د. أمين بن عبدالله الشقاوي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
من وصايا لقمان الحكيم لابنه الصبر على الأذى في سبيل اللَّه، قال الله تعالى - فيما حكاه الله عنه - ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ [لقمان: 17]، وفي ذلك من الفوائد ما يلي:
1- أن الصابر على الأذى في سبيل الله من أهل العزائم، ولا يبلغ هذه المرتبة إلا الكمَّل من الرجال، وقد خصَّ الله بعض أنبيائه بذلك، فقال: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35]، قال الشيخ السعدي عند قوله تعالى: ﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]؛ أي: من الأمور التي يعزم عليها ويهتم بها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم[1].
قال الشاعر:
عَلَى قَدْرِ أَهْلِ العَزْمِ تَأْتِ العَزَائِمُ *** وَتَأْتِي عَلى قَدْرِ الكِرَامِ المَكَارِمُ
وذكر الصبر هنا بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد قوله: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ [العصر: 3] تنبيه على أن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لا بد أن يلحقه الأذى، وأن دواء ذلك وعلاجه النافع هو الصبر، قال بعض السلف: عجبت للصبر تُداوى به الأشياء ولا يُداوى بشيء.
2- أن من أفضل المنح والعطايا أن يُرزق العبد الصبر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «... وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»[2].
3- أن الله مع الصابر يقويه ويثبته ويعينه، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ»[3].
4- من فضائل الصبر أن أجره لا حد له ولا عد، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].
5- هذه الفضائل العظيمة والأجور الكبيرة لا ينال كمالها إلا بأمرين:
أحدهما: أن يشتمل على الأحوال الثلاثة وهي: الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله.
وثانيهما: أن يكون الصبر لله وفي الله، قال تعالى: ﴿ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ ﴾ [الرعد: 22].
وبذلك أمر الله نبيه حين بعثه برسالته، قال تعالى: ﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ [المدثر: 7].
6- مما يعين على أن يكون العبد صابرًا حقًّا العلم بعواقب الأمور[4]، فإن العلم بذلك يجعل العبد دائمًا على استعداد لوقوع المفاجآت، من أجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى»[5].
ومن ذلك علمه بعواقب الصبر الحميدة، قال الشاعر:
وَالصَّبْرُ مِثْلُ اسْمِهِ مُرٌّ مُذَاقَتُهُ *** لَكِنَّ عَوَاقِبَهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] تفسير ابن سعدي (ص866).
[2] جزء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في صحيح البخاري برقم (1469)، وصحيح مسلم (1053).
[3] سبق تخريجه.
[4] أي نتائج الأفعال وما يترتب عليها.
[5] جزء من حديث أنس رضي الله عنه في صحيح البخاري برقم (1283)، وصحيح مسلم (926).