تعليق الحكم بها فهو خطأ لأنها أوصاف منفية أو ملغاة كالذي شقَّ ثوبه وجعل التراب على رأسه يصيح يقول واقعت امرأتي في نهار رمضان فقال له الرسول الكريم: «عليك الكفارة». فالمناط هو الطاعة في تبديل الشرائع كما قال ابن تيمية، وليس في الاعتقاد، ولا في المعاصي سواء كانت هذه الطاعة لمن لهم صفة السلطان الديني أو الدنيوي والمتابعة على هذا التبديل. فإباحة المشرع الوضعي للخمر مثلاً تتضمن الخروج من كل مقتضيات الحظر التي بقيت ـ موافقة للشريعة الإسلامية ـ للمخدرات إلى مقتضيات الإباحة والذي يبيـح الخمر يحـرم عليك:
1- تحريمها على الناس ويعتبر ذلك تغييرًا لدستور الدولة بالقوة.
2- ويحرم عليك إهدارها واعتبارها مالاً غير متقوم.
3- ويحرم عليك تحريق أماكن تعاطيها.
4- ويحرم عليك تغيير المنكر باليد فيها.
5- ويحرم عليك الإخلال بإلتزاماتك القانونية تجاه سلعة أباح القانون تداولها وتعاطيها.
6- ويحرم عليك التسبب في إخلال الغير بإلتزاماته التعاقدية إزاءها.
وهذه كلها مقتضيات الإباحة فلا يمكن للإنسان أن يقول أنا أحرمها في مجال القاعدة الدينية ولا أطيع أحدًا في إباحتها دينًا سواء شربتها أم امتنعت عن ذلك تدينًا، ولا شأن لي بما سوى ذلك لأنَّا نقول: إن الذي يبيحها في مجال القاعدة القانونية قد يكون هو نفسه محرمًا لها في مجال القاعدة الدينية، وقد لا يشربها تدينًا بينما يحرم المخدرات في مجال القاعدة الدينية والقانونية معًا. فلا يحرم تحريمها، ولا يحرم إهدارها، واعتبارها مالاً غير متقوم، ولا يحرم تغيير المنكر باليد فيها، ولا يحرم تحريق أماكن تعاطيها ومطاردة أهلها، ولا يبيح زراعتها، ولا صنعها، ولا نقلها، ولا بيعها، ولا استيرادها ولا تصديرها، ولا شحنها، ولا التخليص عليها، ولا نقلها برًا أو بحرًا استيرادًا أو تصديرًا بإجراءات نقل جوي أو بحري أو بري، وإجراءات جمارك وتخليص وخلافه، ولا يلزم أحدًا بإلتزامات قانونية تجاه هذه الإباحة بل يحرم المعاونة على ذلك ويعاقب عليه ولا يحرم عليك التسبب في إخلال الغير بإلتزاماته التعاقدية تجاهها، والذي يفعلونه كمقتضيات لحظر المخدرات هو نفسه وبعينه مقتضيات الحظر للخمر في الشريعة الإسلامية سواء بسواء التي أخرجنا عنها المشرع الوضعي إلى مقتضيات الإباحة. وبقيت المخدرات في مقتضيات الحظر التي كانت لها في الشريعة الإسلامية لتكون شاهدًا على التبديل بالمقارنة، فمن يقول أن طاعة المشرع الوضعي في إباحة الخمر، وأن قبول تحريم تحريمها، وتحريم إهدارها، وتحريم اعتبارها مالاً غير متقوم، وتحريم تحريق أماكن تعاطيها، وتحريم تغيير المنكر باليد فيها، وتحريم الإخلال بالإلتزامات القانونية تجاهها، وتحريم التسبب في إخلال الغير بإلتزاماته التعاقدية تجاهها لا يكون استحلالاً لها، ولا عبادة لغير الله في التحليل والتحريم فيها، ومن ثَمَّ لايكون شركًا مخرجًا من الملة، إنما هو يقصر تحريم الخمر في الحقيقة على مجال القاعدة الدينية فقط وهو إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة وافتراء الكذب على الله عزَّ وجلَّ حيث عُلِمَ بالضرورة تحريمها في المجالين معًا إذا صحَّ التعبير، وعلم بالضرورة أن إخراجها من الحظر إلى الإباحة في مجال القاعدة القانونية إباحة لها، وقبول هذه الإباحة ممن أباحها بلوازم التحريم التي تلزم عن الإباحة قبول للإباحة، وهو قبول لتبديل الشرع ومتابعة عليه، وليس طاعة في معصية، وشرب الخمر معصية وقبول الإباحة بلوازمها قبول للإباحة كقبول الإباحة في مجال القاعدة الدينية سواءً بسواء وهو من هذه الجهة شركٌ وكفرٌ مخرجٌ من الملة، فمن خوطب بهذه الإباحة فعليه أن يكره وينكر وإن كان مستضعفًا لا يقدر إلا أن يخضع: «ولكن من كره فقد برئ ومن أنكر فقد سَلِمَ ولكن من رضي وتابع».
وهل هناك بعد هذا البيان فرقٌ بين قبولِ الإباحةِ ممن أباحها بلوازمها من التحريم في مجال القاعدة الدينية عن مجال القاعدة القانونية، أو فرَّق بين سلطة دينية وأخرى دنيوية، أو اعتقاد قداسة أو عدم اعتقاد قداسة، أليس الكل تبديلاً ومتابعة على التبديل، وهل مازلنا نقول أن من قبلها في مجال القاعدة القانونية أو أباحها لغيره يبقى مسلمًا إن اعتقد تحريمها في مجال القاعدة الدينية؟؟!!.
وما قيل عن النسخ ليس طاعة في الاعتقاد لأن الاعتقاد ليس فيه طاعة ـ كما بينَّا وكما سنبين ـ وإنما هو اعتقاد في حقهم في الطاعة، والفرق كبير بين الأمرين. واليهود ليس عندهم نسخٌ في الدين أبدًا، وإن جاءت بعض عبارات العلماء بذلك عنهم فهو خطأ في النقل عنهم، وإنما الذي وقع منهم الاستعاضة عن حكم ديني بآخر دنيوي مراعاة لمصالح طرأت لهم ومثال ذلك: لما استعاضوا عن الرجم وهو حكم التوراة بالجلد والتحميم حيث كثر فيهم الزنا فخافوا من القتل، ولما وقع في أشرافهم ولم يستطيعوا إقامة الحد عليهم فأبى سوقتهم وضعفاؤهم من إقامته على أبنائهم حتى يقام على أبناء الشرفاء والملوك فخافوا الفتنة والتفرقة، فقالوا: تعالوا نجتمع على أمر نجعله في الشريف والوضيع فينا، فاجتمعوا على الجلد والتحميم، ولم يكن هذا نسخًا ولا تحريفًا للتوراة، وإنما تولٍٍ عن حكمها وإعراض عنه إلى غيره من الشرائع الوضعية وهي الشريعة المبدلة وليست المنسوخة ولا الناسخة بحق الأحبار في النسخ، وهذا واضح جدًا في القرآن وأسباب نزوله والآية تجمع اليهود والنصارى فليست مختصة بالنسخ ثم قالوا لن نسبق علماءنا لما وقع ذلك فيهم وعملوا به على المخالفة لحكم التوراة وليس على النسخ لها، وكانوا متحرجين من ذلك ولكن دواعي المصلحة وموافقة الكبراء حملتهم على الاستمرار على المخالفة، وهذا هو معنى النبذ وراء الظهور الذي تكلم عنه القرآن، وترك العمل الذي يتحقق به ذهاب العلم الذي تحدث عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ونقضهم الميثاق وترك إقامة التوراة والإنجيل الذي ذكره القرآن وقال أنهم ليسوا على شيء حتى يقيموهما ـ استعاضوا بهذا الدنيوي عن هذا الديني وليس نسخًا لديني بديني آخر ـ وشيخ الإسلام في تفسيره لطاعة الأحبار والرهبان لم يقرر أن المناط المكفر هو الطاعة في الاعتقاد، وإنما قال: المتابعة على التبديل، لماذا نغفل ذكر التبديل وقد ركز عليه في التفسير تركيزًا شديدًا؟!.
ومناط الحكم في الآية والحديث ليس هو اعتقاد أو الإقرار بحقهم في التشريع والطاعة، وإنما هو المتابعة على التبديل والاتباع للشريعة البديلة عن شرع الله، وهذا يتضمن اعتقادًا والإقرار لهم بحق التشريع كوصف تابع أو متضمن، ولكن المناط المحدد في النص للحكم والذي يتعلق به الحكم ـ وهو شرك العبادة ـ المناط المحدد في النص لهذا الشرك في العبادة هو الاتباع في التشريع. وإطلاق القول بأن العبادة هي الطاعة في الاعتقاد خطأ لأن العبادة أمر قصدي طلبي إرادي، والاعتقاد أمر خبري علمي معرفي. ونحن ننقل عن العلماء أن التوحيد نوعان: توحيد عبادة وتوحيد اعتقاد، والشرك نوعان: شركٌ في العبادة وشرك في الاعتقاد.
ونقـول: أنه لابد في الإيمان من مجموعهما: الاعتقاد والانقياد، فكيف نجعل الشيئين شيئًا واحدًا والعلماء دائمًا يقولون نصدقه فيما أخبر ـ لم يقل أحد نطيعه فيما أخبر؟! ـ ونطيعه فيما أمر ـ لم يقل أحد نصدقه فيما أمر؟! ـ أرأيت كيف يختص كل أمر بأمره، لكنهم إذا اعتقدوا تبديل الأحكام في دينهم بنسخ الأحبار والرهبان فعبادتهم بقبولهم هذا التبديل، وفسادُ اعتقادهم باعتقادهم بحقهم في النسخ وبكون ما بدلوه يكون ناسخًا لحكم الإنجيل أو التوراة، وفي تغير اعتقادهم بالنسبة للتحليل والتحريم فيرجع الخلل في الأولى إلى الألوهية، وفي الثانية إلى الربوبية كما ذكر شيخ الإسلام في ”الصارم المسلول“ عن الاستحلال عندما يكون الخلل في الألوهية والربوبية في وقت واحد، الأولى عبادة، والثانية ضلال. ولو أنهم قبلوا ما بدله الأحبار والرهبان كمبلغين عن الله عزَّ وجلّ فقط لم يوصفوا بوصف العبادة، ولكان الخلل في الربوبية فقط ووصفوا بوصف الضلال دون غيره ولكنهم قبلوا التبديل منهم كمشرعين، ومن هنا جاء وصف العبادة وكان الخلل في الاثنين معًا الربوبية والألوهية، ولو أنهم قبلوا منهم التبديل استعاضة بالدنيوي عن الديني لمصلحة طرأت مع بقاء الاعتقاد في الديني ثابتًا لوصفوا بوصف العبادة فقط دون وصف الضلال وفساد الاعتقاد. وإذا تتبعنا آيات القرآن فيما أضل به المضِللون غيرهم من المُضَللين من أهل الكتاب لا نجد أبدًا إشارة إلى العبادة إطلاقًا، وإنما ضلُّوا وأضلوا فقط لأن الضلال في موضع البدعة وفساد الاعتقاد، ولأن الاعتقاد تصديق خبر، والعبادة قبول حكم، هذه هي استعمالات القرآن والسنة ولو كانت الطاعة في الاعتقاد هي المرادة لكان أولى أن يوصفوا بذلك في شأن عقيدتهم في المسيح وأنه ثالث ثلاثة لا في التحريم والتحليل في صيد أو ذبيحة أو طعام وأين هذا من ذاك؟!!.
ونشأة اعتقاد مخالف لما عرف عن حكم أي مسألة في الدين إذا كان تحريمًا قطعيًا مثلاً كتحريم الخمر لا يكون إلا بالشك في التحريم أو اعتقاد الحل أي تكذيب التحريم فيتغير علمه فيصدِّق ما كان مكذِّبا ويكذِّب ما كان مصدِّقا، أو يشك فهي مسألة تغير اعتقاد، وليست طاعة في الاعتقاد لأن الطاعة لا تكون طاعة إلا فيما يحب الإنسان وما يكره وما ينشط إليه وما يتثاقل عنه، وكذلك في الاعتقاد لا تكون طاعة إلا إذا كانت فيما يصدق وفيما يكذب امتثالاً لأمر الآمر ولو كان على غير ما يعلم وهذا أمر مستحيل، وإنما هو تصديق لخبر وتكذيب لآخر أي تغير العلم وهذا لا يطيع أحدٌ فيه أحدًا وإنما يثق في خبره (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِين)([17])، فيتغير ثقته من خبر إلى خبر ومن مخبر إلى مخبر ومن علم إلى علم لا يطيع في اعتقاد جديد مخالف لما كان عليه وهو يعلم صحة الاعتقاد الأول بل لابد أن يعلم فساد الاعتقاد الأول، ولكن قد يتغير اعتقادهم في التحريم والتحليل الذي جاء في كتبهم لاعتقادهم بحق الأحبار والرهبان في نسخ هذه الأحكام علمًا بأن النسخ إنَّما يكون في الأحكام دون الأخبار ـ فيكون قد صدَّقوهم بكذبهم وأعانوهم على ظلمهم ـ بقبولهم الأحكام البديلة منهم، فهما وصفان منفصلان التصديق للخبر الكاذب وطاعة الأمر الفاسد، ومناط الحكم في الآية هو الطاعة للأمر، وإن كان التصديق واقعًا منهم، وإن كانت الطاعة متضمنة لاعتقاد حقهم في التشريع والإقرار لهم بحق الطاعة فهذا أيضًا لا يخرج المناط عن كونه طاعة الأمر بقبول الحكم.
وعندما قلنا أن التبديل فيما هو ديني وما هو دنيوي وليس فيما هو ديني فقط فمردنا في ذلك إلى قاعدة الدين الأساسية وهي:
جماع الدين أصلان:
الأول: أن يُعْبَد الله عزَّ وجلّ وحده.
والثاني: أن يُعْبَد بما شرع على ألسنة رسله في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت. ومن ثَمَّ كان لابد من الرجوع إلى الشرع فيما هو عبادي عيني أو كفائي، وما هو عادي عيني أو كفائي فهم أربعة. والعيني: ما يقدر عليه الإنسان من نفسه في العبادي كأداء الصلاة، والكفائي: ما لا يقدر عليه الإنسان من نفسه ولا يمكنه تحقيقه إلا بإقامة سلطة شرعية تحققه وذلك من خلال إقامته مع غيره للجماعة التي تقيم هذه السلطة وهو في العبادي كإقامة الصلاة: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ)([18])، والعيني في العادي: كـبرِّ الوالدين يقدر عليه الإنسان من نفسه، والكفائي: كقطع يد السارق ورجم الزانى وجهاد العدو وإقامة الحدود ... إلخ، والمؤمن يقوم بالتكليف المتعلق به من خلال إقامته للسلطة الشرعية التي تقيمه.
والخروج عن الشرع رد للرسالة وكفر بها، ومن جهة أخرى انقياد لغير الله فهو عبادة لغير الله، ومن ثَمَّ كان له أيضًا وصف الشرك، والخروج عن الشرع مثل الرجوع إلى الشرع تمامًا يكون فيما هو عادي عيني أو كفائي، ويكون فيما هو عبادي عيني أو كفائي، ومن ثَمَّ كانت الاستعاضة بالشرع البديل عن شرع الله أي التبديل كفرًا وشركًا سواء كانت في تبديل ديني بديني أو ديني بدنيوي فيما يقدر عليه الإنسان من نفسه، أو يصطلح عليه مع غيره، أو يخاطب به من غيره فيقبله ويرضى به ويتابع عليه، لأنه خروج عن الشرع المحكم ورجوع إلى ما سواه. ومن ثَمَّ قال ابن كثير عن الياسق: «أن مَنْ ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين».
والنكتة هنا هي تبديل ديني بدنيوي وليس ديني بديني ـ مع بقاء صحة الاعتقاد في الدين وفي لزومه ووجوبه دون الدنيوي ـ وما يقوله ابن كثير في التحاكم هو نفس ما تدل عليه آية التوبة: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه)، من الخروج عن شرع الله المحكم والعدول عنه إلى ما سواه من شريعة الأحبار.
فالآية تفسير للقاعدة، وآيات التحاكم والحكم أيضًا تفسير لنفس القاعدة في جوانب من جوانبها. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد
جمع وترتيب الأستاذ صبحى بندق
تحقيق قول القبوريون أن طاعة علمائهم بصرف العبادة لغير الله لا تكون شركا إلا فى الأعتقاد ( 1 )












توقيع :

[img3]http://q87b.info/do.php?img=6324[/img3]


[img3]http://store1.up-00.com/2017-08/150302030675131.png[/img3]

عرض البوم صور مي محمد   رد مع اقتباس
إضافة رد
كاتب الموضوع مي محمد مشاركات 7 المشاهدات 2101  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
طريقة صنع الالبسة الصوفية للرجال واشياء اخرى مهدي ↠ ↡ معتكـف آدم ↡ ↞ 9 05-21-2012 09:07 AM


الساعة الآن 09:56 PM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah