~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~ | |
|
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
#3 |
![]() ![]() ![]() |
![]() مرت ثلاثة أيام على الأقل حتى استطعت أن أرى أيمن، فقد كنت أطرق على باب روكسانا مرات عديدة كل يوم، ولكنها لم تفتح لي الباب، وعندما كنت أدق الباب كثيراً، كانت تصرخ من الداخل، ولا أفهم شيئا مما تقوله! في مساء اليوم الثالث، كنت أشاهد التلفاز مع العمة ماريا، حين رنَ جرس الباب فذهبت العمة ماريا لتفتح، ثم عادت ومعها أيمن، وقد تغيرت ملامحه، وأثار الضرب كانت واضحة بشكل كبير على جسده المتورم. أخذته بالأحضان، وكأني لم أره منذ سنين، وجلسنا نتحدث، وبدأ أيمن يقص على العمة ماريا ما حدث معنا في الحديقة، وكانت العمة ماريا تُصلب بيدها بعد كل عبارة يتوقف عندها أيمن، وبعد أن انتهي أيمن من كلامه، قامت العمة ماريا وضمتني إلى صدرها، وقد بدأت الدموع تسيل من عينيها، وهي تقول لي كلمات لم أفهم منها شيئا، فقال أيمن مترجماً: -تقول العمة ماريا إنها سعيدة جداً بشجاعتك، وأنها تخيلت نفسها مكان العجوز التي ساعدتها في الحديقة، وأنها تحمد الله على عودتك سالماً نظرت إلى العمة ماريا، وقلت لها ساخراً، وبالإشارة حتى تفهمني جيداً: أنا عدت سالماً، ثم نظرت إلى أيمن وقد انتفخت عيناه وازرق جلده، وقلت. وهذا المسكين، لقد عاد سالماً أيضاً، ولكن بعد أن تورم جسده، وتغير لونه فضحكنا جميعاً بشدة، حتى أخذ أيمن يتألم من شدة الضحك. تحدثنا وتسامرنا حتى ساعة متأخرة من الليل، أما روكسانا، فقد كانت تأتي من وقت لآخر لتستعجل أيمن بالعودة إليها، ولم تجرؤ على الدخول، ليس خجلاً مني ولكنها كانت تعلم بأن العمة ماريا لا تحبها ولا ترتاح لرؤيتها. في الصباح، استيقظت على صوت أيمن يستعجلني بالنهوض من الفراش قائلاً هيا هيا بسرعة، ليس معنا وقت، لقد تعودت على النوم والكسل، هيا يجب أن نبحث عن عمل، بدلاً من الجلوس والنوم من دون فائدة! وماذا يجب أن نفعل، وما هو العمل الذي يجب أن نعمله ،وأين مكانه، وووو؟ أسئلة كثيرة وجهتها إلى أيمن من غير أن أشعر، ولكني تلقيت إجابة واحدة فقط هيا بنا الآن وسوف تعرف كل شيء بنفسك! لم ينتظر أيمن العمة ماريا كي تُعد الفطور، وقال لي بأننا سنأكل أي شيء في طريقنا إلى مكان العمل، وطلب مني أن أدع جواز سفري وأي شيء مهم في البيت حتى إذا تعرضت للسرقة، فلا يجد اللصوص في جيبي شيئا. |
![]() |
![]() |
#4 |
![]() ![]() ![]() |
![]() نزلنا على الدرج بسرعة بعد أن أفرغت جيوبي عند العمة ماريا، وتوجهنا إلى الحافلة التي كانت تقف في أول خط سيرها تنتظر الركاب، ولكن هذه المرة، جعلني أيمن أجلس بجانب النافذة، وجلس هو بجانبي، لكي يضمن بأنني لن أتحرك من مكاني. انطلقت بنا الحافلة تجوب شوارع المدينة، ولم يمضي وقت طويل حتى نزلنا، وركبنا حافلة أخرى، لأن الحافلة التي نزلنا منها لا تصل إلى المكان الذي نذهب إليه هكذا أفهمني أيمن... قضينا أكثر من ساعة جالسين في الحافلة وهي تجوب بنا الشوارع، وأنا لا أدري أين نذهب، وكانت الشوارع بالنسبة لي كلها متشابهة، لا أستطيع أن أفرق بين شارع وآخر، وكان أيمن كعادته يجلس بجانبي، مُرخياً رأسه على طرف المقعد متظاهراً بالنوم. كانت الحافلة قد خرجت من المدينة عندما توقفت في آخر موقف لها، فنزلنا لنسير على أقدامنا في شارع تمر منه سيارات كثيرة، جيئة وذهاباً، حتى وصلنا إلى سوق شعبي كبير جداً، يقع خارج المدينة، تحيط به الأراضي الزراعية، وبعض البيوت التي يقطنها المزارعون. دخلنا من بوابة السوق التي تدخل منها السيارات إلى موقف كبير، يكتظ بالشاحنات الكبيرة التي تُحمل بالبضائع، ثم تنطلق إلى مدن أخرى، فقد كان سوقا كبيرا للبيع بالجملة. أول ما لفت انتباهي، هو المحلات التجارية، فقد كانت كلها مصنوعة من الصفيح ولا يتعدى حجم المحل أربعة أمتار طولاً، ومترين عرضاً، ولولا أني على يقين بأني موجود في أوروبا، لظننت بأن أيمن أخذني إلى الصين! فقد كانت المحلات تكتظ بالتجار القادمين من الصين، ليبيعوا بضائعهم الرخيصة في أوروبا، وكان السوق مزدحماً لدرجة كبيرة، لأن كثيراً من أهل المدينة الفقراء يقصدونه لشراء حوائجهم، مستفيدين من فرق السعر الشاسع بين الجملة والمفرق. كان السوق عبارة عن صفوف طويلة من المحلات، وكل صف من المحلات يقابله صفٌ آخر والممر بينهما ضيق كثيراً، مما يساعد على الازدحام، ويساعد اللصوص أيضاً في تنفيذ مهامهم بجيوب الزبائن، ومما يزيد الازدحام أكثر، مرور عربات اليد التي يدفعها العمال أمامهم بين الممرات الضيقة، محملة بالبضائع، حتى أنها كانت تسد الطريق أحياناً. كنت أمشي وراء أيمن بهذا الازدحام، وأنا أشعر بأصابع اللصوص تجسُ جيوبي ثم تعود خائبة من غير أن تجد شيئا. وقفنا بجانب مطعم صغير، وقد اشترى أيمن بعض فطائر الجبن، ولأن المطعم لا يتسع سوى للبائع، فقد جلسنا على حرف الطريق نأكل ونحن ننظر إلى الزبائن المارين من أمامنا، وكأنهم نهر يجري بين الممرات. لم أمضغ أول لقمة حتى شعرت بها تقف في حلقي، وبدأت أعصابي ترتجف، وجسدي يقشعر وأنا أشاهد أحد اللصوص يتتبع فتاة تمشي لوحدها، وقد أفرغ كل ما في جيوبها من غير أن تشعر،وهي تتلفت يميناً ويساراً، مستمتعة بمشاهدة البضائع المعروضة. |
![]() |
![]() |
#5 |
![]() ![]() ![]() |
![]() لم أستطع ضبط نفسي، ولكني لم أستطع التحرك، فقد كان أيمن يطوقني من خلفي بيديه، ويستحلفني بالله أن أبقى مكاني. جلست مكاني ودمي يغلي في عروقي، وأيمن يحاول تهدئتي قائلاً: - أرجوك يا فارس، لا تتدخل في شيء لا يعنيك، وإذا كنت لا تهتم لنفسك، فكر بي أرجوك فإن جروحي لم تلتئم بعد، افهمني جيداً أرجوك، فهنا لن يساعدنا أحد، سوف يضربوننا ولن يتدخل أحد من أجلنا، لقد جئنا نبحث عن عمل ولم نأتي لنصلح المجتمع، أرجوك ألف مرة أن تبقى هادئا، ولا تحاول أن تنجد أحداً، فمهما فعلت، فلن تغير شيئا، انظر إلى باقي الناس، كلهم ينظرون، ولا أحد يتدخل! لم يقنعني كلام أيمن ولكني هدأت قليلاً، ورحت أمضغ فطيرة الجبن بشدة، وكأنني أنتقم منها بدلاً من اللصوص.... كنت أنظر إلى الزبائن يمرون من أمامنا وكأنني أشاهد التلفاز، بشر من جنسيات كثيرة، وبين الحين والآخر، يمر اللصوص مسرعين ومعهم حقيبة، قد سرقوها، ثم يقفون خلف المطعم ليتقاسموا الغنيمة، حتى المتسولون، كانت أشكالهم غريبة ومقززة للنفس فقد كانوا يمرون من أمامي وكأنني أشاهد استعراضا كبيرا، رجل مقطوع الأطراف تجره امرأة وراءها على عربة صغيرة، وبعد أن تبتعد، يأتي رجل يجر طفلة وقد حُرق نصف جسمها، ثم يتبعهم رجل أعمى وهو يغني ليستعطف الناس كنت أتألم كلما رأيت هذه المناظر، وسألت أيمن: أننا نجلس هنا منذ فترة، هل تريد أن تعلمني التسول أو السرقة؟ ضحك أيمن وقال: أتظن أن المتسولين واللصوص يدخلون إلى السوق من غير أن يدفعوا، وأشار بأصبعه إلى رجل طويل وسمين يقف بعيداً بالقرب من بوابة السوق، وقال:هذا الرجل يتقاسم مع اللصوص ما يسرقوه، ويتقاسم مع المتسولين ما يكسبوه، مقابل حمايتهم إذا ما تعرض لهم بطل من أمثالك، وبضربة واحدة يجعله بصلا، وهو بدوره يتقاسم المال مع آخرين يحموه من الشرطة، ولكن اطمئن، فنحن هنا لنبحث عن محل فارغ كي نستأجره، ونبيع فيه بضائع مثل باقي التجارولكن ماذا نبيع فيه؟ أنا أعرف تجارا صينيين، سوف نشتري منهم بضائع ونبيعها، وسوف نأخذ منهم البضائع بسعر رخيص... ـ ولكن ما هو نوع البضائع؟ ـ لا يهم.. البسة.. أجهزة كهربائية.. أي شيء نبيعه ـ ولكن كيف نستأجر محلا تجاريا ونحن لا نملك ترخيصا؟ ضحك أيمن بصوت عال، حتى لفت انتباه أحد المتسولين الذي جاء يركض، وهو يمد يده فطرده أيمن، وتابع قائلاً: ـ في هذا السوق لا أحد يملك رخصة للبيع! ـ هل تسمح لهم السلطات بمزاولة التجارة من غير رخصة ضحك مرة ثانية وقال: ـ بالطبع لا تسمح لهم أن يبيعوا من غير رخصة، لكي لا يتهربوا من الضرائب ولكنهم يغلقون محلاتهم ويهربون عندما تأتي الشرطة الاقتصادية، أو عندما يأتي المفتشون عن رخص البيع... تركنا مكاننا، ومشينا وسط الازدحام، نتلفت يميناً ويساراً، بحثاً عن مخزن فارغ نستأجره، وكلمات أيمن عن هرب التجار لا تفارق تفكيري، فكيف سيهرب مئات التجار بل آلاف التجار، ويغلقون محلاتهم عندما تأتي الشرطة، والزبائن ماذا تفعل؟ لا.. لا أطن أن هذا يحدث.. أعتقد أن أيمن يسخر مني، فلا أعتقد أن سوقا بهذا الحجم الكبير والمستودعات الممتلئة بالبضائع، والعمال والزبائن والتجار، واللصوص كل هذا كان يدور في رأسي عندما سمعت صرخةً قوية من أحد الصينيين وساد بعدها الصمت لثوان، ثم ارتفعت رؤوس التجار تستطلع الصيحة، وعيونهم تحملق باتجاه البوابة، وكأنهم قطيع من الأرانب، قد حلق الصقر فوق رؤوسهم. يتبع |
![]() |
![]() |
#6 |
![]() ![]() ![]() |
![]() فجأة قامت القيامة في السوق، فقد سمعت كثيراً عن يوم القيامة، ولكني هنا رأيته بأم عيني، أخذ التجار يرمون بضائعهم بسرعة داخل المحلات، وأبواب الصفيح تغلق بقوة فتحدث صوتاً مدوياً، والتجار يتراكضون في جميع الاتجاهات،والزبائن يهربون من مدخل السوق، فسألت: أيمن ماذا يحدث؟ فقال: الشرطة الاقتصادية.. هيا لنهرب.. بسرعة! ـ ولكن لماذا نهرب؟ ماذا فعلنا، حتى أننا لم نستأجر محل بعد؟ ـ المهم الآن اركض وانفذ بجلدك! وأخذ أيمن يركض، وأنا أركض وراءه، ومن غير أن أشعر اصطدمت بأحد الصينيين الهاربين، ووقعت معه على الأرض نهض الصيني وهو ينظر إلي بغضب، ثم تابع هارباً، ونهضت أنا أيضاً،ورحت اركض وراء ايمن الذي اختفى عن عيني بين الهاربين، ولم اعد أرى له أثراً. ركضت محاولاً الخروج من بوابة السوق، ولكني وجدت البوابة قد أغلقت، واكتظ المكان برجال الشرطة المقنعين، يحملون البنادق بأيديهم، وكأنهم في حالة حرب أشار لي احدهم بأن أقف جانباً، ولا أتحرك من مكاني. فُتحت البوابة، ودخلت منها شاحنات كبيرة تابعة للشرطة، وبدأ رجال الشرطة بجمع البضائع التي تركها أصحابها على الأرض، ليضعوها في الشاحنات، وكان قسم آخر من الشرطة يضع الشمع الأحمر على المحلات التي أغلقها أصحابها وهربوا. وبما أن حجم السوق كان كبيراً جداً بحيث أن الشرطة لا تستطيع وضع الشمع على كل المحلات، فقد اكتفوا بالمتاجر الكبيرة التي في مدخل السوق. اقترب أحد الشرطة مني، ولم يكن مقنعاً، وبدأ يكلمني ويشير لي بيده، وأعتقد أنه يسألني عن جواز سفري، فحاولت البحث عن شيء في جيبي لأخرجه له، ولكن جيوبي كانت خالية من كل شيء! لم ينتظرني الشرطي كثيراً، أخرج أصفاده الحديدية من جيبه، وقيدني بها، ثم دفعني إلى داخل سيارة الشرطة، وأغلق الباب الذي يُفتح من الخارج فقط. جلست بالقرب من نافذة باب السيارة، وقلبي يخفق والأفكار والأسئلة تدور في رأسي، لماذا اعتقلني الشرطي؟ فأنا لم افعل شيئاً، وقطع تفكيري صراخ قوي، نظرت من النافذة، فرأيت أحد الصينيين يصرخ رافضاً أن تفتشه الشرطة، والشعب الصيني، شعب شرس جداً، لا يرضخ لأحد، والشرطة تحسب لهم ألف حساب قبضوا على الصيني، وجاؤوا به إلى السيارة، وأجلسوه بجانبي. هذا الموقف الذي رأيته في هذا اليوم، جعلني أعرف الجواب عن سؤال، كنت قد سألته لنفسي كثيراً: كيف يستطيع مليار ونصف المليار شخص تقريباً أن يعيشوا في دولة واحدة مثل الصين؟ ويحكمهم رئيس واحد! فقد رأيت الجواب بعيني، عندما قبضت الشرطة على الصيني، خرج رفاقه من مخابئهم، من بين محلات الصفيح، يحملون السكاكين والسيوف، وهم يصرخون في غضب، يريدون إطلاق سراح صديقهم، وكان حمام من الدم على وشك الحصول، لولا أن رئيس الشرطة تدارك الأمر، وجاء إلى السيارة وأطلق سراح الصيني وسراحي ظناً منه بأنني معتقل معه في نفس الموضوع! علمت عندها، لماذا يعيش مليار ونصف المليار صيني في دولة واحدة، يحبون بعضهم البعض، ويهبون لنجدة أحدهم عندما يقع في مشكلة ما"مثلنا بالضبط"!! فتخيلت أيمن قادماً من بعيد على حصان عربي أصيل، يلوح بسيف طويل، ويصرخ بأعلى صوته: اتركوه أيها الأشرار، ويحاً لكم كيف، تقبضون عليه ألا تعلمون من يكون ألا تعرفون أنه عربي..عربي.. عربي.. عر....! وأيقظني من تفكيري أحد الصينيين يجرني من ذراعي كي يبعدني عن طريق الشرطة! بعد أن امتلأت الشاحنات بالبضائع المصادرة، فُتحت البوابة، وخرجت منها يتبعها رجال الشرطة، فقد انتهت مهمتهم، وذهبوا بالغنائم... كنت أنظر بكل الاتجاهات لعلي أرى أيمن، ولكن السوق كان شبه فارغ، وقد خيم الصمت على أرجاء السوق، حتى المتسولون لم يعد لهم أثر، واختفى اللصوص ،حتى قبل وصول الشرطة! شيئاً فشيئاً بدأ التجار والزبائن بالعودة، ولم يمض أكثر من نصف ساعة حتى عاد كل شيء كما كان، وكأنه لم يحدث شيء! |
![]() |
![]() |
#7 |
![]() ![]() ![]() |
![]() تجولت في السوق لعلي أصادف أيمن، ولكن عبثاً، فقررت بأن أنتظره بجانب بوابة السوق، لعله يراني، عندما يغادر، أو يدخل السوق بحثاً عني. طال انتظاري كثيراً. وبدأت الشمس تميل نحو الغروب، والزبائن غادرت السوق ولم يبق سوى بعض الصينيين يجمعون بضائعهم من أمام متاجرهم لكي يغلقوها، وبعض العمال الذين يجمعون القمامة التي خلفها الزبائن وراءهم. احترت في أمري، ماذا افعل؟ أين اذهب؟ وأين أيمن؟ فكنت أتنقل بين السوق وموقف الحافلة، لربما يكون أيمن على نفس الطريق يبحث عني. وكانت الساعة السابعة مساءً موعد الحافلة الأخيرة التي تغادر إلى المدينة. توقف تفكيري، وكنت لا أدري هل أركب الحافلة أم أبقى في السوق؟ وإذا غادرت مع الحافلة، إلى أين اذهب؟ فأنا لا أعرف طريق العودة إلى البيت ولا اسم الحي الذي يقطنه أيمن ولا حتى أملك نقودا في جيبي، ولا أية وثيقة تثبت هويتي؟ فما كان مني سوى العودة إلى بوابة السوق والجلوس هناك منتظراً ايمن حتى يعود! كانت عيون حراس السوق تحدق بي كلما مروا من أمامي، وهم لا يدرون لماذا لم يغادر هذا الأجنبي، وقد غادر معظم التجار الأجانب؟ اقترب احدهم مني، وبدأ يكلمني، وهو محتارٌ في أمري لا يدري عني شيئاً، ولكني لم أفهم شيئا مما يقول، وكل ما استطعت أن أقول له أيمن.. أنتظر .. أيمن، فتركني وذهب ولم يفهم مني شيئاً! خيم الظلام على المكان، إلا من ضوء يأتي من مصباح كهربائي موجود في غرفة صغيرة بجانب البوابة يجلس بداخلها حارس السوق بعد أن ينتهي من جولته لتفقد السوق، وبعد أن يتأكد من مغادرة جميع الزبائن والتجار للمكان دخل الحارس إلى غرفة الحراسة،ثم رمى بحزمة من المفاتيح كانت بيده على طاولة صغيرة، وجلس على مقعد خشبي بجانب باب الغرفة، وراح يحدق في. لم يتبق في السوق غيري أنا والحارس، الذي يبلغ العقد السادس من العمر، تقدم نحوي، وقد بان وجهه الممتلئ بالتجاعيد، وعيناه الكبيرتان اللتان تكادان تخرجان من محجرهما، وأنفه الكبير المنفوخ، وقال بصوت عالي:السلام عليكم! للحظات انتعش قلبي وانفرجت غيمة الخوف عني، ونهضت مسرعاً من مكاني، وقلت له:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً بك يا أخي، الحمد لله بأني وجدتك لقد أضعت صديقي أيمن، ورحت أشرح له وأكلمه عن حالي، وهو صامت لا يقول شيئاً وكانت خيبة أملي كبيرة جداً، عندما علمت بأنه لا يعرف من اللغة العربية سوى كلمة السلام عليكم، ربما سمعها من أحد العرب، ويرددها كالببغاء. من خلال الإشارات فهمت منه بأن رئيسه لا يسمح له أن يدع أحداً يجلس بجانب بوابة السوق، وسوف يوبخه إذا رآني، فأشار لي أن أرحل أو ادخل واختبئ داخل السوق كي لا يراني أحد، ولم يكن أمامي سوى الدخول إلى السوق الذي كان موحشاً جداً! مشيت خائفاً، لا أدري أين أنا أو في أي اتجاه أمضي، ظلام دامس،اختفى القمر من السماء، والنجوم حجبتها غيوم سوداء، والأشباح تغزو خيالي، تراقصه من وراء الجدران، وعيون تلمع كانت بانتظاري، ارتعدت أوصالي، وأردت الرجوع ولكن العيون الحمراء ملأت المكان، وفات الأوان! كانت الكلاب قد اشتمت رائحتي الغريبة عليها، وعندما نبح أول كلب، تبعته باقي الكلاب المشردة التي تنتشر في السوق، وتأتي من الأراضي الزراعية المتاخمة للسوق، وكانت تأكل الفضلات التي يرميها التجار خلال النهار. كان قلبي يخفق بقوة، حتى أني لم أر حجراً أرميها به، كي أبعدها عني، فوقفت أمام حائط من الصفيح كي لا تهاجمني الكلاب من الخلف، ورحت أضرب بكل قوتي على الصفيح محاولاً إخافتها، وقد نجحت في البداية، ولكنها كانت تعاود الهجوم كلما توقفت عن ضرب الصفيح، وكانت الكلاب كثيرة جداً، تنبح بصوت أقوى من صوت ضربي على الصفيح، وشيئاً فشيئاً بدأت قواي تخور، ولم أعد أستطع تحريك يدي من شدة الألم والتعب الذي أصابها من جراء الضرب على الصفيح. أرخيت جسدي المتهالك على الحائط، ولم تعد تحملني قدماي، فتهاويت على الأرض واستسلمت إلى قدري المحتوم. لم أدر ماذا جرى بعد أن وقعت على الأرض مغمى علي، ولكني عندما فتحت عيني شعرت أني قد نمت لمدة طويلة جداً، واعتقد بأنني نمت يومين أو أكثر من شدة التعب و الإرهاق، وكانت معدتي الفارغة تلتصق بظهري من الجوع وجدت نفسي مستلقياً على سرير في غرفة صغيرة، مبنية من الطين، وسقفها من جذوع الأشجار، فأدركت بأنني في بيت ريفي .... رفعت عني الغطاء، وكان عبارة عن بساط أحمر مصنوع يدوياً، أردت أن أنهض، ولكني لم أستطيع، فقد كنت مقيداً بالسرير... حاولت جاهداً فك قيدي، ولكني لم أستطع، فقد كنت مقيداً بإحكام شديد، بدأت أصرخ، أنادي لعل أحداً يسمعني، ولكن لم يجبني أحد! مر الوقت ببطء شديد، فأنا لا أعلم أين أتواجد الآن؟ وماذا حصل لي؟ ولماذا أنا مقيد هكذا؟ ومرة ثانية عدت للنوم، لعلي أستيقظ فأجد نفسي في غير هذا المكان، وربما أستيقظ من هذا الكابوس الذي يطبق على أنفاسي، ولكني استيقظت على يد الحارس الذي رأيته في السوق، وأعتقد بأنه هو الذي أنقذني في تلك الليلة، وجاء بي إلى بيته، ولكن لماذا قيدني؟ فك الحارس قيدي، وتركني وخرج، من غير أن ينطق بأي كلمة. نهضت من السريرولحقت به. عندما خرجت من باب الغرفة لم أستطع أن أفتح عيني، فقد سطعت أشعة الشمس بوجهي، وكأنني لم أر الضوء منذ فترة طويلة، وكما توقعت فقد كنت في بيت ريفي له حديقة صغيرة قد امتلأت بالأوراق الصفراء المتساقطة من الأشجار المحيطة بها معلنة قدوم الشتاء القاسي جداً في أوروبا الشرقية. |
![]() |
![]() |
كاتب الموضوع | الغزال الشمالي | مشاركات | 31 | المشاهدات | 10316 |
![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
![]() |
|
لا توجد أسماء لعرضهـا. |
|
|