~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~

عدد مرات النقر : 1,501
عدد  مرات الظهور : 42,857,017


عدد مرات النقر : 1,501
عدد  مرات الظهور : 42,857,017

العودة   منتديات وهج الذكرى > وهج الادب المنقول مما راق لي > ❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧
❦ وهـج القصص والخيال ❦ ❧ لكل ما يروق لنا من قصص او خاطرة
التعليمـــات روابط مفيدة
 
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-18-2011   #4


الصورة الرمزية الغزال الشمالي
الغزال الشمالي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 218
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 07-10-2013 (07:01 PM)
 المشاركات : 2,111 [ + ]
 التقييم :  119
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي



وكانت المرأتان المصاحبتان لجماعة اللُّقطاء تتناجيان، فقالت الكبرى منهما: يا حسرتا على هؤلاء الصغار
المساكين! إن حياة الأطفال فيما فوق مادة الحياة، أي في سرورهم وأفراحهم، وحياةُ هؤلاء البائسين فيما هو
دون مادة الحياة، أي في وجودهم فقط.

وكِبَرُ الأطفال يكون منه إدخالهم في نظام الدنيا، وكِبَرُ هؤلاء إخراجهم من (الملجأ) وهو كلُّ النظام في دنياهم،
ليس بعده إلا التشريدُ، والفقرُ، وابتداء القصة المحزنة.

فقالت الصُّغرى: ولم لا يفرحون كأولاد الناس، أليست الطبيعةُ لهم جميعاً، وهل تجمع الشمسُ أشعتها عن هؤلاء لتُضاعفها لأولئك؟
قالت الأخرى: الطبيعة؟ تقولين الطبيعة؟ إنك يا ابنتي عذراء لم تبدأ في حياتك حياةٌ بعد، ولم تجاوبي بقلبك القلبَ الصغير
الذي كان تحت قلبك تسعة أشهر؛ وإنما أنتِ مع هؤلاء (موظَّفة) لا تعرفين منهم إلا جانب النظام وقانونَ الملجأ.

لقد ولدتُ يا ابنتي خمسة أطفال، وبالعين البليغة التي أنظرُ بها إليهم أنظر إلى هؤلاء، فما أراهم إلا منقطعين من صلة القلب الإنساني:
يعبسُ لهم حتى الجوّ، وُيظلم عليهم حتى النور، ويبدو الطفل منهم على صِغَرِه كأنه يحملُ الغمَّ المقبل عليه طولَ عمره.
يا لهفي على عودٍ أخضرَ ناعمٍ ريَّانَ كان للثَّمر فقيل له: كن للحطب!
الفرحُ يا ابنتي هو شعورُ الحيّ بأنه حيٌّ كما يهوى، ورؤيتُه نفسه على ما يشاء في الحياة الخاصة به.
وهؤلاء اللقطاء في حياة عامَّة قد نُزعت منها الأمُّ والأبُ والدارُ، فليس لهم ماض كالأطفال،
وكأنهم يبدؤون
من أنفسهم لا من الآباء والأمهات.قالت الصغيرة: ولكنهم أطفال.
قالت تلك: نعم يا ابنتي هم أطفال، غير أنهم طُردوا من حقوق الطفولة كما طُردوا من حقوق الأهل،
وحسبُك
بشقاءالطفل الذي لم يعرف من حنان أمه إلا أنها تقتله، ولا من شفقتها إلا أنها طرحته في الطريق.
إن الطبيعة كلَّها عاجزة أن تعطي أحدهم مكاناً كالموضع الذي كان يتبوَّؤُه بين أمه وأبيه
ليس الأطفالُ يا ابنتي إلا صوراً مُبهمةً صغيرةً من كل جمال العالم، تفسِّرها أعينُ ذويهم بكل التفاسير القلبية
الجميلة؛ فأين أين العيونُ التي فيها تفسيرُ هذه الصُّور اللقيطة؟

ألا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على أولئك الرجال الأنذالِ الطّغام الذين أولدوا النساء هؤلاء المنبوذين!
يزعمون لأنفسهم الرجولة، فهذه هي رجولتهم بين أيدينا، هذه هي شهامتهم، هذه هي عقولهم، هذه هي آدابُهم!
عجباً، إن سيِّئات اللصوص والقتلةِ كلها يُنسى ويتلاشى، ولكنَّ سيئات العشاق والمحبين تعيش وتكبر.
أكان ذنبُ المرأة أنها صادقة فصدَّقتْ، وأنها مُخْلِصة فأخلصتْ، وأنها رقيقة فلانت، وأنها مُحسنة فرَحمتْ، وأنها سليمة القلب فانخدعت؟
وآ كبدي للمسكينة! هل انخدعتْ إلا من ناحيةِ الأمومة التي خُلقت لها؟ هل انخدعتْ إلا الأمُّ التي فيها؟
وهل خدعها من ذلك اللئيم إلا الأب الذي فيه؟
وآ كبدي لمن تُفْجع بالنكبة الواحدة ثلاث فجائع: في كرامتها التي ابتُذِلتْ، وفي الحبيب الذي تبرَّأ منها،
وفي طفلها الذي قطعته بيدها من قلبها، وتركته لما كتب عليه!
إن هذا لا يُعوّضُه في الطبيعة إلا أن يكون لكل رجل من أولئك الأنذال ثلاث ُ أرواح، فيُقتل ثلاثَ مرات:
واحدةً بالشنق، والثانيةَ بالحرق، والثالثةَ بالرَّجْم بالحجارة.
وكان اللقطاء قد تَبَعْثروا على الساحل جَماعاتٍ وَشتَّى، فوقف أحدهم على طفل صغير يلعبُ بما بين يديه،
وأمُّه على كَثَب منه، وهي تتلهَّى بالمخرَّم تتلوَّى فيه أصابعُها.
فنظر الطفلُ إلى اللقيط وأومأ إلى جماعته ثم قال له: أأنتم جميعاً أولاد هاتين المرأتين أم أحدهما؟ قال اللقيط: هما المراقِبَتَان؛
وأنتَ أفليستْ هذه التي معك مراقِبة؟ قال الطفل: ما معنى مُراقبة؟ هذه ماما! قال الآخر: فما معنى ماما؟ هذه مُراقبة.
قال الطفل: وكلكم أهلُ دار واحدة؟ قال: نحن في الملجأ، ومتى كبرنا أخذونا إلى دورنا.
فقال الطفل: وهل تبكي في الملجأ إذا أردت شيئاً ليعطوك؛ ثم تغضبُ إذا أعطوك ليزيدوك؟ وهل يُسكتونك بالقرش
والحلوى؟ والقبلة على هذا الخد وعلى هذا الخد؟ إن كان هذا فأنا أذهبُ معكم إلى الملجأ؛ فإن أبي قد ضربني اليوم،
وقد أمر (ماما) أن لا تعطيني شيئاً إذا بكيت، ولا تزيدني إذا غضبت، ولا…
وهنا صاحت المراقبة الصغيرة: تعال يا رقْم عشرة.
فلَوَى اللقيطُ المسكين ُ وجهه، وانصاعَ وأدبر.
ومشى الأطفال بوجوه يتيمة، يقرأ من يقرأ فيها أنها مستسلمةٌ، مستكينةٌ، معترفة أن لا حق لها

في شيء من هذا العالمِ إلا هذا الإحسان البخس القليل


مصطفى صادق الرفاعي









 


رد مع اقتباس
 
كاتب الموضوع الغزال الشمالي مشاركات 3 المشاهدات 2811  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع

(عرض التفاصيل عدد الأعضاء الذين شاهدوا الموضوع : 0 (إعادة تعين)
لا توجد أسماء لعرضهـا.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 07:24 PM بتوقيت الرياض


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
دعم فني استضافه مواقع سيرفرات استضافة تعاون
Designed and Developed by : Jinan al.klmah