~{فعاليات منتديات وهج الذكرى}~ | |
|
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||||||
|
||||||||||||
![]() ![]()
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-color:silver;border:5px double black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
![]() ![]() ماذا ترى يكون إحساس الرجل إذا نام مائة سنة أو مائتين أو ثلاثمائة — أو ماتها — ثم أفاق وعاد إليه الشعور بما حوله، أو رُدَّ إلى الحياة؟ ويستوي أن ينام المرء أو يموت، هذه المائة أو المئات من السنين — كلتاهما رقدة ينقطع فيها عن الدنيا ويتخلف عن ركبها الذي لا يتلبَّث أو يتوقف في ليل أو نهار، ولا يحس فيها بنفسه وبتيار الحياة الزاخر من حوله، وليس يكفي أن تكون الغيبوبة بضع سنوات، فإن الدنيا لا تتغير في رأي العين وإحساس النفس في سنوات قليلة، أو هي تتغير ولكن الحاضر يبقى — ويبدو — قريب الشبه بالماضي ظاهر النسب إليه، فلا يصدم ولا يدهش ولا يجد المرء ما ينكر. ويجب أن يكون الذي ينام أو يموت هذه الحقبة الطويلة رجلًا لا طفلًا؛ لأن الطفل يستوي أن يولد الآن أو بعد عصور وعصور، ولا اعتداد ببضعة أعوام يجري فيها على الأرض ويلعب، فإنها إذا اتسعت للعب والعبث لا تتسع لتكوين العقل والإحساس ونشوء الصلات بين المرء والناس، وتقرر العادات. ماذا تُرى يكون إحساسه حين يقوم وينظر فإذا كل ما حوله مغاير لكل ما ألف؟ لا اللغة كما كانت على عهده وإن بقيت قواعدها وأصولها واحدة، وظل نحوها وصرفها على ما تعلم، ولكن اللغة ليس كل ما فيها الصرف والنحو وما إليهما، وهي تتغير كما يتغير كل شيء في هذه الدنيا التي لا يثبت فيها شيء على حال، وتفقد وتكسب، وتلين أو تصلب وتجمد، حتى الألفاظ تخلع من المعاني والدلالات قديمًا وتستجدُّ غيره، كالشجر يسقط عنه الذاوي ويثبت فيه الجديد الرفاف، وحتى تعليق الكلام بعضه ببعض على معاني النحو يختلف بعد فترات من الزمن، تبعًا لأسلوب التفكير ووجهة النظر، ومن ذا الذي يجرؤ أن يزعم أن العربية التي نستعملها الآن ونكتبها ونقرؤها هي العربية التي كانت أداة التعبير والتفاهم في صدر الإسلام، أو عربية مصر الإسلامية، أو العربية التي كتب بها الناس منذ عشرين سنة لا أكثر، أو أن عربية مصر هي عربية الشام أو المغرب؟ ولا الثياب يجدها كما كانت، ولا هندسة البناء، ولا تخطيط المدن، ولا نظام الحكومة والاجتماع والمعيشة، ولا العادات، ولا الفضائل والرذائل، حتى الآكال و(الأشربات) لا يعدم صاحبنا حين يكر إلى الدنيا أو يقذف به عليها من الماضي المنسوخ، ما ينكر ولا يعرف، والمرأة لم تعد هي المرأة التي كان — مثلًا — يحجبها في البيت ويضنُّ على العيون بلحظها، ويسعى ويغدو عليها بالكسوة والطعام والنفقة لها ولأولادها، ولعلها في هذه القرون قد خلعت الحرائر الموشاة، واتخذت زي الرجال، وخرجت تعمل وتتصرف، وعسى أن تكون قد زاحمت الرجال وغلبتهم على ما كان لهم وفي أيديهم. أيكون إحساسه شبيهًا بما يحس الذي ينتقل من مصر إلى الصين أو أمريكا مثلًا؟ لا نظن، وصحيح أن بين أقطار الأرض اختلافًا شديدًا وتباينًا عظيمًا، ولكن وحدة الزمن موجودة، والدنيا موصول بعضها ببعض على الرغم من اتساع رقعها وبُعد ما بينها، والمرء حين يتنقل يعلم أنه لا بد ملاقٍ غير ما ألف فيعد نفسه ويهيئ أعصابه لتلقي غير المعهود وشهود ما لم يعرف، وهذا التهيؤ السالف يخفق الصدمة ويسلبها العنف ويجرِّدها من القدرة على الرج، ثم إن المنتقل يعرف مما قرأ أو سمع بعض ما سيرى، وأخلق بدهشته — على كل حال — أن تكون مقطبة بلذة المشاهدة للجديد الذي خرج من بلاده يبغيه وينشد الاطلاع عليه. وليس كذلك الذي غاب من الدنيا قرونًا ثم بُعث فيها كرةً أخرى، فإن المفاجأة تكون تامة والمباغتة من كل ناحية، فأخلق أن تكون الصدمة كأعنف ما يستطيع العقل أن يتصور، وأَحْرِ بأن تكون الرجة فيما يحس من التغير الشامل المفاجئ بلا تمهيد، أشبه بالزلزال لنفسه، وأنت قد تعلم أن الذين طالت أعمارهم وعلت أسنانهم لا يزالون ينكرون الكثير من عادات الجيل الذي جاءوا هم به، ومن أساليب حياته وتفكيره ومن آرائه ونزعاته، هذا وإن كانت صلتهم بالحياة لم تنقطع، فلا مفاجأة ولا مصادمة، ومع ذلك يعز التفاهم في كثير من الأمور بين الشيوخ والشبان، ويقع الخلاف، ويهب الشيوخ ينكرون من الجيل الناشئ التفاتات ذهنه، واتجاهات تفكيره، وألوان إحساسه، وأسلوب تناوله للحياة، وينكر الجيل الناشئ من الشيوخ تحجرهم وجمودهم ونظرتهم القديمة، وهذه القوالب التي صبوا فيها آراءهم وإحساساتهم، والتي يريدون أن يفرغوا فيها حياة الدنيا الجديدة. فإذا كان هذا هكذا فكيف يكون في ظنك مبلغ الإنكار الذي يشعر به المبعوث من نيمة أو ميتة طويلة تراخت عليها قرون طويلات المدد؟ أحسبه لا يستطيع أن يتلقى هذه الحياة ويتقبَّلها ويروض نفسه على غرائبها بسهولة؛ لأنه ارتفع عن سن الطفولة المتهيئة لمثل هذا التقبل. ولا يسعه أن ينضوي عن نفسه كل ما درج عليه من أساليب التفكير والنظر ومن الإحساسات والعادات؛ لأن هذا كله لا يخلع ويلبس غيره كما تغيَّر الثياب، وقد يتيسَّر له على الأيام أن يألف ما ينكر فيسكن إليه إذا جاءت الصدمات شيئًا فشيئًا وبينها فترات كافية، أما إذا تلاحقت في عنف وعند كل خطوة ومع كل لفتة، فأَحْرِ بالعقل حينئذ أن يطير وأن تعجز المرونة الطبيعية في الإنسان عن مطاوعة هذا الانقلاب الشامل، والشعور بالغربة كربٌ عظيم وبلاءٌ شديد لا يقوى على احتماله المرء إلا بجهد قاسٍ، فكيف إذا نظرت فإذا أنت من عالم آخر، يستغربك الناس وتستغربهم، وينكرونك وتنكرهم، وتنظر فلا تجد لك في الدنيا قريبًا أو نسيبًا أو صاحبًا أو عدوًّا، ولا تعرف لك معاهد، وتفكر فلا ترى حاضرك موصولًا بماضيك، ويختلط عليك أمر الزمن، فالليلة فيما أحسست قرون فيما عرف الناس. وتصور عقلك كيف يعصف به أن يتفق لك أن تعلم أن ابنك مات منذ مائتي سنة وهو في السبعين من عمره على حين أنك ما زلت في العقد الثالث أو الرابع من حياتك، أي إن ابنك أكبر منك سنًا، أيسعك أن تزدرد هذا بغير عناء؟ أيسهل عليك أن تفهمه وتقبله بابتسامة الحكيم الذي رأى من غرائب الدنيا ما صرفه عن الاستغراب؟ أيكون عجيبًا أن يبلغ من عنف الرجة أن يزهد المرء في عالم تغيرت فيه الحياة ومن عليها، وأن يؤثر الكرة إلى ما كان فيه، والرجعة إلى ظلمة الماضي الذي خرج منه ... للمازنى [/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN] المواضيع المتشابهه: ![]()
آخر تعديل ودق السماء يوم
01-31-2016 في 06:17 AM.
|
![]() |
#5 |
![]() ![]() ![]() |
![]() قرأت النص مرتين .... فهمت نصفه او اكثر ولم استوعب بعضاً منه .. لا ادري هل حديثه عن متغيرات تحدث بسرعة البرق ! ام عن زمن مضى وانتهى وظهر على السطح اناس من الماضي فاستغربوا واقع اليوم ! اعلم انه يتحدث عن امر عظيم وكبير ولكن بعض الافكار ربما تظل اكبر بكثير من ان ندرك معانيها روح مخملية شكراً لهذا الجمال |
التعديل الأخير تم بواسطة شمس الاصيل ; 02-12-2016 الساعة 11:15 AM
![]() |
![]() |
كاتب الموضوع | ودق السماء | مشاركات | 6 | المشاهدات | 1606 |
![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
![]() |
|
لا توجد أسماء لعرضهـا. |
|
|