كثيرٌ منا يتذكر الصورة التي كانت تجمع بين (بيل غيتس) و (ستيف جوبز) وهما يتقاسمان طاولة كانت ملقاة في الردهة الخارجية لأحد المقاهي ، و يحتسيان القهوة وسط جموع الناس الذين لم يتوقفوا أمام طاولة (الثريين) ليقدموا (معروضاً) أو يلقوا بين يديهما قصيدة ، كلٌ كان في طريقه إلى عمله ، تماماً كما كان (الثريان) يؤديان عمليهما من على طاولة متواضعة في مقهى منزو ، فلم تحط بهما حاشية أو حرّاس
أو أسطول من السيارات أو طوابير من المتسولين ، في الوقت الذي كانا يتربعان على عرش شركتين من الشركات العملاقة التي تقود
و تؤثر في اقتصاد العالم ، هنا يبرز الفرق بين أثريائهم و بعض أثريائنا في العالم العربي ، خصوصا من فئة (اثرياءُ الصُدْفة) الذين شاء القدرُ ان يفيقوا و يجدوا كنوز الارض بين أيديهم ، فُخلقوا اثرياء و رجال اعمال من غير حول
و لا قوة منهم ،
و تصدرت اسماؤهم قوائم اثرياء العالم ؛
لا لعمل أفنوا أعمارهم فيه ، أو منجز تفتقت أذهانهم عنه، و إنما هي الصدفة التي جعلت منهم شيئا مذكوراً على هذه البسيطة ، لذا
لا يألون جهداً في البذخ الاعلامي و المساهمة في خلق أنماط اجتماعية متخلفة ابرزها ؛ ظاهرة التسول حول قصورهم و مخيماتهم الفارهة ، التي أوجدوها لهذا الغرض حتى يتحدث الناس عن الطوابير الطويلة التي كانت تصطف من الصباح الباكر من أجل السلام على رجل الأعمال و إلقاء قصيدة عصماء بين يديه ، و التي عادة ما تستهل بـ ( انت الذي…) فذلك الثري العربي .
لا يمكن أن يكون موجودا داخل الصورة إلا من خلال تلك الأنماط المتخلفة ، و بعد ذلك كله يأتي لنا ليعظ عن العصامية و عن الفساد و عن (رؤيته) الإصلاحية .
لم يكن (بيل غيتس) و لا (ستيف جوبز) عاجزين عن نصب مخيمات فارهة في صحاري نيفادا
و استقبال أعيان القبائل الامريكية ، و شعراء (القلطة) هناك ، و (تشريه ) رعاة البقر و من في حكمهم ، و قضاء الوقت في الضحك من نكت (السحلي) الامريكي المتخصص في اضحاك
و مسامرة علية القوم ، لكن زعماء شركة (ميكروسوفت) و (أبل) لا وقت لديهم لتلك الترهات ، فهم مشغولون ببناء إمبراطوريات اقتصادية عملاقة ، تساهم في جعل الحياة أكثر سهولة
و يسراً على هذا الكوكب ، ليس من خلال أعمالهم التجارية فحسب ، و إنما أيضا من خلال مؤسساتهم الخيرية و مساهماتهم في الأعمال التطوعية المنتشرة في قارات العالم ، فهم يؤمنون بمقولة ( اعمل حتى أراك ) بينما مُترَفونا يؤمنون بمقولة ( هايط حتى أراك ) ...