~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~ | |
|
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() عربة اللقطاء لمصطفى صادق الرافعي 1298 - 1356 هـ / 1881 - 1937 م مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي. اعلم بالأدب شاعر، من كبار الكتاب أصله من طرابلس الشام، ومولده في بهتيم بمنزل والد أمه ووفاته في طنطا مصر. أصيب بصمم فكان يكتب له ما يراد مخاطبته به. شعره نقي الديباجة في أكثره ونثره من الطراز الأول. وله رسائل في الأدب والسياسة. له (ديوان شعر-ط) ثلاثة أجزاء و (تاريخ آداب العرب -ط)، (وحي القلم-ط) (ديوان النظريات-ط)، (حديث القمر-ط)، (المعركة-ط) في الرد على الدكتور طه حسين في الشعر الجاهلي وغيرها عربة اللقطاء جلستُ على ساحل الشاطئ في (اسكندرية) أتأمل البحر، وقد ارتفعَ الضُّحى، ولكنَّ النهارَ لَدْنٌ ناعمٌ رطيبٌ كأنَّ الفجرَ ممتدٌ فيه إلى الظُّهر. وجاءت عَربة اللُّقَطَاء فأشرفَتْ على الساحل، وكأنها في منظرها غمَامةٌ تتحرك، إذ تَعلوها ظُلَّةٌ كبيرة في لَون الغَيْم، وهي كعَربات النقل، غيرَ أنها مُسوَّرةٌ بألواح من الخشب كجوانب النعش تُمْسك مَن فيها من الصِّغار أن يتدحرجوا منها إذ هي تدرُج وتَتَقَلْقَل. ووقفتْ في الشارع؛ لتُنْزِل رَكْبَها إلى شاطيء البحر؛ أولئك ثلاثون صغيراً من كل سَفِيج لَقيط ومَنْبوذ، وقد انكمشوا وتَضاغَطُوا إذ لا يمكن أن تُمَطَّ العربة فَتَسعَهم، ولكن يمكن أن يُكْبَسُوا ويتداخَلُوا حتى يَشْغَلَ الثلاثة أو الأربعة منهم حَيِّزَ اثنين. ومَنْ منهم إذا تألَّم سيذهب فيشكو لأبيه؟ وترى هؤلاء المساكينَ خَلِيطاً مُلْتَبِساً يُشْعِرك اجتماعُهم أنهم صَيْدٌ في شَبكة لا أطفالٌ في عربة، ويَدُلُّك منظرهم البائس الذليل أنهم ليسوا أولادَ أمَّهات وآباء، ولكنهم كانوا وساوِسَ آباء وأمهات. هذه العربة يجرُّها جوادان أحدهما أدهم، والآخر كُمَيْت. فلما وقفتْ لَوَى الأدهم عُنقَه والتفتَ ينظر: أيفرِغون العربةَ، أم يزيدون عليها؟ أما الكُمَيْت فحرَّك رأسه وعَلكَ لِجامَه كأنه يقول لصاحبه: إن الفكرَ في تخفيف العبء الذي تَحملُه يجعلُه أثقلَ عليك مما هو، إذ يُضيف إليه الهمَّ، والهمُّ أثقل ما حملتْ نفس؛ فما دمتَ في العملِ فلا تَتَوهَّمَنَّ الراحةَ؛ فإن هذا يُوهِن القوة، ويَخْذُلُ النشاط، ويَجْلِبُ السأم؛ وإنما رُوحُ العمل الصبر، وإنما رُوح الصبر العزم. ورآهم الأدهم يُنْزِلون اللُّقَطَاء، فاستخفَّه الطرب، وحرَّك رأسه كأنما يسخَر بالكميت وفلسفته، وكأنما يقولُ له: إنما هو النُّزُوعُ إلى الحرية، فإن لم تكن لك في ذاتها، فلتكنْ لك في ذاتك، وإذا تعذَّرَت اللذةُ عليك، فاحتفظ بخَيالها، فإنه وُصْلَتُكَ بها إلى أن تُمكنَ وتتَسهَّل؛ ولا تجعلَنَّ كلَّ طباعِك طباعاً عاملةً كادِحةً، وإلا فأنت أداةٌ ليس فيها إلا الحياةُ كما تريدك، وليكن لك طبعٌ شاعرٌ مع هذه الطباع العاملةِ، فتكون لك الحياةُ كما تريدك وكما تريدها. إن الدنيا شيءٌ واحدٌ في الواقع؛ ولكنَّ هذا الشيء الواحدَ هو في كل خيال دنيا وحدها. وفي العربة امرأتان تقومان على اللقطاء؛ وكلتاهما تزويرٌ للأم على هؤلاء الأطفال المساكين. فلما سكنت العربةُ انحدرتْ منها واحدة وقامت الأخرى تُناولُها الصغار قائلةً: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة. . . إلى أن تمَّ العدد وخلا قَفَصُ الدَّجاجِ من الدجاج؟ ومشى الأطفالُ بوجوه يتيمة، يَقرأ من يقرأ فيها أنها مُسْتَسلِمةٌ، مستكينة، معترفة أنْ لا حق لها في شيء من هذا العالم، إلا هذا الإحسانَ البخْس القليل. جاؤوا بهم لينظروا الطبيعةَ والبحرَ والشمس، فغفل الصغار عن كل ذلك، وصرفوا أعينهم إلى الأطفال الذين لهم آباء وأُمَّهات. وآ كبدي! أضنى الأسى كَبِدِي؛ فقد ضاق صدري بعد انفساحه، ونالني وَجَعُ الفكرِ في هؤلاء التُّعساء، وعرتني منهم علة كدس الحمى في الدم؛ وانقلبت إلى مثواي، والعربةُ وأهلها ومكانها وزمانها في رأسي. المواضيع المتشابهه: |
كاتب الموضوع | الغزال الشمالي | مشاركات | 3 | المشاهدات | 2768 |
![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
![]() |
|
لا توجد أسماء لعرضهـا. |
|
|